هل بدأت مرحلة ما بعد أولمرت؟ محمد خرّوب للسؤال ما يبرره، فاليوم وعند الساعة السادسة مساء، سيتم نشر التقرير الثاني (والاخير) للجنة التحقيق غير الرسمية التي تم تشكيلها بعد فشل حرب لبنان الثانية (كما تسمى رسمياً في اسرائيل) التي شنتها حكومة اولمرت على لبنان في 12 تموز من العام 2006. اللجنة التي باتت تعرف بلجنة فينوغراد نسبة الى القاضي الياهو فينوغراد، ليست لجنة تحقيق رسمية، أي لم تقم محكمة العدل العليا بتعيين اعضائها، وبالتالي قام ايهود اولمرت باختيار هيئاتها، وبمقدوره ان يأخذ بتوصياتها او يرفضها، وكون المحكمة العليا لا تشكل المرجعية الوحيدة لها، فان لدى اولمرت صلاحية عزل اعضائها وتعيين بدلاء لهم (لو أراد).. لكن مثل هذا الخيار (لو تم) فانه كان سيشكل سابقة خطيرة ويزيد من عزلة وارتباك اولمرت الذي لم ينس بعد النتائج والاستخلاصات القاسية التي جاءت في التقرير الاولي (نشر في نيسان الماضي)، والتي شكلت مفاجأة للوسطين السياسي والحزبي وخصوصاً الاعلامي، حيث لم يكن يتوقع حتى اكثر خصوم اولمرت تفاؤلاً بأن لجنة اختارها هو شخصياً وبحرص وتدقيق شديدين، ويرأسها قاض متقاعد ، لم يحسب (القاضي) في اسرائيل على انه متشدد في تطبيق معايير النزاهة، والانحياز للعدالة، يمكن ان يصدر عنها مثل هذا التقرير القنبلة . كل ذلك بات من خلف الجميع بانتظار ما سيقوله تقرير فينوغراد في المؤتمر الصحفي، الذي سيعقد مساء اليوم، والذي ينتظره الاسرائيليون كافة، وان في وجه خاص اولمرت وايهود باراك، زعيم حزب العمل، وبنيامين نتنياهو (رئيس الليكود وزعيم المعارضة)، وتسيبي ليفني لماذا هؤلاء تحديداً؟. المشهد يتسع لأكثر من الاربعة الذين تم ذكرهم، والمؤسسة العسكرية، تأتي على رأس هؤلاء الذين يأملون بأن لا يشملهم يوم الحساب كما تصف الصحافة الاسرائيلية التقرير.. والذي تم تسريب بعض اجزائه يوم امس، رغم انه يعتبر من الاسرار الوطنية التي يفترض بالرقابة العسكرية ان تحول دون الصحف والنشر، لكن النشر تم، ومباشرة وجهت اصابع الاتهام نحو المقربين من اولمرت الذين ارادوا الايحاء بأن التقرير لم يطلب مباشرة من اولمرت الاستقالة وانه صيغ بلهجة وعبارات اقل قسوة من التقرير الأول.. ليس بالضرورة ان تكون النتيجة كذلك و حرب السكاكين ستندلع، دقيقة واحدة بعد نشر التقرير وسيكون المستقبل السياسي لأولمرت وايهود باراك ونتنياهو على المحك، ومرتبطاً تماماً بحجم وقوة وحيوية الاوراق التي يتوفر عليها كل واحد منهم.. ولنبدأ باولمرت.. شعبية رئيس حزب كاديما رئيس الوزراء الحالي في الحضيض، والدعوات الى ذهابه للبيت تطلقها اكثر من جهة وزادت من حدتها مذكرة ضباط الاحتياط عددهم 50 ضابطاً كذلك المذكرة التي اعدتها عائلات الجنود الذين قتلوا في الحرب، اضافة الى احزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو.. ما يزيد من صعوبة وضع اولمرت هو تصريحه الشهير الذي اتسم بالغرور والتهور (في نظر وسائل الاعلام الاسرائيلية) والذي قال فيه انه لن يستقيل من موقعه مهما كان محتوى التقرير .. هذا الاعلان اثار على اولمرت عاصفة لم تتوقف حتى اللحظة من الانتقادات التي لم تتردد في السخرية منه، ودعوته للاستقالة على غرار ما فعل دان حالوتس، وعمير بيرتس، ونخبة من قادة الفرق والالوية. لكن اولمرت، الذي يخوض معركته الأخيرة، ويراهن على الخروج منها منتصراً يدرك مأزق خصومه (وعلى رأسهم ايهود باراك وزير دفاعه) فيما يبدو الذين قد تدفعهم قلة خياراتهم وضيق هوامش مناورتهم، الى اختيار الاسوأ والإبقاء على الائتلاف الهش الراهن بدل اسقاط حكومة اولمرت، لأن البديل هو الذهاب الى انتخابات مبكرة، تؤشر استطلاعات الرأي والمعطيات الميدانية الحالية، ان الرابح الاكبر فيها سيكون اليمين المتطرف وعلى رأسه نتنياهو (الليكود) وافيغدور ليبرمان (اسرائيل بيتنا). المعادلة بالطبع ليست على هذه الدرجة من البساطة التي يمكن لعناد اولمرت او غروره، ان يحولا دون سقوطه، باعتباره الاقل سوءاً او رجل السلام الجديد، الذي تخلى عن افكاره وايديولوجيته اليمينية في صفوف الحركة التي اسسها جابوتنسكي ورعاها مناحيم بيغن واسحق شامير، والتي ترفض التخلي عن شبر واحد من ارض اسرائيل الكاملة والتي ترفع الشعار الشهير للاردن ضفتان الاولى لنا والثانية ايضا .. قد يلجأ ايهود باراك (وهنا ننتقل الى ازمة رئيس حزب العمل) وكي يتفادى الضغوط التي ستزيد عليه للوفاء بوعده السابق بأنه اذا جاء تقرير فينوجراد قاسياً بحق اولمرت، فإنه سيخرج من الحكومة ويدعو الى انتخابات مبكرة، نقول: قد يلجأ الى الورقة الاخيرة لديه وهي دعوة قيادة حزب كاديما الى اطاحة اولمرت وانتخاب رئيس جديد للحزب (وللحكومة ايضا كونه اكبر الاحزاب الحالية، له في الكنيست 29 نائبا)، ستكون تسيبي ليفني هي الفائزة في الصراع على رئاسة كاديما لأنها الاكثر شعبية داخل الحزب ولدى الجمهور الاسرائيلي.. يبقى نتنياهو هو الاكثر استرخاء وثقة بنفسه، وربما هو مساء اليوم يعتقد ان الامور قد نضجت وان كل سحابة ماطرة او عاصفة تهب على اولمرت او الائتلاف الحكومي ستمطر في حديقة حزبه ولصالح مستقبله السياسي الذي يبدو انه على وشك التجدد.. المفاجآت في الانتظار وكثير من التوقعات قد لا تجد لنفسها حضوراً في المشهد الاسرائيلي السياسي والحزبي الذي سيتبلور بعد السادسة من مساء اليوم، لكن من غير المغامرة القول ان اولمرت في طريقه لفقدان مستقبله السياسي وان مرحلة ما بعد اولمرت توشك ان تبدأ بكل ما يحمله هذا التطور من خيبة لدى الذين راهنوا على اولمرت ووعوده وقدرة ادارة بوش على امداده بالاكسجين السياسي وخصوصاً السلطة الفلسطينية ومن احتفوا كثيرا ب انابوليس . عظم الله اجركم.. عن صحيفة الرأي الاردنية 30/1/2008