سقوط ضحايا ومصابين في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    ضغوط جديدة على بايدن، أدلة تثبت انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي في غزة    سيد عبد الحفيظ: أتمنى الزمالك يكسب الكونفدرالية عشان نأخذ ثأر سوبر 94    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    تستمر يومين.. الأرصاد تحذر من ظاهرة جوية تضرب مصر خلال ساعات    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    مينا مسعود أحد الأبطال.. المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    حي شرق بمحافظة الإسكندرية يحث المواطنين على بدء إجراءات التصالح    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 4 مايو 2024 في البورصة والأسواق    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الإذاعى أحمد أبو السعود    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    وفاة الإذاعي أحمد أبو السعود رئيس شبكة الإذاعات الإقليمية الأسبق.. تعرف على موعد تشييع جثمانه    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    الخطيب يهنئ «سيدات سلة الأهلي» ببطولة الكأس    تعثر أمام هوفنهايم.. لايبزيج يفرط في انتزاع المركز الثالث بالبوندسليجا    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
دفاعا عن مصر مرة أخري
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 01 - 2010

منذ قيام الدولة المصرية الحديثة وانتشار التعليم ووسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة‏,‏ تعاطف المصريون دائما مع كل الشعوب والأمم المظلومة في العالم‏. فعلي مدي قرنين من الزمان وأكثر شعرت الغالبية العظمي من المصريين أن الوقوف إلي جانب العدالة في الإقليم الذي نعيش فيه‏,‏ وفي الدنيا كلها هو دفاع عن الحق من ناحية‏,‏ ودفاع عن مصر من ناحية أخري‏,‏ لأن مصر ذاتها كانت دوما معرضة لأشكال شتي من الظلم والعدوان‏,‏ حتي إنها أصبحت حسب تعبيرات د‏.‏ جمال حمدان أطول مستعمرة في الأزمنة التي لم تكن فيها‏'‏ إمبراطورية‏'‏ مترامية‏,‏ بما أدي إلي تشكل ضمير تاريخي ضمن مكونات شخصية مصر‏.‏
وحتي عندما كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي‏,‏ فإنها لم تتوان عن مساندة كل المظلومين‏,‏ خاصة الشعوب العربية والإسلامية والإفريقية الشقيقة‏,‏ ومساعدتها علي نيل استقلالها‏,‏ وبالذات الشعب الفلسطيني‏,‏ فبينما كانت قوات الاحتلال البريطاني متمركزة خلف ظهر الجيش المصري في سيناء وجدت القيادة المصرية برغم معارضة أقلية في مجلس الشيوخ أن مصر لا يمكنها تجنب المشاركة في حرب فلسطين الأولي عام‏1948.‏
إضافة لذلك‏,‏ فإن من يدرس تاريخ تصويت مصر في المنظمات الدولية في كل العصور الملكية والجمهورية‏,‏ سوف يجد أن مصر كانت دائما تقف إلي جانب الشعوب المظلومة وفي مواجهة القوي العظمي والكبري‏,‏ خاصة الولايات المتحدة‏,‏ حتي عندما تغيرت العلاقات المصرية الأمريكية من العداء إلي التوافق‏,‏ وأصبح ذلك حقيقة فرضتها القاهرة وتعايشت معها واشنطن‏.‏
كان ذلك تقريبا هو ما تواضع عليه كل المصريين في كل الأوقات‏,‏ إلا أنهم جميعا أيضا وضعوا خطا أحمر واضحا لا لبس فيه ولا تردد‏,‏ وهو أن كل ما تقدمه مصر لايخل بالمصالح العليا‏,‏ ولا يعرض الأمن القومي المصري للتهديد‏.‏ وببساطة كانت مصر درة التاج في هذه المنظومة العاطفية من الولاء والهوية والاستعداد لنصرة المظلوم‏,‏ ومن ثم فإن المساس بها علي نحو يشكل خطرا عليها‏,‏ أو تعريضها لتداعيات مآسي أطراف أخري عجزت نخبها السياسية عن تجنبها هو أمر لا يمكن السماح به‏,‏ ولم يكن هناك‏'‏ خوارج‏'.‏
إن التجربة التاريخية‏,‏ وما جري لمصر من أحداث ونوائب‏,‏ قد أنضجت العقل المصري بعد تدريب طويل علي أن مصر كانت دائما قادرة علي التعامل مع أعدائها ولو بعد حين‏,‏ أما مع الأصدقاء والأشقاء فقد كانت المسائل ملتبسة دائما بالمناورة أحيانا وبالخداع أحيانا أخري‏.‏ وكانت النتيجة المترتبة علي هذه الأولوية‏'‏ الطبيعية‏'‏ لمصر هي أن الدولة المصرية لم تعد تسمح لأحد باستدراجها لما لا تحبه وترضاه‏.‏ ولعلنا لا ننسي أنه حتي في زمن الرئيس الخالد جمال عبد الناصر فإنه بعد الغارة الإسرائيلية علي غزة عام‏1955,‏ لم يتردد أبدا في اعتقال سياسيين ومفكرين وشعراء و‏'‏مناضلين‏'‏ من كل نوع حتي لا يستدرج أيا منهم مصر إلي معركة لم تخترها‏,‏ ولم تحدد هي مكانها أو توقيتها وكيفية إدراتها‏.‏
المدهش الآن‏,‏ أن هناك طائفة جديدة من المصريين تريد الخروج علي هذه الحكمة التاريخية‏,‏ ويظهرون فورا‏,‏ وبشراسة عجيبة في المحاجاة والجدال وعلو الصوت‏,‏ عبر وسائل الإعلام العربية والمصرية مطالبين مصر فورا بالخضوع والقبول والاستسلام لكل ما يريده هذا الشقيق أو ذاك مهما كان موقفه وموقعه من مصر والمصريين‏.‏ و تكون النتيجة أنه بشكل ما تصبح مصر دائما علي خطأ وموضوعا للمزايدة والمناقصة حسب اتجاهات ريحهم سواء كانت تتعلق بإيران أو العراق أو لبنان أو بالطبع فلسطين‏;‏ حتي بات المطلوب من مصر حتي تثبت جدارتها الإقليمية‏,‏ وثباتها علي مبادئ الإسلام وثوابت العروبة‏,‏ أن تسلم نفسها وقرارها لصدام حسين أو أحمدي نجاد أو حسن نصر الله أو خالد مشعل‏,‏ وآخرين‏.‏
هؤلاء‏'‏ المصريون الجدد‏'‏ الذين لا يجدون بأسا في التفريط بالمصالح المصرية‏,‏ ولا يجدون سببا لدفاع المصريين عن مصالح بلادهم دونما الانخراط مع مجموعة بائسة من الدولة والجماعات السياسية‏,‏ وجدوا في موضوع غزة خلال العام الماضي أو العام الحالي فرصتهم للخروج علي التقاليد المصرية‏.‏ ومن الناحية العملية البحتة فإن جماعتنا هذه بما فيها من كتاب مرموقين‏,‏ وصحفيين معروفين‏,‏ وروائيين من أصحاب الصيت‏,‏ لا يجدون مشكلة ولا معضلة في اختراق الحدود المصرية بالأنفاق من قطاع غزة واستخدامها في تهريب السلاح وأدوات العنف المختلفة‏.‏
ومثل هؤلاء لا يشعرون بقلق من أي نوع من دخول وخروج إرهابيين للتدريب والتدمير‏,‏ ولم يسمعوا قط عن عمليات إرهابية وقعت في شرم الشيخ وطابا ودهب‏,‏ وقتلت مصريين بالعشرات قبل أن تقتل حفنة من الأجانب‏,‏ ولا يطرف لهؤلاء جفن إذا تهددت الأوضاع الاقتصادية المصرية في سيناء‏,‏ ولا توجد لديهم غضاضة إذا ما تعرضت التزامات مصر إزاء اتفاقيات السلام مع إسرائيل للخطر طالما أن الغرض من الأصل هو عودتها إلي صفوف الذين لا تزال أراضيهم محتلة‏.‏ والمدهش أن هؤلاء يبدون كما أنهم لم يسمعوا أبدا عن‏'‏ الحدود‏'‏ المصرية التي جرت محاولات لاختراقها في الشمال الشرقي من غزة‏,‏ وفي الجنوب من قبل آخرين راحوا يخطفون السياح عند حدود مصر الجنوبية‏.‏
إن هؤلاء يضعون مصر في مؤخرة اهتماماتهم‏,‏ ويضعوا كل ما عداها في المقدمة من طهران إلي غزة‏,‏ ومن أحمدي نجاد حتي محمود الزهار‏,‏ فهم لا يكفون أبدا عن خلط الأوراق‏,‏ والإدعاء علي الموقف علي حدود مصر مع غزة بما ليس فيه‏.‏ وهم يقولون تارة إن الإنشاءات المصرية التي يجري بناؤها علي الحدود مع غزة تستهدف اتخاذ إجراءات عقابية بحق حركة حماس المسيطرة علي القطاع لرفضها التعاطي بإيجابية مع الجهود التي تبذلها القاهرة للوصول إلي مصالحة وطنية فلسطينية‏,‏ وإبرام صفقة‏'‏ شاليط‏'‏ بين حماس وإسرائيل‏.‏ وتارة أخري يقال أن الإنشاءات تمثل توجها مصريا للتماشي والتوافق مع الإجراءات التي تتخذها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ل‏'‏خنق‏'‏ مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة‏,‏ وبالتالي التخلص من هذا‏'‏ الصداع المزمن‏'‏ تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية‏,‏ خصوصا بعد فشل إسرائيل في تحقيق ذلك خلال الحرب علي القطاع في نهاية ديسمبر‏2008,‏ ويناير‏2009,‏ وبعد إخفاق واشنطن في تدويل حدود القطاع‏.‏
وتارة ثالثة يذكرون أن الجدار الذي يتم إنشاؤه ليس من أجل ضمان سيادة مصر أو حماية أمنها‏,‏ كما تقول الحكومة المصرية‏,‏ وإنما من أجل تغيير الوضع السياسي في غزة بتقليص شعبية حماس داخل الشعب الفلسطيني‏.‏ وتمضي الأمور بعيدا تارة رابعة فيقال إن السور المصري‏,‏ يمثل الخطوة الأولي في مخطط إقليمي شامل برعاية أمريكية وإسرائيلية‏,‏ يهدف إلي التمهيد لشن حرب إسرائيلية أكثر ضراوة علي القطاع‏,‏ تستطيع من خلالها إسرائيل هذه المرة اقتلاع حركة حماس من جذورها بعد أن تكون قد تمكنت من تجفيف منابع الأسلحة المهربة إليها‏,‏ بما يجعلها في موقف ضعف لا تستطيع من خلاله مواجهة الهجمة الإسرائيلية الجديدة‏.‏ وتبدو هذه المواجهة‏,‏ وفقا لهذا الرأي‏,‏ خطوة أولي نحو مواجهة أكثرة قوة وأوسع انتشارا مع القوي الراديكالية الموجودة في المنطقة‏,‏ بدءا من حركات المقاومة الفلسطينية‏,‏ مرورا بحزب الله اللبناني‏,‏ وانتهاء بإيران الطامحة إلي لعب دور إقليمي متميز وامتلاك برنامج نووي طموح‏.‏
بل إنه أحيانا لا يكون للشطط حد‏,‏ فلدي طائفة من السياسيين والكتاب المصريين ولع بنظرية جديدة تفسر كل ما يجري في مصر‏,‏ والآن في الشرق الأوسط‏,‏ بمخطط‏'‏ التوريث‏',‏ حيث تزعم أن مصر وافقت علي‏'‏ معادلة ذهبية‏'‏ تقوم علي التفاعل بإيجابية مع مصالح وسياسات إسرائيل باعتبار ذلك‏'‏ تأشيرة تمرير‏'‏ ملف التوريث لدي الأوساط السياسية ودوائر صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية‏.‏ وتقترب النظرية السادسة من هذه الرؤية‏,‏ حيث تزعم أن المبررات التي ساقتها مصر لبناء هذه الإنشاءات واهية ولا سند لها‏,‏ مثل أنها جدار يحمي أمن مصر وسيادتها‏,‏ مشيرة إلي أن هناك خلطا بين أمن مصر وأمن النظام الحاكم الذي يري أن الأهم بالنسبة له هو بقاؤه بصرف النظر عن مدي توافق مصالحه مع ما يعرفونه علي أنه مصالح الدولة العليا‏.‏
كذلك تتشابه النظرية السابعة مع سابقتيها في بعض الأوجه‏,‏ حيث تقول إن مصر أصبحت أكثر حساسية تجاه تداعيات ما يحدث داخل قطاع غزة‏,‏ لاسيما صعود التيار الإسلامي‏,‏ خصوصا تجاه حركة الإخوان المسلمين‏,‏ إذ إن وجود حماس وقدرتها علي تسيير شئون القطاع بعد نزاعها العسكري مع فتح‏,‏ وبعد نشوب الحرب الإسرائيلية في ديسمبر ويناير الماضيين‏,‏ ضاعف من شعبيتها لدي الرأي العام المصري‏,‏ وهو ما ألقي بظلاله علي تدعيم مكانة الإخوان علي الساحة السياسية المصرية‏,‏ بما يمثل‏,‏ وفقا لهذه النظرية‏,‏ عامل تهديد لخطط النظام في تمرير ملف التوريث‏,‏ نظرا للمعارضة الشعبية المتوقعة‏,‏ والتي ستكون حركة الإخوان علي رأسها‏.‏
ولنلاحظ هنا أن كل هذه النظريات لا تناقش لب الموضوع‏,‏ ومهما طالت المقالات وارتفعت الحناجر فإنك لا تجد حديثا عن أنفاق وأسلحة ومتفجرات وعمليات تهريب وتدريب وعبور للإرهابيين‏,‏ ولا حتي ذكر القواعد تنظيمية واقتصادية وشبكات معلومات ومخابرات عملت للتجهيز لنقل الأسلحة والمعدات‏.‏ وفي كل ذلك لم يسمع أحد عن اعتراف حسن نصر الله بإنشائه لشبكة إرهابية في مصر‏,‏ ولا ورد ببال أحد ما يجري في العالم من حركة لجماعات أصولية وراديكالية وإرهابية نجحت في اختراق الحدود والأجواء‏,‏ حتي إن واحدا من تنظيم القاعدة كاد يختطف طائرة من أمستردام في هولندا ويفجرها في ديترويت في الولايات المتحدة‏.‏ كل ذلك لا يبدو أنه يقلق أحدا من جماعتنا التي تخلت عن المبدأ المصري الأصيل بمد يد العون لكل الأشقاء ولكن بما لا يمس مصر وسلامتها‏.‏
والحقيقة أن ما تحتاجه جماعة‏'‏ المصريين الجدد‏'‏ الذين دفعتهم أيديولوجيات مختلفة للتخلي عن مصر ومصالحها أن يعرفوا الحقيقة كما هي وليس كما يقومون بتركيبها وتحويرها‏.‏ فالهدف الرئيسي لمصر من الإنشاءات الحدودية هو تأمين الحدود المصرية من التهديدات القادمة إليها من قطاع غزة‏.‏ فالتحصينات الحدودية دفاعية وليست هجومية ضد أحد‏,‏ وهي قرار سيادي مصري تم اتخاذه علي ضوء سوابق سواء من جانب حركة حماس في عام‏2008‏ أو من جانب حزب الله في عام‏2009‏ لاختراق الحدود والسيادة المصرية‏,‏ بل والإضرار بالاقتصاد والأمن الوطنيين والتهديد المباشر لقوات الشرطة وحرس الحدود‏.‏ ولم يكن هدف مصر من بناء الإنشاءات الحدودية معاقبة حماس علي عدم توقيعها للورقة المصرية الخاصة بالمصالحة الفلسطينية وإبرام صفقة شاليط‏,‏ حيث إن مصر بذلت جهودا مضنية لإنجاحها‏,‏ أما النجاح والفشل فهو يقع في النهاية علي عاتق الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس وهما في النهاية من سيتحمل نتائج التعثر والتراجع في هذه الجهود‏.‏
ولا يمكن لمصر أن تجري هذه الإنشاءات لمجرد خنق مليون ونصف المليون فلسطيني‏,‏ في الوقت الذي بلغ إجمالي عدد مرات فتح المعبر خلال الفترة من‏29‏ ديسمبر‏2008‏ وحتي‏28‏ ديسمبر‏2009'15'‏ مرة‏,‏ وبلغ إجمالي الفلسطينيين الداخلين إلي مصر‏76‏ ألف فرد‏.‏ وخلال نفس الفترة‏,‏ تزايدت إجمالي كميات المعونات الطبية والغذائية التي عبرت من البلاد إلي قطاع غزة علي مدار عام‏,‏ كما يوضح جدول المعلومات المرفق‏.‏
لقد كان الخط الثابت للسياسة المصرية تجاه غزة هو أنه لن يجوع فلسطيني واحد‏,‏ ولن يتعرض لأزمة في الغذاء أو الدواء‏,‏ كما لا توجد علاقة من أي نوع بين الإنشاءات التي تتم علي الحدود المصرية والخلاف السياسي القائم بين مصر وحركة حماس منذ طرحت الأخيرة مشروعها الوطني لتحرير فلسطين‏,‏ لأن هذا الخلاف قائم منذ فترة طويلة ولم تطرأ تحولات جوهرية علي مسار العلاقة‏,‏ بما يتطلب أخذها في الاعتبار‏.‏ ولا يعقل الربط بين بناء مصر إنشاءات هندسية علي حدودها مع قطاع غزة ووجود مخطط إقليمي لشن حملة إسرائيلية برعاية أمريكية لتدمير القطاع‏,‏ لأن هناك من السوابق ما يشير إلي عكس هذا الافتراض وكان آخرها الحرب الإسرائيلية التي شنت علي غزة خلال العام الماضي‏.‏
وأخيرا‏,‏ فإن ربط الإجراءات الحدودية علي مصر‏'‏ بالتوريث‏'‏ ليس استثناء من السياق العام للحوار في مصر‏,‏ وهو نوع من الهذر في موضع الجد‏,‏ والعبقرية الزائدة في الإبداع‏,‏ وإن جاز في مواضع أخري تعسفا فإنه لا يجوز حينما يكون أمن مصر علي المحك‏.‏ وبالمثل فإن الرمي في قناة مصر باسم إسرائيل هو فضلا عن استهتاره بالتاريخ فإنه استهزاء بأرواح وتضحيات المصريين جميعا‏.‏ ولمن لا يعلم‏,‏ أو يدعي عدم العلم‏,‏ فإن إسرائيل ليست في حاجة إلي مصر لإقامة إنشاءات علي الحدود‏,‏ بل هي قادرة علي حماية أمنها لأنها تدرك أنه المحدد الأساسي لبقائها‏,‏ ويعد الأمن هو الموضوع رقم واحد في الأجندة الانتخابية لأي مرشح أو حزب سياسي في إسرائيل‏.‏ ولا يوجد طرف قدم خدمة لأمن إسرائيل مثلما قدمت أطراف فلسطينية متعددة بدءا من الذين قسموا الجبهة الفلسطينية‏,‏ والسلطة الفلسطينية‏,‏ والأرض الفلسطينية‏,‏ وحتي الذين استعدوا كل الحلفاء والأصدقاء والمتعاطفين مع الحق الفلسطيني‏,‏ حتي لم يبق لفلسطين إلا جماعة منشغلة بإحراج الحكومة المصرية أكثر من انشغالها بالحق الفلسطيني الذي له عناوين واضحة في إسرائيل وغزة‏.‏
معبر رفح
لقد مر عبر منفذ رفح البري‏7911.628‏ طن من الأدوية‏,‏ و‏856‏ طن من الأغذية‏,‏ شملت‏2000‏ كرتونة مياه معدنية‏,‏ و‏980‏ طن ألبان و‏165‏ طنا لحوم مجمدة‏,‏ فضلا عن مساعدات ومستلزمات طبية منها‏224‏ سيارة إسعاف و‏4‏ ثلاجات لنقل الدم و‏194‏ سيارة‏'‏ عيادة متنقلة‏'‏ و‏560‏ اسطوانة أوكسجين وجهاز أشعة وجهاز منظار و‏1000‏ سماعة طبية و‏100‏ جهاز ضغط‏.‏ كما مر عبر منفذ العوجة البري‏374.55‏ طن مواد غذائية و‏212‏ طن وجبات جاهزة‏.‏ ومر عبر منفذ كرم أبو سالم‏1433.151‏ طن مواد غذائية‏.‏
وبالنسبة للقوافل التي مرت عبر منفذ رفح البري فهي متعددة‏,‏ فقد حملت قافلة‏'‏ تحيا فلسطين220.200‏ طن من الأدوية والمساعدات‏,‏ وحملت قافلة‏'‏ الأمل4‏ شاحنات أدوية ومساعدات وسيارة إسعاف‏,‏ وحملت قافلة‏'‏ تحيا فلسطين‏'‏ مرة أخري‏226‏ طن أدوية ومساعدات‏.‏ وقد بلغ إجمالي سفر ووصول المرضي الفلسطينيين خلال الفترة من‏1‏ يناير‏2009‏ وحتي‏23‏ ديسمبر‏2009‏ كالتالي‏:1446‏ مريضا و‏1212‏ مرافقا ليبلغ الإجمالي‏2658‏ فردا‏.‏ هذا فضلا عن المساعدات لطلاب المدارس من تجهيز فصول وحقائب مدرسية وإصلاح دورات مياه‏.‏
كما تم السماح بعبور عدد‏2042‏ فلسطينيا لأداء فريضة العمرة من قطاع غزة إلي البلاد ومنها للأراضي السعودية والعودة خلال الفترة من‏15‏ إلي‏27‏ أغسطس‏2009,‏ وتم السماح بعبور‏5227‏ حاجا فلسطينيا لأداء فريضة الحج من قطاع غزة إلي البلاد ومنها للأراضي السعودية‏.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.