محرقة باراك «الباركوست» والتغطية الأمريكية ابراهيم بدران بعد عمليات القتل المروعة للمدنيين العزل ، والاطفال والنساء ، والامعان الممنهج في حرق الفلسطينيين ، في عملية" الشتاء الساخن" التي شنها باراك ، ليدخل التاريخ كصاحب المحرقة في غزة او "الباركوست" ، وصلت كونداليزا رايس إلى المنطقة ولها (3) اهداف رئيسية: الاول: تخفيف الضغط الدولي على اسرائيل ، باعتبارها تمارس العقوبات الجماعية في ابشع صورها ، في معسكر اعتقال اسمه قطاع غزة.وهو يقترب تدريجياً من معسكرات النازي حيث: لا غذاء ولا كهرباء ولا دواء ولا ماء ولا خروج ولا دخول. وقد اصدرت (8) منظمات غربية غير حكومية ، وكذلك مجلس حقوق الانسان المنبثق عن الاممالمتحدة ، تقريراً مفصلاً حول ما يجري في غزة من انتهاك وامتهان الحالة الانسانية هناك كما لم يقع على مدى ال 40 عاماً. جاءت رايس لكي تقول ان امريكا تدعم اسرائيل فيما تفعل ، لان "اسرائيل تدافع عن نفسها". والخطاب الامريكي هنا موجه للمجتمع الدولي وللرأي العام الامريكي. وكأن اساس المشكلة هو ما وقع في حزيران عام 2007 ، وليس الاحتلال الاسرائيلي بكل ما فيه من ظلم و قبح ، وعنجهية وعنصرية ، واصرار على استعباد شعب اصيل في ارضه ، و تصميم مبيت على طرده ومصادرة تاريخه ومستقبله. والثاني: استخدام غطاء المفاوضات للتستر على التوافق الاسرائيلي الامريكي على ما يجرى للفلسطينيين من استنزاف لارضهم ومجتمعهم واقتصادهم من جهة ، ولاسترضاء الانظمة العربية من جهة ثانية. الثالث: لكي تتشاور مع اسرائيل حول احتمالات تصعيد الموقف في المنطقة ، سواء في لبنان او فلسطين او سوريا او ايران. خاصة وان القضاء على المقاومة اللبنانية لازال على رأس الاولويات الاسرائيلية والامريكية. ومن جهة اخرى ، فإن يهود اولمرت يبحث عما يمكن من خلاله شطب ما ورد قي تفرير فينوغراد من تقصير واداء سياسي وعسكري سيىء. ومن جانبه فإن باراك يحاول من خلال الباركوست (او محرقة غزة) ان يظهر للشارع الاسرائيلي انه هو رجل المرحلة ، وخليفة اولمرت. وانه قادر على استخدام خبرته العسكرية في تحطيم ارادة ومقاومة الفلسطينيين. وهو الذي يقول "ان اسرائيل تعيش في منطقة قاسية لا ترحم ولا تسمح للضعفاء بالحياة". ان ما قامت به اسرائيل حتى الان هو المرحلة الاولى من "الشتاء الساخن". فماذا ستكون المرحلة التالية؟ وخاصة بعد عملية القدس الاخيرة؟ لقد قامت اسرائيل بثلاثة اختبارات كبرى للموقف العربي ازاء اي حرب واسعة النطاق يمكن ان تقوم بها: الاول: اختبار" جنين" ، والثاني الحرب على لبنان ، والثالث حصار غزة و"الباركوست". وكانت نتائج الاختبار في الثلاث حالات مطمئنة للغاية. ان رد الفعل العربي لن يتعدى تصريحاً هنا ، وشجباً هناك ، وينتهى الامر. وهذا من شانه ان يشجع اسرائيل والولاياتالمتحدة على التحضير لعملية كبرى في المنطقة ، تهدف إلى "القضاء الكامل على المقاومة" في كل من فلسطين و لبنان ، بغض النظر عن الضحايا من المدنيين ، بل وبغض النظر عن كل شيء. ان الادارة الامريكية ، تعلم علم اليقين ان توقعات" انا بوليس" لن تصل إلى شيء ، وان الشروع في مفاوضات جادة للسلام امر لن يتحقق ، وستعمل اسرائيل على نسف كل مداخل السلام تحت شتى الذرائع. ولكن هذه الادارة ، تريد ان تغادر البيت الابيض وقد حققت هدفاً من بين عشرات الاهداف فشلت في تحقيقيها. ولماذا لا يكون هذا الهدف تدمير المقاومة في لبنان وفلسطين تحت اسم تدمير الارهاب؟ فهذا قد يعطي للجمهوريين دفعة جديدة في "الانتخابات القادمة" ، خاصة وان" ماكين" يؤكد انه سوف يسير على خطى بوش بل واكثر. لقد خرج بيان وزراء الخارجية العرب ليعزز الثقة لدى اسرائيل وامريكا على حد سواء ، ان اقصى ما يهدد به النظام العربي هو سحب المبادرة العربية. نعم سحب المبادرة التي لم تقبلها لا اسرائيل ولا الولاياتالمتحدة. ولم يأخذها احد مأخذ الجد الا العرب انفسهم والفلسطينيون. و خلاف ذلك ، فما هي إلا بيان اعلامي اعتاد العرب واعتاد العالم على سماع بيانات مماثلة بين الحين والاخر. ان المنطقة العربية في خطر. واسرائيل تهدد المنطقة لانها لا تتهرب من السلام فقط ، بل وتختلق كل الاسباب لاستمرار الصراع . ان محاولة اسرائيل القضاء على حزب الله ، قد يؤدي إلى تدمير لبنان ، كما ان توسيع وتعميق المحرقة "الباركوست" في غزة و الضفة ، قد يعني في النوايا الاسرائيلية خطة شارون 2003 ، والمتمثلة بالطرد القسري للفلسطينيين. الامر الذي سيهدد امن الاردن وسوريا ومصر. اليوم وفوراً ومجرد الاعلان عن حادثة القدس سارع الرئيس بوش وكونداليزا رايس بوصف ما حدث من هجوم على المدنيين" بالعمل الارهابي والبربري" وان "امريكا مع اسرائيل". وكذلك اعلنت عدد من الدول مثل كنداوفرنسا وبريطانيا. ولكن من حق المواطن العربي والانسان الفلسطيني ان يتساءل: الم يستوجب قتل العشرات من المدنيين في غزة ، والعشرات من الاطفال والنساء ، واستخدام الطائرات والدبابات للقتل والتدمير ، اي ادانة؟ اليس ذلك القتل بعمل بربري؟و همجي من الطراز الاول؟ ام ان كل ما تفعله اسرائيل هو تلقائيا "دفاع عن النفس" و"حماية للمواطنين اليهود"؟ لا احد يوافق او يقبل بمهاجمة المدنيين اياً كانوا. ولا احد يوافق على الارهاب والترويع. ولكن ، هل يمكن من الناحية العملية ، لمئات الالاف من الفلسطينيين ان يحاصروا ، ويقتل ابناؤهم وامهاتهم واخوانهم واخواتهم واحفادهم امام اعينهم ، وتدمر بيوتهم على رؤوسهم يومياً ، وبشكل ممنهج ، هل يمكن لهؤلاء ان يكونوا قادرين على منع الاحباط واليأس والمرارة من ان يحركهم بكل اتجاه؟ ويدفعهم إلى الانتقام بكل وسيلة؟ من الناحية العملية هذا غير ممكن. المشكلة ، ان العقلية الاسرائيلية تحكمها عقدة القوة والتفوق والاستعلاء والاستصغار ، لدرجة انها تريد ل 3,5 مليون فلسطيني يقعون تحت الاحتلال ، ويعانون الذل والمهانة والقهر والتجويع والتجهيل يومياً ، و على كل حاجز ، وفي كل حركة ، العقلية الاسرائيلية تريد لهم ان يستسلمو بالكامل لكل ما يحلو لاسرائيل ان تفعله. ابتداء من التلذذ بالقتل والتعذيب ، وانتهاءً بمصادرة الاراضي والطرد. كل ما يقوم به الفلسطينيون من رد فعل على جرائم الحرب الاسرائيلية اليومية غير مقبول ، وهو ارهاب. كل دعوة إلى السلام من قبل الفلسطينيين مرفوضة مرة بعد مرة. كان ذلك قبل حماس وبعد حماس. و على ذلك ، فان اسرائيل لن تصل الى مرحلة الامن والامان ، والسلم والسلام ، إلا اذا اصبح الفلسطينيون امامها قطيعاً مستسلماً ، ساكتاً ساكناً ، تفعل به كما تشاء ، وتقرر مصيره كما تشاء. سواء كان ذلك اذلالا او طرداً او قهراً او تحقيراً او انكاراً. وهذا الاستسلام والسكوت ينبغي ان يمتد لفترة لا احد يعرفها إلا اسرائيل. سنة او سنتين ، او عشر سنوات او اربعين سنة. اسرائيل ترى نفسها الإله الذي يجب ان يتطلع إليه القلسطينيون بمذلة واسترحام،، هل هذا ممكن؟ هل يمكن ل3,5 مليون انسان ان يتم استعبادهم من قبل 5 مليون يهودي اسرائيلي؟ ومقابل ماذا؟ بمعنى ان كل يهوديين لهما عبد فلسطيني. ان اسرائيل في استراتيجيتها غير المعلنة ، تعتبر الاقطار العربية مجرد مساحات للحركة. وليست جزءا لا من الحرب ولا من السلام. وكما نظر الاوروبيون المهاجرون إلى اوروبا واستراليا ان السكان الاصليين ليس لهم حق في الحياة ، وليس لهم حق في المقاومة ، وليس لهم حق في المحافظة على وجودهم ، فإن العقل الصهيوني المتزمت يرى في الفلسطينيين سكاناً اصليين ينطبق عليهم ما انطبق على الهنود الحمر. وربما بعد قرن او قرنين من الزمان ، يأتي رئيس وزراء اسرائيلي ، ويعتذر لمن تبقى من الفلسطينيين على "ابادتهم غير المقصودة". ويقول we are sorry. هل هذا ممكن؟ في العقل الاسرائيلي السياسي ، وخاصة لدى اليمين ، هذا ممكن جداً ، ولدى اليسار الاسرائيلي لا بأس ان امكن ذلك. اسرائيل تريد كل شيء.. وكلما اخذت شيئا اصبحت تريد كل شيء مما تبقى. وضمير اسرائيل الان هو الضمير الاستعماري الذي اباد السكان الاصليين واستعبدهم في مناطق كثيرة من العالم. لا يرى في ذلك غضاضة. من يجرؤ في اوروبا وامريكا على ادانة قتل السكان الاصليين في فلسطين؟ خاصة حين يكون القاتل يهودياً؟ هل تجرؤ بريطانيا او امريكا او فرنسا او ايطاليا او اسبانيا او هولندا او بلجيكا؟ وهؤلاء رغم صداقتنا لشعوبهم لهم تاريخ استعماري ، ويخضعون دائماً للابتزاز اليهودي الصهيوني. اما بسبب اضطهادهم لليهود في اوروبا ، او بسبب الماضي الاستعماري في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ، او بسبب الاموال والاصوات الانتخابية ، او حملات اغتيال الشخصية من وسائل الاعلام التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني. نحن دعاة سلام ومؤمنون به. ولكن هل تستطيع اسرائيل ان تعلن بوضوح ما هو طريق السلام الذي تريد؟ وماذا تريد من الفلسطينيين ان يفعلوا؟ باستثناء ان يحزموا امتعتهم ويرحلوا؟. ان قتل المدنيين في مدرسة امر سيىء ، و سبق ان قامت به اسرائيل في" قانا" و" بحر البقر". ولكن قتل المئات وجرح الالاف في بيوتهم وشوارعهم ومدارسهم و بشكل متواصل ، اشد سوءا وادعى للاستنكار. عن صحيفة الدستور الاردنية 9/3/2008