لإسرائيل إذ تعيد اكتشاف مبادرة السلام العربية؟! عريب الرنتاوي استيقظت الطبقة السياسية الإسرائيلية فجأة على "صوت المبادرة العربية للسلام" ، إيهود باراك يتحدث عن سلام إقليمي يقوم على بنية تحتية اقتصادية ، ويرى أن الوقت قاد حان (لاحظوا متى حان الوقت) لرد إسرائيلي على مبادرة السلام العربية... شمعون بيريز يذهب في الاتجاه ذاته ، ويرسم كعادته للسلام أبعادا رومانسية تذكرنا "بشرقه الأوسط الجديد"... فيما تسيبي ليفني تعيد تقويم السياسة الخارجية لتخلص إلى ضرورة التوصل إلى "معاهدة عدم اعتداء" مع لبنان ، تعيد له شمال قرية الغجر ومزارع شبعا وبعض النقاط الحدودية ، مقابل خطوات بين الحكومتين والجيشين. مطلقو هذه المبادرات يحرصون على تقديمها كما لو كانت كشفا جديدا ، لكأنهم يسمعون بمبادرة السلام العربية لأول مرة ، وهم يسترجعون الأكاذيب ذاتها حول "الخطر المشترك" الذي يحشر إسرائيل في خانة واحدة مع ما يسمى "معسكر الاعتدال العربي" أو ما تبقى منه ، في مواجهة إيران (النووية) وحزب الله وحركة حماس ، لكأن هؤلاء القادة لم يلحظوا أن مياها كثيرة قد جرت في أنهار المنطقة ، وأن حراكا بين المحاور والمعسكرات جعل التفاوض ما بين سوريا وإسرائيل ممكنا والتهدئة بين غزة وتل أبيب مستمرة و"جس النبض الأمريكي" مع حماس متاحا عبر رسائل رايس التي ينقلها الوسيط القطري ، فضلا بالطبع عن توجهات دولية انفتاحية على سوريا وإيران واتفاق الدوحة وحوارات القاهرة الفلسطينية. أنهم يريدون أن يبيعونا ذات البضاعة مرتين ، فقد أمضينا عامين أو ثلاثة أعوام ونحن "نلوك" حكاية "الخطر المشترك" و"التهديد الإيراني" و"إرهاب حزب الله وحماس ، لقد بددنا وقتا طويلا ونحن نقرأ تحليلات عن "المصالح المشتركة" في مواجهة "التهديدات المشتركة" تلقينا ركاما من الوعود بأن إسرائيل ستجنح للسلام لكي يجنح المعتدلون العرب للمصالحة معها ويتفرغون لمقارعة إيران وحلفائها ، فماذا كانت النتيجة؟. النتيجة أن "الاعتدال العربي" الذي خسر الجولة تلو الأخرى ، يراد له اليوم أن يتحمل أوزار العدوانية الإسرائيلية المنفلتة من عقالها ، وأن يدفع ثمن الفشل الأمريكي في أكثر من ساحة وعلى غير صعيد ، وأن يترك وحده في مواجهة الدور المتزايد لما يسمى "معسكر المقاومة والممانعة" أو "محور الشر" ، وأن يشتري البضاعة المسمومة ذاتها مرتين ، فهل سيلدغ المعتدلون العرب من الجحر الواحد مرتين أو بالأحرى مرات عدة؟. لسنا نستبق ردات الفعل العربية على "حراك المبادرات النشط" في إسرائيل ، ولا نريد أن نبدو متشائمين وندّابين أكثر من اللازم ، لكننا ومن موقع الإدراك لبؤس وعقم الخيارات الأخرى ، نرى أن طريق "الاعتدال العربي" ذي اتجاه واحد ، وأن بعض المعتدلين العرب سيشترون البضاعة ذاتها وإن بعد تردد ، وسنبدأ بعيد تشكيل حكومة ليفني وتشكيل الإدارة الأمريكيةالجديدة ، بالسماع لذات "المعزوفات المملة" هذه تروج للسلام ، وأخرى تضخم الخطر النووي الإيراني ، ، وثالثة تشدد على مزايا الاعتدال والوسطية والواقعية ، لتكون النتيجة ، أن السلام يستحق فرصة أخرى ، وأن البديل عن المفاوضات المتعثرة هو المزيد منها ، إلى غير ما هنالك من أطروحات تراجعت في التداول مؤخرا تحت ضغط الفشل لكنها لم تسحب نهائيا ، ولم يحل محل "خطاب الفشل" خطاب بديل وخيارات مغايرة. عن صحيفة الدستور الاردنية 21/10/2008