شهدت الأيام الأخيرة فى إيران منافسات حادة على انتخابات الرئاسة فى إيران. وبرز ولأول مرة فى التاريخ الإيراني فكرة المناظرات بين المرشحين. لكن عدم وعى المتناظرين بفلسفة المناظرة أوجب أن تتحول المناظرات إلي مشاجرات مخلفة أعباء ثقيلة على كاهل الشعب الإيراني المظلوم. حيث استغل المرشحون وسائل الإعلام القومية فى تصفية حساباتهم الشخصية.
وكان أحمدي نجاد قد اتهم هاشمي رفسنجاني في المناظرة مع مير حسين موسوي بأنه جزء من تحالف سياسي يدعم موسوي ويسعى إلى منع إعادة انتخابه في التصويت الذي سيجري الجمعة. ناهيك عن تورطه في عدد من المعاملات ذات المنفعة ما أدى إلى تكوين ثروته المدخرة هو وذويه.
ليس هذا فقط فقد طالت تصريحات أحمدي نجاد جميع الحكومات السابقة فقال: " تولت جبهة المعارضة الرئاسة مدة الفترات الثلاث السابقة، والذين هم الآن أنصار مير حسين موسوي، رئاسة محمد خاتمي، هاشمي رفسنجاني، ورئاسة مير حسين موسوي للوزراء، يعني 24 سنه في رئاسة البلاد، والتي هي من وجهة نظري مثار انتقاد مباشر".
هذا الأمر طبيعي جدا، هب أنك أقدمت على ذبح حيوان، ماذا تنتظر منه سوي القيام بحركات عشوائية، إنها حلاوة الروح، فالتيار المحافظ فى النزع الأخير من حياته السياسية في إيران. فقد استحكمت سيطرة التيار الإصلاحي على أهم المناصب فى إيران.
فمع قيام الثورة أنشأ أية الله الخميني القائد الأعلى للثورة الإسلامية عددا من الهيئات الإدارية فى البلاد، منها مجلس خبراء القيادة "مهمته مراقبة تصرفات المرشد" ومجلس تشخيص مصلحة النظام "مهمته مراقبة قرارات الحكومة" ومع وجود الخميني لم يكن لهذه الهيئات أى دور سياسي يذكر.
لكن بعد وفاته وتولية أية الله على خامنئي بدأ نفوذ هذه الهيئات يزداد شيئا فشيئا. وفى الوقت الراهن آلت رئاسة المجلسين إلى هاشمي رفسنجاني الرجل الذى انقلب على التيار المحافظ وساهم فى تكوين تيار المحافظين الجدد والذى يميل إلى الأيدلوجية الإصلاحية.
نحن الآن أمام وضع خطير يهدد مستقبل التيار المحافظ، لذا نجد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله على خامنئي يدعم الرئيس الحالي للبلاد الدكتور محمود أحمدي نجاد بكل كيانه، لدرجة أنه أقر وللمرة الأولى بث الآذان السني فى وسائل الإعلام المحلية. ليس حبا فى نجاد وإنما خشية من أن يؤول كرسي الرئاسة فى البلاد إلى التيار الإصلاحي ويفقد خامنئي سيطرته على البلاد.
نجاد يعلم جيدا أنه أمام منافسة صعبة، لأنه فشل فى تنفيذ وعوده الإنتخابية، حاول فرض المزيد من الضرائب على التجار فى البازار (السوق) مما أثار سخطهم عليه، بلغت نسبة التضخم فى عهده 25,4% وارتفعت قيمة المساكن هذا فى الوقت الذى بلغت فيه عوائد النفط الإيرانية 280 مليار دولار
، وهو ما يقرب من مجموع عوائد النفط فى فترة هاشمي رفسنجاني وخاتمي، ناهيك عن استغلال أحمدي نجاد منصبه كرئيس فى البلاد في تصفية حساباته الشخصية مع مناوئيه على سبيل المثال أدت المنافسة السياسية بينه وبين محمد باقر قاليباف إلى حرمان طهران من المساعدات الحكومية، وإخراج المجلس الإسلامي للمحافظة عن وظيفته الأساسية ، فضلا عن التشدد فى تنفيذ القواعد الإسلامية، والترويج إلى بعض الأكاذيب منها أنه رأى أن هالة من النور تظله أثناء كلمته فى زيارته الأولى للولايات المتحدةالأمريكية.
فى المقابل أثبتت الاستفتاءات ارتفاع شعبية رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي "الإصلاحي"، فضلا عن دعم آل بيت الخميني له نظرا لما كان يتمتع به من دعم من الإمام الخميني، ثم إن موسوي استغل أخطاء نجاد وحكومته وفشله فى وعوده الانتخابية فى كسب تعاطف الناس، ناهيك عن دعمه من قبل رفسنجاني وخاتمي، وما يتمتع به الإصلاحيون من شعبية فى الخارج نظرا لأفكارهم المعتدلة. لذا فنحن نلتمس العذر لأحمدي نجاد والمرشد من قبله فيما يقومون به من هجوم على التيار الإصلاحي.
لكن هل تشهد إيران تغييرا سياسيا فى المرحلة القادمة؟
أنا أعتقد أن سيناريو المرحلة القادمة سوف يكون على النحو التالي: سوف يخرج مهدي كروبي ومحسن رضايي من المرحلة الأولى، هذا لأن الحرس الثوري لن يقف مكتوف الأيدي فى الانتخابات، وسوف تشهد المرحلة الثانية من الانتخابات منافسة قوية بين نجاد وموسوي، يخرج منها نجاد صفر اليدين، فسوف يتحول أنصار كروبي ورضايي إلى موسوي نظرا لما كان يعانيه أنصار كلا المرشحين من تعنت من قبل الحكومة، وسيكون أنصار موسوي ثلاثة أضعاف أنصار نجاد ولن يتمكن المرشد بمكانته ولا الحرس الثوري من مساعدة نجاد.