" حماس " ليست متعجلة إلى مصالحة د. عبد المنعم سعيد نشرت الصحف المصرية والعربية صباح يوم الاثنين 27 أكتوبر المنصرم تصريحات السيد محمود الزهار « القيادي في حركة حماس» والتي قال فيها إنه «لا توجد ضمانات لنجاح الحوار وجهود المصالحة الفلسطينية» و«إن هناك واقعا جديدا يجب عليهم (!) احترامه (!) والتعامل معه (!)، ومن يحاول تعطيل هذا الاتفاق سيتحمل المسؤولية(!)» (علامات التعجب من الكاتب)، وأكد القائد الفلسطيني «أن الأوضاع في غزة لن تعود إلى سابق عهدها كما يريدون». هذه العبارات لا تحتاج إلى كثير من التفسير، فحماس ليست متعجلة إلى مصالحة بل إنها لا تضمن توصلها إلى نتائج لأنها ببساطة لا تسعى إلى ذلك مادام المطلوب هو أن تبقى كل الأوضاع القائمة على ما هي عليه. ولا يخلو الأمر من لهجة غير ودية آمرة للطرف الفلسطيني الآخر، والطرف المصري الساعي للمصالحة، تظهر جماعة حماس في غزة وكأنها تقود دولة عظمى جيوشها وأساطيلها تسد وجه الشمس، وعلى وشك تحرير بيت المقدس قبل طلوع فجر الغد. ومن الجائز أن لغة التشدد الحماسية - نسبة إلى حماس- في حديث الزهار هي للتغطية على تنازلات جوهرية تقرب الأطراف من بعضها البعض. ولكن لو أن كل ذلك ليس قائما فربما تحتاج الجهود المصرية إلى مراجعة وإعادة تقييم حيث إن الظواهر تشير إلى أن الإخوة في حماس لا يريدون حلا وأنهم في تلك المملكة الصغيرة في غزة قد حصلوا على دولتهم الإسلامية. فليس سرا على أحد أن حكومة حماس في القطاع قد غيرت من تركيبته المدنية وحولتها خلال عام إلى تركيبة دينية من خلال تغيير النظام القضائي والإعلامي بل وحتى المساجد التي باتت تصنف على أساس انتمائها إلى حماس أو إلى الفصائل الفلسطينية الأخرى. فحماس لم تنفصل بقطاع غزة عن السلطة الوطنية الفلسطينية لأنها تختلف معها فيما يتعلق بالأمن الفلسطيني، أو ما يتعلق بالمفاوضات مع الإسرائيليين، ولكن الخلاف الرئيسي يدور حول إدارة وقيادة الشعب الفلسطيني على أساس دولة مدنية تعددية أو دولة دينية تكون فيها حماس هي «الحزب القائد» كما هو الحال في كل الوحدات السياسية الشمولية. وكان الخلاف ممتدا من الداخل إلى الخارج، فالسياسة الخارجية لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية ظلت باستمرار تعمل على وجود حاضنة عربية للنضال الفلسطيني وبالذات مع مصر سواء كانت في حالة حرب أم سلام مع إسرائيل، أما حماس فإن سياستها مختلفة وهي تقوم كما هي عادة النظم الشمولية على بناء تحالف مع الدول والجماعات الراديكالية مثل إيران وحزب الله. وضمن هذا الإطار فإن مصر لم تكن أبدا من ضمن «الأشقاء» ولا «الأصدقاء»، بل لم يخل الأمر أبدا من عداء صريح. ولعلنا مازلنا نتذكر تلك الأيام عندما اندفع أهل غزة من خلال تنظيم محكم مسلح بالدولارات والأعلام الحدود المصرية، وساعتها لم تقم فقط غزة باستقبال كل أشكال المعارضة المصرية بل إن تصريحات قيادية راحت تقول بصراحة ووقاحة نفس ما قاله الزهار اليوم إن الأوضاع لا تعود أبدا إلى ما كانت عليه. ولكن الأوضاع عادت إلى ما كانت عليه، وقامت الحدود المصرية - الفلسطينية إلى سابق عهدها، وأصبحت مصر تدير المعابر مع قطاع غزة وفق مصالحها والتزاماتها الدولية وليس وفقا لما تريده وترغب فيه حماس. وبصراحة تامة فإن حماس وجماعات من الفلسطينيين لا تعتبر مصر، رغم كل تضحياتها، من الحلفاء، وفى لقاء تليفزيوني على قناة الجزيرة حول الموقف من التصريحات الإسرائيلية الخاصة بتأييد المبادرة العربية فوجئت أن المشارك الفلسطيني لم يكن يهمه ذلك التطور قدر اهتمامه بالهجوم على مصر وقيادتها لتقاعس الدول العربية. لم يكن هناك أى استعداد من جانب المثقف الفلسطيني للدفاع عن دوره ودور الفلسطينيين في الدفاع عن فلسطين، بل أنه لم يكن مستعدا في أي لحظة للبحث عن الفرص أو حتى المخاطر الموجودة في الموقف الإسرائيلي أو حتى التركيز على موضوع الحوار من أي زاوية، وإنما كانت مهمته الأساسية هي الهجوم على مصر.وبغض النظر عن موقف المحاور على قناة الجزيرة ومدى مهنيته في التركيز على موضوع الحوار، إلا أن القضية هنا هي أن جماعة حماس ومن والاها من الجماعات الفلسطينية أصبحوا يضعون مصر في مكان إسرائيل، ويحملون مصر المسؤولية التي ينبغي عليهم تحملها بأنفسهم. والمدهش في الموضوع أن جماعات سياسية توجد في بلد محتل ومغتصب وتتغير هوية مواطنيه، ويتعرض كل يوم لأخطار جمة، ويكاد العالم ينسى قضيته، ومنقسم على نفسه ما بين حكومة في الضفة الغربية وأخرى في غزة، ولا يعرف ما الذي سوف يفعله في الانتخابات الرئاسية القادمة ولا حتى في الانتخابات التشريعية، ولا يقوم بالتفاوض مع إسرائيل ولا يشن الحرب عليها، ومع ذلك كله فإنه لا يوجد لديه سوى مصر والنظام السياسي المصري لكي تكون موضوعا للهجوم وقضية للنقد. الطريف في الأمر أن نفس الجماعة لا تكف عن الشكوى من التدخل المصري في الشؤون الفلسطينية والانحياز لصالح جماعة ضد الأخرى، بينما لا يوجد لديهم غضاضة في التدخل ليس فقط في السياسة الداخلية المصرية بل أيضا في تعريف المصالح المصرية وتشريح السياسة الخارجية المصرية. لقد قلت إننى متعاطف مع الوزير عمر سليمان وصحبه ممن يحاولون المستحيل على الساحة الفلسطينية، وبالتأكيد فإننى أتمنى لهم النجاح، ولكنني في نفس الوقت لست واثقا في أن الطرف الفلسطيني الذي نتحدث معه على استعداد للمشاركة في دولة فلسطينية حقيقية بدلا من السعي إلى إمارة إسلامية تكون المقدمة لنشر الرسالة والخلافة على مستوى العالم. بل إن هذا الطرف لديه مشكلة جوهرية مع الدولة المصرية لأنها في حالة سلام مع إسرائيل وهو يريدنا في حالة حرب معها، ولأن الدولة المصرية مدنية ومثاله هو الدولة الدينية، ولأن سياستنا الخارجية تقوم على السعي من أجل الاستقرار وهم يريدونها ساعية إلى الثورة والفورة وقلب الأمور عاليها واطيها في المنطقة كلها. وبصراحة نحن مختلفون في كل شيء، وربما كان الأوفق أن نعلن ذلك للشعب الفلسطيني، ونرتب للأشقاء في غزة وسائل للإغاثة الإنسانية في السجن الذي وضعتهم فيه حماس، ونترك الأمر لهم وللشعب الفلسطيني أن يقرروا في أمورهم ما شاؤوا، فالمهم أن يبقوا بعيدين عنا!!. عن صحيفة الوطن القطرية 6/11/2008