ماذا وراء افتراءات شمعون بيريز.. على السعودية وملكها؟ زين العابدين الركابي مهام الحاضر ومسؤوليات المستقبل لا تكاد تحصى لكثرتها وتنوعها.. كل ذي عقل راجح يرى: أن في طليعة هذه المهام والمسؤوليات: (التحرر الكامل الناجز من مسلّمات وهمية ومفاهيم بالية) سرّبها الإعلام الصهيوني وإعلام عربي هو صدى له بالضبط سربها وأنفذها إلى أذهان نخب عربية من مختلف المستويات.. ومن هذه المسلّمات والمفاهيم التعسة التي يجب التحرر منها من دون إبطاء: مفهوم: (أن قادة إسرائيل جادون في السلام مع العرب. صادقون في السعي إليه، وأن المشكلة لا تعدو أن تكون مشكلة (تكنيك) تفاوضي فحسب)!!.. لا نقول هذا الكلام بمناسبة انعقاد مؤتمر انابولس بعد قليل. فنحن ممتلئون اقتناعا بأنه مؤتمر خائب لسببين: سبب أن قادة إسرائيل انما هم (اعداء السلام الحقيقي) بسياساتهم ومواقفهم ومسالكهم وغرورهم وغباوتهم .. وسبب أن ليس في يد الطرف العربي أي طرف وكل طرف ما يمكنه من أخذ شيء من هؤلاء القادة المغرورين: بلا حدود.. نعم. هناك نجاح وحيد ومضمون وهو: ان يكذب فلسطينيون ومعهم عرب آخرون لصالح إسرائيل فيقولون: إن المؤتمر قد نجح أو حقق تقدما في (آليات) المفاوضات مثلاً.. أو في (التجميد الديكوري) لبعض المستوطنات!!.. وإنما نصدع بهذا الكلام في زمانه ومناخه المواتيين لأن قادة اسرائيل مارسوا حرفتهم المفضلة في إفساد كل مناخ للسلام إذ عمدوا في هذا الظرف بالذات إلى شن حملة كراهية وتحريض وإساءة وكذب ضد السعودية وقادتها (يلحظ أن التوقيت مقصود فهم شنوا هذه الحملة بين يدي مؤتمر (الوهم الكبير) في انابولس، وفي مناخ بدء انعقاد قمة (أوبك): اليوم، في الرياض). لقد تفوه رئيس دولة إسرائيل شمعون بيريز بالتصريحات التالية التي فجرها في مؤتمر (اقتصاد أخضر) في القدسالمحتلة في 6/11/2007 والتي نشرتها صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية فقد قال بيريز: «ليس لدى العالم عدو أكبر من النفط!!. فأولا هو يلوث الأرض بالفعل. والأمر الآخر أن نفط السعودية يموّل الإرهاب العالمي، والملك السعودي عبد الله يحارب الارهاب ولكنه يموله ويساعده أيضا.. والأمر الثالث هو ان النفط يهدم الديمقراطية لأن من لديه نفط ليس بحاجة إلى الديمقراطية. ولذلك يجب أن يجدّ العالم في البحث عن مصدر للطاقة يكون بديلا للنفط. فأنا اعتقد اننا جميعا متفقون على أنه من الأفضل لنا أن نكون متعلقين بالشمس على أن نكون متعلقين بالسعودية، فالشمس أبدية وديمقراطية وودية أكثر.. ثم انظروا إلى مستقبل السعودية عندما تنخفض أسعار النفط من 93 دولارا إلى 40 دولارا، عندئذ ستكون سعودية أخرى»!!. إن هذا تطاول صهيوني فج وسفيه على بلدنا وملكنا.. بلدنا الذي جند نفسه على كل مستوى لردع الإرهاب.. وملكنا الذي يتقدم جبهة النضال الشريف والصريح والجاد والعملي ضد الإرهاب على المستويات: الوطنية والاقليمية والعالمية، والذي لا نحسب أن في أجندته بندا، يتقدم بند مواجهة الإرهاب وردعه واجتثاثه. ومَن هذا الذي يزايد على السعودية وملكها في قضية مكافحة الإرهاب؟.. انه شمعون بيريز نفسه لا غيره الذي تلذذ على مدى أكثر من 70 عاما هي معظم عمره برؤية الدم الفلسطيني والعربي يُسفك على يد (الإرهاب الصهيوني).. وملفهم في هذا الإرهاب أسود وطويل، نذكر منه وقائع فحسب: الواقعة التي سجلتها (منظمة انقذوا الأطفال السويدية). ففي تقرير لها عن أوضاع الأطفال الفلسطينيين تقول هذه المنظمة: «ان ما بين 23600 29900 طفل فلسطيني تعرضوا للتعذيب في السنتين الأوليين للانتفاضة، مع بقاء ثلث هذا العدد يعاني من كسور عظمية دائمة، وأن ثلث ضحايا التعذيب من الأطفال كانوا في العاشرة أو دونها»!!.. الواقعة الثانية هي (الإرهاب النووي الصهيوني) المصوّب على عواصم المنطقة ومدنها، وهو ارهاب بذر بذرته الأولى شمعون بيريز نفسه عام 1956 عندما كان مديرا لوزارة الخارجية الاسرائيلية.. والواقعة الثالثة هي (المجزرة الإرهابية الوحشية في قانا اللبنانية) وهي مجزرة كان شمعون بيريز نفسه بلحمه وشحمه هو مهندسها وبطلها حين كان رئيساً للوزراء يومئذ. هذا الارهابي العريق جدا في الارهاب ايدلوجية وتنظيرا وممارسة هو نفسه الذي اجترأ بلا حياء على المزايدة على السعودية وملكها في قضية مكافحة الارهاب.. ولا عجب فمن شأن غلاتهم دوما في كل عصر وبيئة : انهم يأمرون غيرهم بالبر وينسون أنفسهم: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون».. فهذه الآية نزلت في غلاتهم وحمقاهم الذين لا يعقلون.. ويتعين ها هنا : ضبط الكلمات والمفاهيم لئلا يتأولها غلاتهم وغلاتنا على غير حقيقتها ومقصودها.. فنحن لا نعمم الحكم على اليهود كافة.. فالتعميم ينطوي دوما على ظلم الأبرياء.. والواقع الموضوعي يقول: إن اليهود (ليسوا سواء). فمنهم الغلاة الظلمة الحمقى أمثال شمعون بيريز.. ومنهم المعتدلون العدول العقلاء الذين ما برحوا ينتقدون غلاة الصهيونية بحسبانهم خطرا حقيقيا على وجود اليهود ومستقبلهم: في الحاضر والمستقبل.. لقد علّمنا منهج القرآن: دقة التفرقة والتمييز بين هؤلاء وهؤلاء.. يقول القرآن في عدولهم وأمنائهم: «ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك».. فهذه الآية نزلت في أمناء يهود وأخلاقييهم.. ويقول القرآن عن فريق آخر من اليهود: أدمن الخيانة ونقض العهود: «أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم»؟.. والواقع الموضوعي يصدق القرآن في هذه الدقة العدلية التمييزية.. فمن اليهود: أمناء عقلاء صادقون.. ومنهم خونة وحمقى وكذابون: يزعمون مثلا : أن ملك السعودية يمول الإرهاب ويساعده!!. لنستدر لنطرق الموضوع من (الزاوية النفطية). ثمة ظاهرة ثابتة في التفكير الصهيوني: الاستراتيجي والسياسي.. هذه الظاهرة هي (عداوتهم الثابتة والمتزايدة للنفط العربي بوجه عام، وللنفط السعودي بوجه خاص).. ففي كلمات بيريز السابقة: تبدى حقد دفين غليظ ملتهب على النفط السعودي.. إذ قال: «ليس لدى العالم عدو أكبر من النفط.. ان نفط السعودية يموّل الارهاب العالمي.. اننا جميعا متفقون «!!!» على انه من الأفضل لنا ان نكون متعلقين بطاقة الشمس على أن نكون متعلقين بنفط السعودية. فالشمس أبدية وديمقراطية وودية أكثر.. وانتبهوا الى مستقبل السعودية بعد انخفاض اسعار النفط». إن شمعون بيريز (يتلمظ) كغيره من عتاة الصهيونية على نفط المنطقة وعائداته، وفي طليعته النفط السعودي من حيث انه الأكبر والأطول عمرا. ففي كتابه (الشرق الأوسط الجديد) الصادر عام 1994 يقول شمعون بيريز: «يجب ان ننظر الى الشرق الأوسط كنظام اقتصادي، ولاقامة هذا المشروع نحتاج الى استثمارات مكثفة.. وقد حان الوقت للدول المنتجة للنفط في المنطقة كي تسهم بنسبة مئوية ثابتة من دخلها في التمويل الاقليمي: إذ يوجد في المنطقة 60% من المصادر النفطية العالمية».. والمقصود من طرحه هذا: تمويل عربي أو سعودي للمشروعات الصهيونية في المنطقة، والا فإنه هو وجماعته لا يريدون خيرا للمنطقة (غير المتصهينة) بدليل: ان السعودية عندما تقوم بواجبها تجاه الشعب الفلسطيني فتقدم له الدعم الاقتصادي والمالي: يهيج الصهاينة ويسارعون الى اتهام السعودية بدعم الارهاب!!. ونحسب انه من المهم: أن نكثف الضوء في ما تبقى من سطور: على محورين، في اطار ظاهرة (الوجع الصهيوني من نفط المنطقة وعائداته، ولاسيما النفط السعودي): 1 المحور الأول هو (اقحام النفط في اتفاق أوسلو)!!.. فتحت بند (برنامج التنمية الاقتصادي الاقليمي): نصت الفقرة (5) من البرنامج على: «التعاون من أجل نقل وتوزيع الغاز والنفط»!!. 2 المحور الثاني: ان العداوة الصهيونية لنفطنا (والتي جهر بها شمعون بيريز بقوله: ليس للعالم عدو أخطر من النفط).. هذه العداوة متأصلة في الفكر الاستراتيجي الصهيوني.. مثلا: في عام 1975، عقدت ندوة صهيونية اشترك فيها خبراء عسكريون وسياسيون واقتصاديون ناقشوا فيها مستقبل اسرائيل في ظل تنامي قوة النفط العربي (والسعودي بالذات).. وفي هذه الندوة قال البروفسور جيوفري كيمب: «هناك مخاطر السيطرة العربية على دول العالم الصناعية وغير الصناعية.. وما لم تتضاءل القدرة الاقتصادية لأوبك، فإن المخاطر علينا ستتضاعف.. وستبقى حقيقة أن أهمية النفط السعودي ستزداد خلال السنوات المقبلة. ونحن نعلم مدى قوة الشعور السعودي تجاه الاحتلال الاسرائيلي للمناطق العربية». ويجيء رئيس دولة اسرائيل شمعون بيريز بعد أكثر من 30 سنة ليجهر بهذه العداوة لنفطنا، وبطريقة رسمية!.. فأي سلام يتوقع مع عقليات ظلوم ومتحجرة كهذه؟ أي سلام يمكن أن ينشأ ويستقر ويدوم في ظل عقليات ونفسيات ترى في خير السعودية وتقدمها مثلا خطرا عليها؟!.. أي دولة يمكن أن توصف بأنها (دولة سلام) إذا لم تكن هذه الدولة هي السعودية: في عالمنا المتوحش هذا؟ يا غلاة اليهود: اعقلوا وتمتعوا بشيء من بعد النظر. فعلى المدى الطويل لن تنجيكم علاقتكم بأمريكا وأوربا والعالم كله. فالظروف والعلائق تتبدل. وإنما ينجيكم: علاقة سوية عاقلة عادلة مع أهل المنطقة: علاقة تضمن لكم حياة سلام واستقرار طويلة الأمد.. ولكن يبدو انكم لم تستفيدوا من تجاربكم التاريخية المريرة التي أدت الى (كراهية) الأمم لكم بسبب غروركم وطمعكم وسوء حساباتكم. ثم نصيحة نهديها لنخب سياسية عربية واهمة، ولشرائح اعلامية عربية مضللة: ان احترموا أنفسكم وأمتكم: بفطم أنفسكم عن الاسترسال مع الوهم، وبالكف عن التدليس والتضليل. فإن الرائد الأمين لا يكذب أهله. وان لم تفعلوا فإنكم تتعاونون مع شمعون بيريز وأمثاله في تعبئة المنطقة عبر هذه الأوهام والأضاليل بمزيد الاحباط: المفرّخ لمزيد من الإرهاب. عن صحيفة الشرق الاوسط 17/11/2007