الحياة 23/10/2007 عادت رايس من جولتها الأخيرة بخفي حنين. والسبب وراء فشلها انها لم تستخدم ثقل الولاياتالمتحدة على اسرائيل وانما كانت مجرد مراسل مهمته نقل الموقف الاسرائيلي للفلسطينيين ومحاولة اقناعهم به. رايس تبنت الموقف الاسرائيلي وراحت تسوق للرئيس أبو مازن مسألة الموافقة على وثيقة مشتركة غامضة مختصرة، تسقط قضية اللاجئين وتشير للقضايا الاساسية الاخرى، بطريقة تقترب ولا تقترب منها، ما يذكرنا بأغنية فيروز الشهيرة «تعا ولا تجي»، وتترافق مع سقف زمني يشبه الجدول الزمني من دون ان يكون كذلك! الحجة الاميركية لتبرير هذا الموقف المنحاز كليا لاسرائيل بسيطة وهي ان حكومة اولمرت ستسقط اذا ابدت مرونة في القضايا الاساسية وإذا وافقت على الجدول الزمني. واذا ذهبت الحكومة الاسرائيلية الحالية، فالبديل عنها اسوأ بكثير. حكومة برئاسة باراك، او على الارجح، نتنياهو. مرة اخرى يوضع مصير الفلسطينيين والمنطقة برمتها رهينة للأوضاع الداخلية الاسرائيلية. فما دامت اسرائيل غير جاهزة، فعلى الفلسطينيين والعالم كله ان ينتظر. بعد هذه الحصيلة المخيبة للآمال بات الفلسطينيون يستعدون للأسوأ، وأطلق ابو مازن صرخة احتجاجية يمكن ان تتحول الى تهديد اذا لم يحصل على اي شيء من المؤتمر القادم. فهو قال انه لن يذهب الى انابوليس بأي ثمن، وإنه يصر على ضرورة الاتفاق على الجدول الزمني. اما مسألة التنازل عن قضية اللاجئين كلياً، فهي غير واردة لا الآن ولا في المستقبل. رغم ذلك كله، أعرب الرئيس بوش عن تفاؤله بفرص انعقاد ونجاح اجتماع انابوليس، واعتبرت رايس ان زيارتها مشجعة، رغم ما رافقها من توتر طبيعي وخلافات في الرأي، فبوش ورايس لا يلتفتان لصرخة الاحتجاج التي أطلقها ابو مازن. فالمهم إرضاء اسرائيل. ولا يوجد ما يمكن الخوف منه من جانب الفلسطينيين. ليس مستغرباً ما انتهت اليه جولة رايس، ولا الانحياز الاميركي الدائم للموقف الاسرائيلي، كما ليس مستغرباً ان تتجه الأمور نحو الأسوأ، بحيث تزداد الضغوط الاميركية على الفلسطينيين مباشرة او عبر توسيط أطراف عربية وغير عربية لاقناعهم بتليين موقفهم حتى لا يفشل المؤتمر او لا يعقد ابدا، وتحميلهم المسؤولية عما سيحدث. السؤال هو: لماذا ستقوم الادارة الاميركية التي يترأسها شخص مثل بوش الابن المعروف بأيديولوجيته الاصولية وسياسته الحمقاء المتطرفة بالضغط على اسرائيل ما دام أن الفلسطينيين تخلوا عن كل اوراق القوة والضغط التي كانوا يملكونها وساروا وراء الرهان على المفاوضات وعملية السلام. وما دام العرب تركوا الفلسطينيين لمواجهة مصيرهم بمفردهم؟ فإذا لم تشعر الولاياتالمتحدة الاميركية واسرائيل انهما ستخسران من استمرار الاحتلال والعدوان والاستيطان والجدار وتقطيع الاوصال واستمرار جمود عملية السلام او العودة لدوامة المفاوضات العبثية التي تدور حول نفسها بمن دون نهاية، اكثر مما تربحان، فانهما ستواصلان اللعبة القديمة نفسها. وعلى أهمية الوثيقة الواضحة والجدول الزمني الا ان الاهم بكثير ان يسعى الفلسطينيون والعرب لامتلاك اوراق القوة والضغط حتى تأخذهم إدارة بوش وحكومة اولمرت على محمل الجد وتحسبان لهم الف حساب. وإذا لم يترافق ما يتم الاتفاق عليه مع آلية تطبيق ملزمة وضمانات دولية مع دور دولي فاعل مقرر فلا معنى لكل ما يجري. أما إذا استمرت سياسة الاستجداء والاسترضاء والقبول بالفتات، فنحن نسير من سيئ الى أسوأ حتى لو سلمنا جدلاً ان اسرائيل تنازلت ووافقت على جدول زمني. فالجداول الزمنية على أهميتها يتم تجاوزها اذا لم تكن النيات حسنة، واذا لم تكن موازين القوى وحساب الربح والخسائر يفرضان تطبيقها. فاتفاق اوسلو تضمن جدولاً زمنياً كان يقضي بالاتفاق على قضايا الوضع النهائي في العام 1999. كما كان يتضمن أن تنسحب القوات الاسرائيلية في المرحلة الانتقالية من 90 في المئة من الاراضي المحتلة قبل الشروع في مفاوضات الوضع النهائي. ورؤية الرئيس بوش كانت تقضي بإقامة دولة فلسطينية عام 2005. وخريطة الطريق تضمنت جدولاً زمنياً ولم يلتفت أحد لها ولا لجدولها الزمني، لأن شارون قرر أن يفرض على الجميع اللعب في ملعبه، ملعب الخطوات الاحادية الجانب، والتي تمحورت في عهده على فك الارتباط عن قطاع غزة. إذا اراد الفلسطينيون وثيقة واضحة وجدولاً زمنياً قصيراً، عليهم ان يضعوا استراتيجية فلسطينية جديدة، تركز على الوحدة الفلسطينية أولاً وعلى الصمود وتعزيز مقومات الوجود البشري العربي الفلسطيني على أرض فلسطين ثانياً، وعلى المقاومة المثمرة القادرة على تحقيق الاهداف الوطنية ثالثاً، وعلى استعادة البعد العربي والتحرري والانساني للقضية الفلسطينية رابعاً، وعلى التمسك بالاساس القانوني والسياسي المتمثل بالحقوق التاريخية والطبيعية للشعب الفلسطيني، وبالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية كمرجعية وحيدة للمفاوضات خامساً. طريق المفاوضات وحدها، والمزيد من المفاوضات، تمت تجربته وفشل. وإذا لم تترافق المقاومة الشعبية مع المفاوضات سنبقى ندور في حلقة مفرغة، ونذهب من مؤتمر الى آخر، ونتعلق ونجري وراء المبادرات، وتبقى الارض تضيع، والقضية تتدهور، والانسان الفلسطيني يدفع الثمن الغالي من دون أن يحقق شيئاً، فهل نأخذ الدروس والعبر ونتعظ مما جرى قبل فوات الأوان، وقبل تضييع المزيد من الوقت بالجري وراء السراب؟ المزيد من اقلام و آراء