سيناء تراب وتراث مصر منذ الأزل د. علي رضوان كتب الاستاذ أسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام في مقال الجمعة29 فبراير الماضي حول مشاريع إسرائيلية لتبادل أراض مع دول التسوية متناولا محاولات إسرائيل الحصول علي أراض مصرية سواء لإسرائيل أو فلسطين. ولأن أراضي سيناء مصرية منذ الأزل أردت أن أحدد أو أرجع إلي الاصول التاريخية والاثرية التي تثبت ذلك: في أقصي الطرف الشمالي الشرقي للأراض المصرية تقع شبه جزيرة سيناء التي كانت دائما ومنذ عصور ما قبل التاريخ ذات اهتمام خاص من قبل الوطن الأم في وادي النيل. ولسوف نستعرض هنا جانبا من الشواهد الاثرية وبعضا من الحقائق التاريخية, وذلك بحسب آخر الدراسات والابحاث العلمية لكي يكون فيها تذكرة لأولنا وآخرنا بأن سيناء هي تراب وتراث مصري منذ الأزل. الاسم الحالي: يعتقد أن اسم سيناء يرجع إلي كثرة جبال شبه الجزيرة ذات القمم العالية المدببة أو المسننة. وهذا يذكرنا بقسم الحق سبحانه وتعالي في كتابه الكريم: والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين صدق الله العظيم, وبما يشير إلي أرض الشام وجبل طور سيناء ومكة المكرمة. وهناك رأي آخر يربط اسم سيناء برب القمر عند الشعوب القديمة التي هاجرت من جزيرة العرب لكي تستوطن أرض الهلال الخصيب, وكان يعرف باسم سين بما يعني أن سيناء هي أرض سين, والرأي الأخير في تقديري أضعف من سابقه, ذلك أن التسمية الأولي التي ترتبط بالجبال الشاهقة ذات السنن يمكن أن تقارن باسم البطراء في جنوب الأردن نحو80 كم جنوبي البحر الميت, والذي يرجع إلي كلمةPetra التي تعني صحرا أو صخرا عند الإغريق والرومان من بعدهم, والمعروف أن البطراء أو البتراء تشتهر بمقابرها التي نحتت في باطن الجبال ولها واجهات عالية. الاسم في النصوص المصرية القديمة الهيروغليفية: والمعروف أن سيناء جاء ذكرها في عهود الفراعنة ومنذ الدولة القديمة بأكثر من طريقة أو اشارة نذكر منها ما ورد علي حجر بالرمو أو في كثير من نصوص الدولة القديمة الاخري الذي نقرأه: ختيو مفكات, وكلمة ختيو تعني لدي المصريين القدماء أرض هضاب ومنحدرات جبلية, ولعها تشير هنا إلي أرض سيناء ذات السلاسل الجبلية الساحلية المتدرجة الانحدار. وأما كلمة مفكات فهي تعني فيروز, وبذلك تكون الاشارة هنا إلي سيناء التي قدروها أرض مدرجات الفيروز الجبلية, وكانت في البداية اسما لمنطقة المناجم في وادي المغارة هناك ثم صارت اسما علي سيناء بصفة عامة. وهناك التسمية البسيطة التي نقرؤها بياو وأحيانا بيا التي تعني ببساطة أرض المناجم والتعدين ثم هناك أخيرا كلمة ختم التي تعني في اللغة المصرية القديمة قلعة أو حصنا أو معقلا منيعا, وكانت تطلق علي منطقة المناجم الحصينة في سرابيط الخادم بالقرب من وادي المغارة. مدينة رفح: بوابة مصر إلي فلسطين وبلاد الشام: والطريف أن اسمها الباقي حتي الآن وإلي آخر الزمان بإذن الله هو اسم مصري قديم أصيل وينطق في الكتابات الهيروغليفية را بح أي أن الاسم يكون مكونا من كلمتين, الأولي را, وتعني أصلا فم وتدل مجازا في لغة القوم آنذاك علي باب أو بوابة أو مدخل أو معبر. أما كلمة بح فهي تعني عند المصري القديم الوصول أو النهاية, وبذلك يدل اسم المدينة بالمصرية القديمة علي أنها باب الوصول إلي مصر أو بوابة حد النهاية الشمالية للأرض المصرية, وبما يتفق مع وظيفة الموقع هنا ومنذ عهد الملك نعرمر آخر ملوك ما قبل التاريخ. أما عن قلب الباء إلي فاء في اسم رفح فلدينا في اسم مدينة الفيوم خير مثال علي ذلك, عندما كان المصري القديم يطلق عليها بأداة التعريف المصرية, با يوم في إشارة واضحة إلي بحيرة قارون الواسعة هناك, فإننا نجد الاسم وقد صار قبل اضافة اداة التعريف العربية فا يوم. ونعرف أن را بح تحولت في العصور الفرعونية إلي ربح. أما عن مكانة المدينة وأهميتها بالنسبة لمصر القديمة فانني سوف اكتفي بما كتبه عنها العالم الإسرائيليRaphaelGiveon واحد من أكبر علماء الآثار وكان متخصصا في موضوع علاقات مصر الفرعونية ببلاد الشرق الأدني القديم في الموسوعة العالمية:(LexikonderAgyptologie التي صدرت في ألمانياWiesbadem) يقول جفيون في المجلد الخامس, العمود رقم147 ما يأتي: رفح مدينة تقع عند الحد الفاصل بين فلسطين ومصر, وذلك عند طريق قوافل هام, وهي تبعد نحو33 كم إلي الجنوب الشرقي من مدينة غزة, وكانت قد ذكرت المقصود هنا ذكرها بنفس الاسم الذي به تعرف حاليا, حيث إن رفح ومنطقة الحدود عرفت باسماء اخري. كما سوف نري نحن في هذا المقال فيما بعد! لأول مرة في قائمة اسماء المواقع في معبد الفرعون أمنحتب الثالث في صولب وفي قائمة أخري علي شاكلة السابقة في منطقة العمرة غرب النيل في النوبة, وذلك في عهد الفرعون رمسيس الثاني. كما أن رفح يأتي ذكرها في قائمتين للفرعون سيتي الأول, هذا بالاضافة إلي ورود اسمها بالقطع في نقش سيتي الأول علي الجدار الشمالي لصالة الأعمدة الكبري بمعبد الكرنك. وفي قائمة من عهد الفرعون رمسيس الثالث يمكن تكملة اسم رفح. أما في القائمة الكبري للفرعون شيشنق الأول بالكرنك فان اسم مدينة رفح يأتي في آخر الاسماء المذكورة, وذلك لأنها المحطة بمعني البوابة الأولي في طريق العودة إلي مصر كان هذا الفرعون يسجل انتصاره وعودته إلي مصر بعد حملته علي بلاد الشام! وكان الملك الاشوري سرجون الثاني قد انتصر في عام720 ق.م. علي قائد جيش الفرعون أوسركون الرابع الذي كان يحارب الاشوريين مع ملك غزة. وكان الجيش المصري قد انطلق من رفح بهدف مساعدة المدن الفلسطينية في مواجهة الهجمة الاشورية. وكعقاب للمصريين فان الاشوريين يقومون بتدمير رفح ويأخذون9033 من سكانها كأسري حرب. أما عن المعركة الحربية الشهيرة التي تذكر باسم مدينة رفح ووقعت عندها فكانت تلك التي انتصرت فيها جيوش الملك البطلمي بطليموس الرابع فيلوباتور علي جيوش الملك السلوقي أنتيوخس الثالث حدثت هذه المعركة في عام217 ق.م, وكان جيش بطليموس الرابع يضم أعدادا غفيرة من الجنود المصريين الأمر الذي أدي إلي إذكاء روح العزة والكرامة الوطنية عند المصريين تجاه البطالمة! وبما نجد انعكاساته في المدونات الديموطيقية آنذاك. النتيجة الاخري لهذا الانتصار الحربي المهم كانت صدور مرسوم رفح الشهير. كانت هذه هي كلمات رفائيل جيفيون عن مدينة رفح بوابة الأرض المصرية وأعتقد أنها في غير حاجة إلي تعقيب أو تعليق. سيناء في عصور ما قبل الاسرات الفرعونية نحو4000 3000 ق.م اثبتت الدراسات الاثرية وكذلك التحاليل المعملية أن وجودا مصريا وتواصلا حضاريا كان قائما بين مصر ومناطق الجنوب من بلاد الشام أرض فلسطين منذ عصور ما قبل الاسرات علي أقل تقدير. أما عن استخراج النحاس والفيروز من سيناء فان في مرحلة البداري النحاسية في محافظة اسيوط, وكذلك ما كشفت عنه حفائر جامعة القاهرة في منطقة المعادي خير دليل علي ذلك, حيث تم العثور علي بعض المصنوعات النحاسية وقطع من الفيروز جميعها ينتمي إلي مناجم سيناء, بل إن تحليلا أخيرا اثبت استغلال المصريين القدماء في ذلك الزمان البعيد لمناجم النحاس في منطقة تمنه عند الحافة الشرقيةلسيناء في وادي عربة نحو30 كم شمال خليج العقبة, تلك التي ظلت خاضعة للسيطرة المصرية طيلة عصور الازدهار الفرعونية كما سنري فيما بعد. أما عن نحاس مرحلة المعادي الحضارية الذي ينتمي إلي مناجم سيناء فان ذلك قطعت به التجارب والتحاليل المعملية( راجع عن ذلك. والطريف أن حدود الأرض المصرية كانت قد استقرت علي منطقة رفح في الشمال الشرقي ووادي حلفا عند جبل الشيخ سليمان في الجنوب منذ عهد الملك نعرمر آخر ملوك ما قبل التاريخ ووالد أول ملوك أسرات الفراعنة الذي يعرفه الناس في بلادنا باسم مينا, ويعرفه أهل التخصص علي أنه حور عما( مني). ويأتي العثور علي اسم الملك نعرمن في جنوبيفلسطين بدرجة مكثفة ليؤكد أن سيناء أرض مصرية منذ ما قبل عصور التاريخ المصري وقبل قيام الاسرات الفرعونية. سيناء في عهود ملوك الاسرة الأولي نحو3007 2828 ق.م في جنوبفلسطين تحديدا في منطقة يقال لها عين بصور يتم الكشف عن مبني من الطوب اللبن يحوي ما لا يقل عن90 قطعة عليها أختام لملوك مصر في الأسرة الأولي, اعتبارا من الملك جر( كان ابنا للملك مينا, والملك دون والملك عج إيب وأخيرا الملك سمرخت وذلك مع كميات من فخار مصري الطابع وتشير الاختام إلي أن موظفين مصريين كانت لهم اقامة متواصلة في هذا المبني الذي كان يقوم علي الحدود بين مصر وفلسطين الذي لعله كان بمثابة أول نقطة تفتيش وجوازات مرور في تاريخ العالم القديم حتي أن العالم الأمريكي آلان شولمان يسميه علي حد قوله, مراقبة حدود مصرية للتفتيش. وتأتي البطاقة العاجية الصغيرة للملك دون المتحف البريطاني بلندن, التي تصوره وهو يهم بضرب واحد من زعماء البلاد الشرقية المقصود هنا كل الاراضي الاسيوية المتاخمة للحدودالمصرية, وبما في ذلك من اشارة واضحة إلي الاهتمام المصري البالغ في تأمين الحدود الشماليةالشرقية للارض المصرية ومن ثم منع الاغارة علي أرض الفيروز سيناء ولعل معني الدفاع عن الأرض المصرية أن يتأكد عندما نشاهد نقش الملك سنفرو والد الملك العظيم خوفو الأسرة الرابعة الذي عثر عليه في وادي المغارة في سيناء ويوجد الآن بالمتحف المصري بالقاهرة, حيث يصور سنفرو هو الآخر ضاربا لزعيم آسيوي الهيئة, ونري النقش الهيروغليفي من خلف الملك يسجل العلم علي أنه دحر للبلاد الأجنبية(d:h:swt) هذه مسألة أمن قومي مصري تنبه إليها الملوك الفراعنة منذ قرابة خمسة الاف عام. الجزء الثاني غدا عن صحيفة الاهرام المصرية 26/3/2008