النصر يُلغي معسكره في النمسا بسبب ظروف طارئة ويبحث عن بديل    نادية مصطفى لفيتو: احنا مش متطرفين ومصطفى كامل بيخاف على البلد (فيديو)    «زي النهارده» فى ‌‌30‌‌ يوليو ‌‌2011.. وفاة أول وزيرة مصرية    رغم إعلان حل الأزمة، استمرار انقطاع الكهرباء عن بعض مدن الجيزة لليوم الخامس على التوالي    ترامب يحذر من تسونامي في هاواي وألاسكا ويدعو الأمريكيين إلى الحيطة    وزير الخارجية يلتقي السيناتور ليندسى جراهام بمجلس الشيوخ الأمريكي    الاتحاد الإفريقي يصدم "الدعم السريع" بعد تشكيل حكومة موازية بالسودان ويوجه رسالة للمجتمع الدولي    فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية لدخول كلية الحقوق والرابط الرسمي    ثروت سويلم: لن يتكرر إلغاء الهبوط في الدوري المصري.. وخصم 6 نقاط فوري للمنسحبين    انهيار جزئي لعقار مكون من 7 طوابق في الدقي    من "ترند" الألبومات إلى "ترند" التكت، أسعار تذاكر حفل عمرو دياب بالعلمين مقارنة بتامر حسني    طريقة عمل الأرز باللبن، تحلية سريعة التحضير ولذيذة    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    السيد أمين شلبي يقدم «كبسولة فكرية» في الأدب والسياسة    ليلى علوي تسترجع ذكريات «حب البنات» بصور من الكواليس: «كل الحب»    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين الحكومي والخاص    ترفع الرغبة الجنسية وتعزز المناعة.. 8 أطعمة ترفع هرمون الذكورة بشكل طبيعي    لا تتبع الوزارة.. البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب منصة جنوب شرق الحمد    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    4 أرغفة ب دينار.. تسعيرة الخبز الجديدة تغضب أصحاب المخابز في ليبيا    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    تنسيق الجامعات 2025| كل ما تريد معرفته عن بكالوريوس إدارة وتشغيل الفنادق "ماريوت"    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    الجنايني يكشف سبب تعثر بيع زيزو لنيوم السعودي    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    ناشط فلسطيني: دور مصر مشرف وإسرائيل تتحمل انتشار المجاعة في غزة.. فيديو    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    ترامب: الهند ستواجه تعريفة جمركية تتراوح بين 20% و25% على الأرجح    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاعا عن مصر مرة أخري
نشر في أخبار مصر يوم 09 - 01 - 2010

منذ قيام الدولة المصرية الحديثة وانتشار التعليم ووسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة‏ تعاطف المصريون دائما مع كل الشعوب والأمم المظلومة في العالم‏.
‏ فعلي مدي قرنين من الزمان وأكثر شعرت الغالبية العظمي من المصريين أن الوقوف إلي جانب العدالة في الإقليم الذي نعيش فيه‏، وفي الدنيا كلها هو دفاع عن الحق من ناحية، ودفاع عن مصر من ناحية أخري؛ لأن مصر ذاتها كانت دوما معرضة لأشكال شتي من الظلم والعدوان‏ حتي إنها أصبحت- حسب تعبيرات د‏.‏ جمال حمدان- أطول مستعمرة في الأزمنة التي لم تكن فيها‏ '‏إمبراطورية‏'‏ مترامية‏، بما أدي إلي تشكل ضمير تاريخي ضمن مكونات شخصية مصر‏.‏
وحتي عندما كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي‏، فإنها لم تتوان عن مساندة كل المظلومين‏، خاصة الشعوب العربية والإسلامية والإفريقية الشقيقة‏، ومساعدتها علي نيل استقلالها‏، وبالذات الشعب الفلسطيني‏، فبينما كانت قوات الاحتلال البريطاني متمركزة خلف ظهر الجيش المصري في سيناء وجدت القيادة المصرية برغم معارضة أقلية في مجلس الشيوخ أن مصر لا يمكنها تجنب المشاركة في حرب فلسطين الأولي عام‏ 1948.‏
إضافة لذلك‏، فإن من يدرس تاريخ تصويت مصر في المنظمات الدولية في كل العصور الملكية والجمهورية‏، سوف يجد أن مصر كانت دائما تقف إلي جانب الشعوب المظلومة وفي مواجهة القوي العظمي والكبري‏، خاصة الولايات المتحدة‏، حتي عندما تغيرت العلاقات المصرية الأمريكية من العداء إلي التوافق‏، وأصبح ذلك حقيقة فرضتها القاهرة وتعايشت معها واشنطن‏.‏
كان ذلك تقريبا هو ما تواضع عليه كل المصريين في كل الأوقات‏، إلا أنهم جميعا أيضا وضعوا خطا أحمر واضحا لا لبس فيه ولا تردد‏، وهو أن كل ما تقدمه مصر لايخل بالمصالح العليا‏، ولا يعرض الأمن القومي المصري للتهديد‏.‏ وببساطة كانت مصر درة التاج في هذه المنظومة العاطفية من الولاء والهوية والاستعداد لنصرة المظلوم‏، ومن ثم فإن المساس بها علي نحو يشكل خطرا عليها‏، أو تعريضها لتداعيات مآسي أطراف أخري عجزت نخبها السياسية عن تجنبها هو أمر لا يمكن السماح به‏، ولم يكن هناك‏ '‏خوارج‏'.‏
إن التجربة التاريخية‏، وما جري لمصر من أحداث ونوائب‏، قد أنضجت العقل المصري بعد تدريب طويل علي أن مصر كانت دائما قادرة علي التعامل مع أعدائها ولو بعد حين‏، أما مع الأصدقاء والأشقاء فقد كانت المسائل ملتبسة دائما بالمناورة أحيانا وبالخداع أحيانا أخري‏.‏ وكانت النتيجة المترتبة علي هذه الأولوية‏ '‏الطبيعية‏'‏ لمصر هي أن الدولة المصرية لم تعد تسمح لأحد باستدراجها لما لا تحبه وترضاه‏.‏
ولعلنا لا ننسي أنه حتي في زمن الرئيس الخالد جمال عبد الناصر فإنه بعد الغارة الإسرائيلية علي غزة عام‏1955، لم يتردد أبدا في اعتقال سياسيين ومفكرين وشعراء و‏'‏مناضلين‏'‏ من كل نوع حتي لا يستدرج أيا منهم مصر إلي معركة لم تخترها‏، ولم تحدد هي مكانها أو توقيتها وكيفية إدراتها‏.‏
المدهش الآن‏ أن هناك طائفة جديدة من المصريين تريد الخروج علي هذه الحكمة التاريخية‏، ويظهرون فورا‏، وبشراسة عجيبة في المحاجاة والجدال وعلو الصوت‏ عبر وسائل الإعلام العربية والمصرية مطالبين مصر فورا بالخضوع والقبول والاستسلام لكل ما يريده هذا الشقيق أو ذاك مهما كان موقفه وموقعه من مصر والمصريين‏.‏ و تكون النتيجة أنه بشكل ما تصبح مصر دائما علي خطأ وموضوعا للمزايدة والمناقصة حسب اتجاهات ريحهم سواء كانت تتعلق بإيران أو العراق أو لبنان أو بالطبع فلسطين‏؛ حتي بات المطلوب من مصر حتي تثبت جدارتها الإقليمية‏، وثباتها علي مبادئ الإسلام وثوابت العروبة‏، أن تسلم نفسها وقرارها لصدام حسين أو أحمدي نجاد أو حسن نصر الله أو خالد مشعل‏، وآخرين‏.‏
هؤلاء‏ '‏المصريون الجدد‏'‏ الذين لا يجدون بأسا في التفريط بالمصالح المصرية‏، ولا يجدون سببا لدفاع المصريين عن مصالح بلادهم دونما الانخراط مع مجموعة بائسة من الدولة والجماعات السياسية‏ وجدوا في موضوع غزة خلال العام الماضي أو العام الحالي فرصتهم للخروج علي التقاليد المصرية‏.‏ ومن الناحية العملية البحتة فإن جماعتنا هذه بما فيها من كتاب مرموقين‏، وصحفيين معروفين‏، وروائيين من أصحاب الصيت‏، لا يجدون مشكلة ولا معضلة في اختراق الحدود المصرية بالأنفاق من قطاع غزة واستخدامها في تهريب السلاح وأدوات العنف المختلفة‏.‏
ومثل هؤلاء لا يشعرون بقلق من أي نوع من دخول وخروج إرهابيين للتدريب والتدمير‏، ولم يسمعوا قط عن عمليات إرهابية وقعت في شرم الشيخ وطابا ودهب‏، وقتلت مصريين بالعشرات قبل أن تقتل حفنة من الأجانب‏، ولا يطرف لهؤلاء جفن إذا تهددت الأوضاع الاقتصادية المصرية في سيناء‏، ولا توجد لديهم غضاضة إذا ما تعرضت التزامات مصر إزاء اتفاقيات السلام مع إسرائيل للخطر طالما أن الغرض من الأصل هو عودتها إلي صفوف الذين لا تزال أراضيهم محتلة‏.‏ والمدهش أن هؤلاء يبدون كما أنهم لم يسمعوا أبدا عن‏ '‏الحدود‏'‏ المصرية التي جرت محاولات لاختراقها في الشمال الشرقي من غزة‏، وفي الجنوب من قبل آخرين راحوا يخطفون السياح عند حدود مصر الجنوبية‏.‏
إن هؤلاء يضعون مصر في مؤخرة اهتماماتهم‏، ويضعوا كل ما عداها في المقدمة من طهران إلي غزة‏، ومن أحمدي نجاد حتي محمود الزهار‏، فهم لا يكفون أبدا عن خلط الأوراق‏، والإدعاء علي الموقف علي حدود مصر مع غزة بما ليس فيه‏.‏ وهم يقولون تارة إن الإنشاءات المصرية التي يجري بناؤها علي الحدود مع غزة تستهدف اتخاذ إجراءات عقابية بحق حركة حماس المسيطرة علي القطاع لرفضها التعاطي بإيجابية مع الجهود التي تبذلها القاهرة للوصول إلي مصالحة وطنية فلسطينية‏، وإبرام صفقة‏ '‏شاليط‏'‏ بين حماس وإسرائيل‏.‏ وتارة أخري يقال أن الإنشاءات تمثل توجها مصريا للتماشي والتوافق مع الإجراءات التي تتخذها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ل‏'‏خنق‏'‏ مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة‏، وبالتالي التخلص من هذا‏ '‏الصداع المزمن‏'‏ تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية‏، خصوصا بعد فشل إسرائيل في تحقيق ذلك خلال الحرب علي القطاع في نهاية ديسمبر‏2008، ويناير‏2009، وبعد إخفاق واشنطن في تدويل حدود القطاع‏.‏
وتارة ثالثة يذكرون أن الجدار الذي يتم إنشاؤه ليس من أجل ضمان سيادة مصر أو حماية أمنها‏، كما تقول الحكومة المصرية، وإنما من أجل تغيير الوضع السياسي في غزة بتقليص شعبية حماس داخل الشعب الفلسطيني‏.‏ وتمضي الأمور بعيدا تارة رابعة فيقال إن السور المصري‏ يمثل الخطوة الأولي في مخطط إقليمي شامل برعاية أمريكية وإسرائيلية‏ يهدف إلي التمهيد لشن حرب إسرائيلية أكثر ضراوة علي القطاع‏ تستطيع من خلالها إسرائيل هذه المرة اقتلاع حركة حماس من جذورها بعد أن تكون قد تمكنت من تجفيف منابع الأسلحة المهربة إليها‏، بما يجعلها في موقف ضعف لا تستطيع من خلاله مواجهة الهجمة الإسرائيلية الجديدة‏.‏ وتبدو هذه المواجهة‏، وفقا لهذا الرأي‏، خطوة أولي نحو مواجهة أكثرة قوة وأوسع انتشارا مع القوي الراديكالية الموجودة في المنطقة‏، بدءا من حركات المقاومة الفلسطينية‏، مرورا بحزب الله اللبناني‏، وانتهاء بإيران الطامحة إلي لعب دور إقليمي متميز وامتلاك برنامج نووي طموح‏.‏
بل إنه أحيانا لا يكون للشطط حد‏، فلدي طائفة من السياسيين والكتاب المصريين ولع بنظرية جديدة تفسر كل ما يجري في مصر‏، والآن في الشرق الأوسط‏، بمخطط‏ '‏التوريث‏'، حيث تزعم أن مصر وافقت علي‏ '‏معادلة ذهبية‏'‏ تقوم علي التفاعل بإيجابية مع مصالح وسياسات إسرائيل باعتبار ذلك‏ '‏تأشيرة تمرير‏'‏ ملف التوريث لدي الأوساط السياسية ودوائر صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية‏.‏ وتقترب النظرية السادسة من هذه الرؤية‏، حيث تزعم أن المبررات التي ساقتها مصر لبناء هذه الإنشاءات واهية ولا سند لها‏، مثل أنها جدار يحمي أمن مصر وسيادتها‏، مشيرة إلي أن هناك خلطا بين أمن مصر وأمن النظام الحاكم الذي يري أن الأهم بالنسبة له هو بقاؤه بصرف النظر عن مدي توافق مصالحه مع ما يعرفونه علي أنه مصالح الدولة العليا‏.‏
كذلك تتشابه النظرية السابعة مع سابقتيها في بعض الأوجه‏، حيث تقول إن مصر أصبحت أكثر حساسية تجاه تداعيات ما يحدث داخل قطاع غزة‏، لاسيما صعود التيار الإسلامي‏، خصوصا تجاه حركة الإخوان المسلمين‏، إذ إن وجود حماس وقدرتها علي تسيير شئون القطاع بعد نزاعها العسكري مع فتح‏، وبعد نشوب الحرب الإسرائيلية في ديسمبر ويناير الماضيين‏، ضاعف من شعبيتها لدي الرأي العام المصري‏، وهو ما ألقي بظلاله علي تدعيم مكانة الإخوان علي الساحة السياسية المصرية‏، بما يمثل‏، وفقا لهذه النظرية‏، عامل تهديد لخطط النظام في تمرير ملف التوريث‏، نظرا للمعارضة الشعبية المتوقعة‏، والتي ستكون حركة الإخوان علي رأسها‏.‏
ولنلاحظ هنا أن كل هذه النظريات لا تناقش لب الموضوع‏، ومهما طالت المقالات وارتفعت الحناجر فإنك لا تجد حديثا عن أنفاق وأسلحة ومتفجرات وعمليات تهريب وتدريب وعبور للإرهابيين‏، ولا حتي ذكر القواعد تنظيمية واقتصادية وشبكات معلومات ومخابرات عملت للتجهيز لنقل الأسلحة والمعدات‏.‏ وفي كل ذلك لم يسمع أحد عن اعتراف حسن نصر الله بإنشائه لشبكة إرهابية في مصر‏، ولا ورد ببال أحد ما يجري في العالم من حركة لجماعات أصولية وراديكالية وإرهابية نجحت في اختراق الحدود والأجواء‏، حتي إن واحدا من تنظيم القاعدة كاد يختطف طائرة من أمستردام في هولندا ويفجرها في ديترويت في الولايات المتحدة‏.‏ كل ذلك لا يبدو أنه يقلق أحدا من جماعتنا التي تخلت عن المبدأ المصري الأصيل بمد يد العون لكل الأشقاء ولكن بما لا يمس مصر وسلامتها‏.‏
والحقيقة أن ما تحتاجه جماعة‏ '‏المصريين الجدد‏'‏ الذين دفعتهم أيديولوجيات مختلفة للتخلي عن مصر ومصالحها أن يعرفوا الحقيقة كما هي وليس كما يقومون بتركيبها وتحويرها‏.‏ فالهدف الرئيسي لمصر من الإنشاءات الحدودية هو تأمين الحدود المصرية من التهديدات القادمة إليها من قطاع غزة‏.‏ فالتحصينات الحدودية دفاعية وليست هجومية ضد أحد‏، وهي قرار سيادي مصري تم اتخاذه علي ضوء سوابق سواء من جانب حركة حماس في عام‏ 2008‏ أو من جانب حزب الله في عام‏ 2009‏ لاختراق الحدود والسيادة المصرية‏، بل والإضرار بالاقتصاد والأمن الوطنيين والتهديد المباشر لقوات الشرطة وحرس الحدود‏.‏ ولم يكن هدف مصر من بناء الإنشاءات الحدودية معاقبة حماس علي عدم توقيعها للورقة المصرية الخاصة بالمصالحة الفلسطينية وإبرام صفقة شاليط‏، حيث إن مصر بذلت جهودا مضنية لإنجاحها‏، أما النجاح والفشل فهو يقع في النهاية علي عاتق الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس وهما في النهاية من سيتحمل نتائج التعثر والتراجع في هذه الجهود‏.‏
ولا يمكن لمصر أن تجري هذه الإنشاءات لمجرد خنق مليون ونصف المليون فلسطيني‏، في الوقت الذي بلغ إجمالي عدد مرات فتح المعبر خلال الفترة من‏ 29‏ ديسمبر‏2008‏ وحتي‏ 28‏ ديسمبر‏ 2009 '15'‏ مرة‏، وبلغ إجمالي الفلسطينيين الداخلين إلي مصر‏ 76‏ ألف فرد‏.‏ وخلال نفس الفترة‏، تزايدت إجمالي كميات المعونات الطبية والغذائية التي عبرت من البلاد إلي قطاع غزة علي مدار عام‏، كما يوضح جدول المعلومات المرفق‏.‏
لقد كان الخط الثابت للسياسة المصرية تجاه غزة هو أنه لن يجوع فلسطيني واحد‏، ولن يتعرض لأزمة في الغذاء أو الدواء‏، كما لا توجد علاقة من أي نوع بين الإنشاءات التي تتم علي الحدود المصرية والخلاف السياسي القائم بين مصر وحركة حماس منذ طرحت الأخيرة مشروعها الوطني لتحرير فلسطين‏ لأن هذا اخلاف قائم منذ فترة طويلة ولم تطرأ تحولات جوهرية علي مسار العلاقة‏، بما يتطلب أخذها في الاعتبار‏.‏
ولا يعقل الربط بين بناء مصر إنشاءات هندسية علي حدودها مع قطاع غزة ووجود مخطط إقليمي لشن حملة إسرائيلية برعاية أمريكية لتدمير القطاع‏ لأن هناك من السوابق ما يشير إلي عكس هذا الافتراض وكان آخرها الحرب الإسرائيلية التي شنت علي غزة خلال العام الماضي‏.‏
وأخيرا،‏ فإن ربط الإجراءات الحدودية علي مصر‏'‏بالتوريث‏'‏ ليس استثناء من السياق العام للحوار في مصر‏، وهو نوع من الهذر في موضع الجد‏، والعبقرية الزائدة في الإبداع‏، وإن جاز في مواضع أخري تعسفا فإنه لا يجوز حينما يكون أمن مصر علي المحك‏.‏ وبالمثل فإن الرمي في قناة مصر باسم إسرائيل هو فضلا عن استهتاره بالتاريخ فإنه استهزاء بأرواح وتضحيات المصريين جميعا‏.‏ ولمن لا يعلم‏ أو يدعي عدم العلم‏، فإن إسرائيل ليست في حاجة إلي مصر لإقامة إنشاءات علي الحدود‏، بل هي قادرة علي حماية أمنها لأنها تدرك أنه المحدد الأساسي لبقائها‏، ويعد الأمن هو الموضوع رقم واحد في الأجندة الانتخابية لأي مرشح أو حزب سياسي في إسرائيل‏.‏ ولا يوجد طرف قدم خدمة لأمن إسرائيل مثلما قدمت أطراف فلسطينية متعددة بدءا من الذين قسموا الجبهة الفلسطينية‏ والسلطة الفلسطينية‏ والأرض الفلسطينية‏ وحتي الذين استعدوا كل الحلفاء والأصدقاء والمتعاطفين مع الحق الفلسطيني‏ حتي لم يبق لفلسطين إلا جماعة منشغلة بإحراج الحكومة المصرية أكثر من انشغالها بالحق الفلسطيني الذي له عناوين واضحة في إسرائيل وغزة‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.