درس أوباما .. الويل لمن لايتعلم!! عبد الحليم غزالي كتبت من قبل محذرا من إفراط العالمين العربي والإسلامي في المراهنة على باراك أوباما في حال انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، وقلت إن هذه المراهنة تعبير عن خلل عميق في كينونتنا جوهره الإحساس العميق بالعجز، والرغبة في الحلول الخارجية لأزماتنا ومشكلاتنا الحادة، واليوم أحاول توظيف فوز أوباما الباهر وهو ابن المهاجر الكيني المسلم الفقير الأسود في مجتمع يتسم بطبقية وعنصرية ضاربة الجذور في العقل الجمعي له،في اتجاه آخر وهو التفكير في التغيير في العالم العربي، وكيف نستوعب درس انتصار أوباما الذي بدأ من لاشيء تماما ليس فقط على جون ماكين الأبيض المحارب القديم المحافظ المتشدد المتغطرس، بل على النخبة الأنجلوسكسونية المتنفذة التي احتكرت السلطة وصنع القرار والثروة والتفوق منذ عقود طويلة في واشنطن،في ظل تهميش واضح ليس فقط للأقلية السوداء ذات الجذور الإفريقية بل لكافة الأقليات الأخرى مثل الأقلية اللاتينية التي هي أكبر عددا وأقرب جغرافيا وعرقيا وتاريخيا للأنجلوساكسون. لقد مثل فوز أوباما حدا فاصلا في التاريخ الأمريكي الحديث والمعاصر بين مرحلتين، مرحلة احتكار، وأخرى تبدو شعبوية وهي تحتاج لوقت للتبلور ولعل أبرز ملامح درس أوباما تتمثل في الآتي: أولا :قدرة المجتمع الأمريكي على التغيير، التغيير بمعناه الشامل والعميق، التغيير الذي لا يشمل السياسات أو الأفكار والأيدلوجيات فقط ولكن التغيير الذي يهز النخب ويعيد فرز عناصرها وفق جدول حساب، لا أحد يستمر هكذا دون محاسبة وتقويم، لا أحد يحق له الهيمنة المطلقة على المشهد السياسي والاقتصادي والجماعي ،تحت أية حجة أو مسمى، وهذا ما يجب الانتباه إلى ضرورته في العالمين العربي والإسلامي، يجب أن نستوعب درس التغيير في الولاياتالمتحدة ليس فقط لأنه كان شعار أوباما منذ البداية في مواجهة ماكين التقليدي المحافظ الابن الأصيل والإفراز المنطقي للنخبة الأمريكية الحاكمة والمتسلطة، ولكن لأن قدوم أوباما للسلطة تعبير عن رغبة الشعب الأمريكي ذاته في تغيير كل شيء ،الوضع الداخلي الذي جعل فئة محدودة من اللاعبين السياسيين والاقتصاديين تفرض نهجها ومنطقها الفاشل على دولة عظمى بكل المعايير، الشعب الأمريكي العظيم وهو بالفعل عظيم لأنه صانع حضارة وتفوق قال بوضوح : هذه هي بداية نهاية اللعبة القديمة الذي يحتاج تفكيكها الكامل بعض الوقت، بمعنى أن أوباما مؤشر على عملية تغيير ستتواصل ولكنه ليس التغيير ذاته . لقد صوت الشعب الأمريكي من قبل مرتين لصالح جورج بوش الذي كان سيئا منذ البداية لكن خدمته أحداث معينة مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كما أن النخبة المهيمنة كانت ترى في سياساته ما يخدمها حتى وإن تعارضت مع مصالح وطنية بشكل واضح، وأظن أن الشعب الأمريكي تعرض لخديعة كبرى في بوش شارك في طبخها اللوبيات المغرضة وهي اللوبيات الموالية لإسرائيل وتلك المعبرة عن مصالح شركات صناعة السلاح والبترول الكبرى في الولاياتالمتحدة . وعندما أدرك الشعب الأمريكي حجم الكارثة التي قاد إليها بوش البلاد والعباد خارجيا وداخليا، والتي تبدت بشكل واضح في فشل الحرب على العراق وأفغانستان والأزمة المالية الأخيرة، راجع نفسه وقرر التصويت الاحتجاجي ضد امتداد بوش المحتمل وهو ماكين، وظهرت رغبة الأمريكيين في التغيير في هذا الإقبال التاريخي على التصويت في الانتخابات، ليس فقط في الشق الرئاسي منها ولكن في الشق البرلماني بالاقتراع لصالح الديمقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب، مما يعني أن أوباما يحوز تفويضا تاريخيا بتنفيذ سياسته مادام الكونجرس سيكون مواليا له تماما بحكم الانتماء الحزبي على مدار السنوات الأربع المقبلة. بالمقابل نحن في بلداننا العربية والإسلامية نعاني من تكلس حاد في النخبة والحكام، وكما يقولون فالشيء بالشيء يذكر، ففي نفس توقيت الانتخابات الأمريكية تقريبا عقد المؤتمر العام للحزب الوطني الحاكم في مصر حيث كان تعبيراً عما أسميه التغيير الوهمي أو الخطابي أو اللفظي، أحاديث كثيرة عن التوجه نحو علاج الفقر والانحياز للفقراء والمطحونين، لكن السلوك لا يتجه لأي تغيير معقول، هذه هي النخبة الحاكمة في مصر تكرس ذات الجمود والتحجر، من أجل الأب والابن وأخشى أن يضيفوا لها الروح القدس وهي روح النظام الأبوي البطريريكي الذي قد يأخذ طابعا إلهيا حيث يجعل من الشعوب ما يشبه العبيد لحكام لم يتعبوا حتى في الحصول على السلطة! لانالوها بالسيف ولا بالإقناع وإنما بحكم الأمر الواقع ! هذه يا سادة مصر التي يجب أن تقود التغيير في العالمين العربي والإسلامي، جمود وغضب كامن وتجاهل لمصائر العباد والبلاد من أجل مصالح شخصية بحتة اكتست كذبا بلون مصالح الوطن، لم نجد في المؤتمر العام للوطني من يصرخ ضد الفساد والزواج الباطل بين السلطة والثروة، ولا تغيير من خارج الحزب أيضا، فأحزاب المعارضة الواهنة لاتزال تشهد معاركها الداخلية المقززة، مثلما حدث أخيرا في حزب الغد عندما هاجم أنصار المدعو موسى مصطفى موسى بالنار والزجاجات الفارغة اجتماعا لأنصار أيمن نور مؤسس الحزب، مشاهد تكررت من قبل في أقدم حزب مصري وهو حزب الوفد، وكل هذا لا يشجع المصريين على الانخراط في العمل السياسي ليظل الشعب أغلبية صامتة هناك من يعرف كيف يسطو على إرادتها وصوتها ! ثانيا:توافر الفرص للشخص المؤهل والموهوب للوصول لأعلى هرم السلطة ،لقد بدأ أوباما من الصفر وتدرج في عالم السياسة حيث أصبح أصغر عضو في مجلس الشيوخ وهو يستعد لتولي السلطة كثاني أصغر رئيس في تاريخ الولاياتالمتحدة، لم يعقه لون جلده ولا أصوله كمهاجر و لا أي شيء آخر عن هذا الصعود الدرامي الذي قلما يتوافر لأحد في العالمين الإسلامي والعرب ربما باستثناء تجربتي ماليزيا وتركيا، وإلى حد ما إيران وإن كانت ذات قواعد لعبة مختلفة تقوم على أساس التغيير في إطار الاستمرار مثلما حدث مع انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا قبل حوال أربع سنوات. ثالثا: تغليب المصالح الوطنية على ما هو دونها فماكين المهزوم طالب من أنصاره الاحتشاد وراء أوباما ومشروعه والتغيير الذي يريده ما دام الشعب قد أيده، ولم يقل لأنصاره لابد أن نواصل معركتنا، ولم يزايد عليهم وبالمقابل شكر أوباما ماكين على تهنئته له بالفوز وأبدى امتنانه لموقفه وهذا هو السلوك السياسي الرشيد، الذي يجسد المعنى العميق للديمقراطية. من حق كل شعوبنا التعبير عن إرادتها واختيار من ترضى عنه، ليكن هناك أكثر من اوباما في بلداننا بشكل سلمي ومنظم ، قبل أن يداهمنا التغيير الانفجاري الذي يدفع الجميع ثمنه شعوبا وحكاما، وللمرة الأولى أقول : شكرا أمريكا العظيمة! عن صحيفة الراية القطرية 9/11/2008