لقاء الخريف: حقيقة الأهداف الأميركية الإسرائيلية ماهر الطاهر في ظل وضع صعب ومعقد للغاية تعيشه القضية الفلسطينية وحالة انقسام عميق في الوضع الداخلي الفلسطيني، وحالة تشرذم وانقسام وتجاذبات في الواقع العربي، وفي ظل احتلال العراق ومحاولات تقسيمه وتجزئته إلى دويلات وطوائف، دعا الرئيس الاميركي جورج بوش إلى عقد لقاء دولي في الخريف لبحث تحريك ما يسمى ب «عملية السلام» على المسار الفلسطيني، ولم يتضح إلى الآن جدول أعمال وبرنامج الاجتماع والأطراف المدعوة له. إن حصيلة خمسة عشر عاماً من المفاوضات مع إسرائيل بعد توقيع اتفاقات أوسلو كانت المزيد من الاستيطان وفرض الحصار والعزل والتجويع وارتكاب جرائم الحرب والتدمير والاغتيال والاعتقال وتشييد جدار الفصل والتوسع لنهب ومصادرة الأرض وتمزيقها وتهويد القدس ومحاولة فصل القضية الفلسطينية عن بعدها العربي، ما أوصل رهان أوسلو إلى فشله المحتوم في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 لتشتعل انتفاضة الأقصى التي خذلها النظام الرسمي العربي في غالبيته، وتجاهل فريق أوسلو مغزاها السياسي عبر القبول بخارطة الطريق كخطة اميركية لتصفية الانتفاضة والمقاومة وتعميق الارتهان للإرادة الاميركية، كانت تلك حصيلة الرهان على مفاوضات عبثية وفق المرجعية الاميركية،. واليوم بعد أن وصلت الرهانات الخاسرة إلى طريق مسدود وبعد أن أعلن السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية قبل بضعة شهور أن الولاياتالمتحدة الاميركية تضحك على العرب وسلمت ما يسمى ب«العملية السلمية» بالكامل إلى «إسرائيل»، اليوم تتجدد الرهانات الخاسرة مرة أخرى، وتواجه الحقوق والمصالح الفلسطينية والعربية وتطلعاتها مخاطر الاجتماع الدولي الذي دعا له الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش والذي سترأسه وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس التي كانت قد بشرت العرب أثناء العدوان الصهيوني على لبنان في تموز العام الماضي بأن المنطقة تشهد مخاضا لميلاد شرق أوسط جديد لا مكان فيه للقومية والعروبة وثقافة المقاومة والتمسك بالحقوق والأوطان ومصالح الشعوب. إن السؤال الأساسي المطروح بصدد الدعوة للاجتماع الدولي يتعلق بتوقيت هذه الدعوة وحقيقة أهدافها ودوافعها، خاصة مع اقتراب موعد انتهاء ولاية بوش الثانية التي لم يبق لها سوى عام ونيف وبدء الإعداد للانتخابات الاميركية القادمة. هل حقاً يسعى الرئيس الاميركي لتحقيق إنجاز واختراق تاريخي في إيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية وللصراع العربي الإسرائيلي قبل إنهاء ولايته؟ هل يسعى الرئيس الاميركي حقاً لممارسة ضغوط جادة وفاعلة على إسرائيل كي تلتزم بتطبيق قرارات الأممالمتحدة والشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة؟ الجواب، واضح كل الوضوح. فقد أهملت الإدارة الاميركية خلال السنوات السبع الماضية الملف الفلسطيني وقامت باقتراف جريمة احتلال العراق وقتل مئات الألوف من سكانه وتشريدهم تمهيداً لتقسيمه وتجزئته كمقدمة لمحاولة تفتيت وتجزئة المنطقة بأسرها، لتكون إسرائيل القوة الكبرى المسيطرة اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً. إن من يريد إيجاد حل شامل وحقيقي لقضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي لا يقدم كتاب ضمانات خطية يؤكد فيه صاحب الدعوة لمؤتمر الخريف أن الولاياتالمتحدة تتعهد لإسرائيل بأن أي حل سياسي على المسار الفلسطيني لن يقوم على قاعدة الانسحاب من كامل الأراضي المحتلة عام 1967 ولن يتضمن الإقرار بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، ولن يتضمن الانسحاب الكامل من القدس، ولن يؤدي إلى إزالة الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الفلسطينية، ولذلك فقد أعلنت إسرائيل أن أي حل سيكون مستندا لكتاب الضمانات الذي قدمه الرئيس الاميركي. إذا كانت الولاياتالمتحدة الاميركية هي المرجعية الوحيدة لما يسمى بعملية السلام وليس قرارات الأممالمتحدة والشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي، وإذا كانت هذه المرجعية قد أعطت كتاب الضمانات لمن يحتل الأرض الفلسطينية، يصبح السؤال المركزي هو: هل نحن أمام عملية تسوية للقضية الفلسطينية أم عملية تصفية؟ إذا كان الحل المطروح يستهدف تبديد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وممتلكاتهم التي هجروا منها قسراً عام 1948 وهو الحق الذي صانته قرارات الأممالمتحدة وخاصة القرار ,194 وإذا كان الحل يستهدف إبقاء الكتل الاستيطانية الكبرى والسيطرة على القسم الأكبر من أراضي الضفة الفلسطينية وطرح فكرة تبادلية الأراضي، وإذا كان هذا الحل يستهدف استمرار السيطرة والاستيلاء على مدينة القدس والانسحاب من بعض الأحياء فقط وإبقاءها عاصمة أبدية ل«إسرائيل»، فإن هذا يعني ضرب ونسف وعرقلة قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة حقيقية وإيجاد كيان فلسطيني يتشكل من معازل وكانتونات مسيطر عليه إسرائيلياً بشكل كامل سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً يحل مشاكل الاحتلال الإسرائيلي وليس معاناة الشعب الفلسطيني المتواصلة على مدى عقود طويلة. إن الهدف الحقيقي لاجتماع الخريف ليس إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية، بل محاولة جديدة لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية وتحقيق أغراض ومصالح اميركية وإسرائيلية أبرزها ما يلي: أولاً: إن توقيت انعقاد المؤتمر يرتبط بسعي الرئيس الاميركي للتغطية على المشاكل الكبرى والأزمة الشديدة التعقيد التي تعيشها الإدارة الاميركية في العراق، والتي انتقلت إلى الداخل الاميركي وباتت أحد العناوين الرئيسية للانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة. لا شك في أن صورة الإدارة الاميركية والرئيس بوش من العالم أجمع أصبحت تعني الحرب والقتل والدمار والكذب والخداع ونشر الفوضى والفشل، الأمر الذي أدى إلى انخفاض شعبية الرئيس الاميركي إلى أدنى مستوى حيث لم تتجاوز نسبة التأييد له ال31 وهذا سيؤثر بكل تأكيد على الحزب الجمهوري في الانتخابات الاميركية القادمة، ولذلك تسعى الإدارة على ضوء الفشل الذريع لسياستها في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين وعموم المنطقة إلى محاولة تحسين صورتها داخلياً وخارجياً في حملة علاقات عامة وعقد اجتماع تحضره (34) دولة كي تصور إدارة بوش للعالم وبصورة مخادعة أنها ليست إدارة تشعل الحروب والأزمات فقط، بل هي تسعى لحل القضية الفلسطينية وتعمل لإيجاد «سلام» في المنطقة. ثانياً: إن إدارة بوش وبعد فشل العدوان الإسرائيلي المدعوم اميركياً على لبنان في 12 تموز الماضي والذي كان يستهدف تدمير البنية التحتية لحزب الله ونزع سلاحه والقضاء على المقاومة اللبنانية تمهيداً لتحويل لبنان إلى مرتكز للضغط على سوريا ومحاصرتها لخلق ما يسمى ب«الشرق الأوسط الجديد» الذي تهيمن فيه الولايات لمتحدة وإسرائيل على عموم المنطقة... بعد الفشل الذريع لهذا العدوان والصدمة التي أصيبت بها إسرائيل والإدارة الاميركية نتيجة الانتصار التاريخي للمقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله والهزيمة التي فاجأت الجيش الإسرائيلي وما ولده كل ذلك من تفاعلات ومعاني استراتيجية حول انتصار مفهوم المقاومة وهزيمة منطق الاستسلام والخضوع، وأن هزيمة إسرائيل وجيشها المدجج بالسلاح إمكانية واقعية وليست أضغاث أحلام كما حاول البعض أن يروج ولا يزال إذا توفرت الإرادة السياسية وإرادة الصمود والمواجهة. هذا الانتصار أقلق دوائر صنع القرار في واشنطن خاصة بعد أن وصلت المفاوضات حول ما يسمى بعملية السلام إلى طريق مسدود، وأصبح واضحاً للعيان أن ما يجري ليس عملية سلام، بل توسيع للاستيطان وخلق حقائق جغرافية وديموغرافية على الأرض الفلسطينيةالمحتلة. ولذلك فإن الإدارة الاميركية تحاول مرة أخرى تجديد الأوهام عند المراهنين على حل سياسي وفق المرجعية الاميركية لمواصلة سياسة كسب الوقت والخداع والتضليل ومحاولة تطويق النتائج الاستراتيجية للانتصار الذي تحقق في لبنان وانعكاساته في عموم المنطقة، بل أكثر من ذلك تسعى الإدارة الاميركية لمحاولة خلق تناقضات واصطفافات في الواقع العربي الرسمي لتمرير مخططات عدوانية تستهدف سوريا وإيران ومحاصرة وضرب المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين. ثالثاً: إن أحد أهم أهداف مؤتمر بوش محاولة توسيع رقعة التطبيع الرسمي العربي مع إسرائيل بغرض تهميش القضية الفلسطينية وسلخها عن بعدها القومي، حيث يدور الحديث عن توجيه دعوة ل(12) دولة عربية لحضور الاجتماع الدولي منها عدد من دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية بما تمثله من ثقل على الصعيد العربي. إن الولاياتالمتحدة الاميركية تسعى لفرض التطبيع مع الدول العربية من دون أن تقدم إسرائيل أيا من استحقاقات السلام والانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة. لذلك مطلوب من الدول العربية أن ترفض هذه الدعوة وتوجه رسالة واضحة للإدارة الاميركية وإسرائيل بأن العرب لا يمكن أن يقدموا هدايا وتنازلات مجانية لكيان يرفض السلام ويتنكر لكل قرارات الأممالمتحدة ويتصرف كدولة فوق القانون الدولي ومبادئ الشرعية الدولية. رابعاً: إن الدعوة لاجتماع الخريف تأتي في ظل لحظة ضعف وانقسام داخلي فلسطيني عميق خاصة بعد الاقتتال الداخلي في قطاع غزة بين حركتي فتح وحماس وما ترتب عنه من تداعيات خطيرة ووجود حكومتين في ظل الاحتلال. إن هذا الانقسام الداخلي ترك آثار ضارة جداً على الوضع الفلسطيني، تسعى الإدارة الاميركية إلى تعميقه وتوسيعه لأنها تدرك أن العديد من الفصائل والقوى والفاعليات الفلسطينية سترفض استهدافات هذا اللقاء المسموم، كما تسعى الإدارة الاميركية إلى وضع العراقيل أمام الحوار الوطني الفلسطيني الفلسطيني لبناء وحدة وطنية فلسطينية حقيقية وشاملة تقوم على أساس التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية ورفض المساومة على هذه الثوابت. خامساً: يستهدف مؤتمر بوش قطع الطريق على الدعوات الرافضة لبقاء إسرائيل فوق القانون الدولي عبر إدامة التفرد الاميركي بملف الصراع العربي الصهيوني وجوهره القضية الفلسطينية ومواصلة تغييب دور الأممالمتحدة وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، واستمرار التفاوض عليها بدلا من تطبيقها، وبما يلبي غرض استعادة الحقوق الفلسطينية والعربية المغتصبة والذي يأتي لقاء الخريف لتجديد الالتفاف عليها وإعادة رهنها لعبثية التفاوض المباشر والتفرد فيما لم تجلب مسيرة أوسلو وقبلها مدريد غير الكوارث على قضيتنا الوطنية. سادساً: يستهدف مؤتمر بوش من جديد محاولة الحصول على تنازلات فلسطينية جديدة وخاصة قضية اللاجئين الفلسطينيين التي تشكل جوهر وأساس قضية فلسطين لأن الرواية الفلسطينية لم تبدأ عام ,1967 بل قبل ذلك بكثير عندما تم طرد الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره عام 1948 من خلال اقتراف جريمة من أكبر جرائم العصر الحديث، جريمة اقتلاع شعب فلسطين من وطنه وتشريده في كل أصقاع الأرض. لقد أعلنت وزيرة الخارجية الاميركية رايس أن القيادة الفلسطينية لن تستطيع تقديم تنازلات جوهرية ما لم يتم إسنادها من الجانب العربي، وهذه دعوة واضحة للأنظمة العربية كي تمارس ضغوطا على الفلسطينيين لتقديم تنازلات جديدة. وكذلك أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أنه على العرب أن لا يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وعليهم أن يفسحوا لهم المجال لتقديم تنازلات جوهرية لإسرائيل وخاصة بالنسبة لموضوع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. إن الإدارة الاميركية وإسرائيل سوف تسعيان للحصول على تنازلات فلسطينية جديدة، وإذا لم يتمكنا من ذلك فلن يصدر عن الاجتماع الدولي سوى موقف عام يقول بأن المفاوضات ستستمر وسيواصل الجانبان محاولات التوصل إلى سلام لأن إسرائيل ترفض تحديد جداول زمنية للمفاوضات، وترفض بحث القضايا الجوهرية. لا شك في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت تم تهديده من قبل أطراف في الائتلاف الحكومي بأنها ستنسحب من الحكومة إذا تم مجرد طرح القضايا الجوهرية المتعلقة باللاجئين والقدس، لذلك نراه يقول إن على الفلسطينيين خفض سقف التوقعات. وإذا ما أضفنا لذلك أن شعبيته لا تتجاوز نسبة ال10 نستطيع أن نتصور ماذا يمكن لإسرائيل أن تقدم في هذا الملتقى. ومن هنا، فإن الضغوط الاميركية وغيرها سوف تتركز على الجانب الرسمي الفلسطيني الذي يعرف جيداً أن شعب فلسطين وقواه الوطنية وفاعلياته الاجتماعية لن تقبل بتقديم المزيد من التنازلات. عن صحيفة السفير اللبنانية 3/11/2007