في مداخلتها الاخيرة امام "منتدى الدوحة" اعادت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني اطلاق نسخة جديدة من نظرية ان اسرائيل ليست عدوا للعرب وان الخطر عليهم هو من ايران. اما لمن تتبادر الى ذهنه المشكلة مع الفلسطينيين ففي جعبة ليفني الرد المناسب ايضا، فالانسحاب من غزة ابرز دليل على ان ما تريده "حماس"،المرتبطة بايران، ليس التحرير، الذي حصل، وانما الاشتباك مع اسرائيل. وبخلاف الرئيس الاميركي جورج بوش ونائبه ديك تشيني اللذين سوّقا نظرية مماثلة في جولتين لهما في الاشهر الاخيرة، فان ليفني تبرعت باضافة جوهرية تتعلق بالعملية الديموقراطية، الحساسة بالنسبة للانظمة العربية. فهي اقترحت تبني مجموعة من المعايير التي تسمح باجراء انتخابات ديموقراطية "تحجب وصول المتطرفين الى السلطة"، اي بكلام آخر دعم الاجراءات المصرية مثلا لحل المشكلة بمنع ترشح "الاخوان المسلمين". وكل ذلك يستمد قيمته بكونه صادرا عن ديموقراطية عريقة، لطالما عيّرت جيرانها العرب بتخلفهم في هذا الميدان. دعوة ليفني هذه كانت بالطبع اطارا ملائما لمساهمتها الى جانب العرب في "منتدى الدوحة"، حيث دفعت بعلاقتها المعنوية مع بعض العرب خطوة الى الامام. لكن اللافت ان الانجازات التي حققتها ليفني عربيا كانت بالضبط مع الجهتين (قطر وعُمان) اللتين تقيمان افضل العلاقات مع ايران، لا بل تدعوان دائما الى مقاربة عربية سلسة ايا تكن ظروف التوتر العربية – الايرانية. وخارج هذا الاطار لم تؤدِّ دعوة وزيرة الخارجية الاسرائيلية الى اي استجابة عربية بمعنى الموافقة على اعادة تصنيف العدو والصديق، كما انها لن تؤدي في المقابل الى اي مفعول عكسي باعتبار ان ما تقوله اسرائيل مشبوه دائما في النظر العربي. قبل كلام ليفني وبعده، هناك فصل اقامه العرب المعتدلون، الذين توجهت اليهم ليفني، بين ملف علاقتهم باسرائيل، والملف الآخر لعلاقتهم بايران. ومن الطريف هنا ملاحظة ان ايران نفسها تلجأ الى اسلوب مشابه وان "بالمقلوب" حيث الدعوة للمعتدلين العرب لاعتبار ايران الصديق واسرائيل العدو. لكن الدعوة للمعتدلين الرسميين تكون عادة مقدمة للدعوة الجماهيرية التي تضع المعتدلين في قفص الاتهام، لتقصيرهم في مواجهة اسرائيل بالمقارنة مع الانجازات الايرانية في هذا المجال. المهم، خبرة المعتدلين العرب، هي التي جعلتهم يفصلون بين الملفين: الاسرائيلي والايراني، مع عدم الاستجابة للنداءات "العاطفية" التي تستند الى البديهيات. فهؤلاء ما زالوا يعتبرون ان مقياس القرب والبعد عن اسرائيل هو مسلكها تجاه القضية الفلسطينية. وحتى الذين يبادرون الى اتخاذ خطوات ملموسة اقرب الى التطبيع مع اسرائيل فانهم ينطلقون من اعتبار ان مثل هذه الخطوات تشجع اسرائيل على خطوات مقابلة تجاه الفلسطينيين. لقد تخلى عرب الاعتدال منذ وقت طويل عن الخيارات "النضالية" في وجه اسرائيل، لكنهم لم يتخلوا، عن ان انهاء المشكلة مع اسرائيل يمر بقبول الفلسطينيين، او على الاقل فئات واسعة منهم، بحل ما لقضيتهم الاصلية. وعلى هذا الصعيد ليس هناك خطة اصلية تآمرية، لا يظهر منها الا القليل، في انتظار ظروف ملائمة تساعدها على ان تتكشف، فمصلحة الاعتدال العربي، لا تقل عن مصلحة، "التطرف" العربي وغير العربي، في ابقاء الموقف من القضية الفلسطينية مكوّنا اساسيا من مكونات شرعيتها. ومن غير المفهوم لماذا تبادر الى التسليم من دون مقابل. الا اذا ادخلنا في الاعتبار، كما يشاء اصحاب المزاج التآمري العلاقة العربية – الاميركية، مما يدخلنا في متاهة لا تقل غموضا عن متاهة منطق العلاقات العربية – الاسرائيلية. اما موقف الاعتدال العربي من ايران فهو في الوقت الذي يضع الاعتبار الاسرائيلي في علاقاته معها خارج حساباته، يقوّم هذه العلاقات بالاستناد الى معيار قديم لا علاقة له حتى بالطابع الاسلامي لجمهورية ايران. هذا المعيار هو الوزن الاقليمي لايران ليس بمعناه الهادىء، اي بما هو معطى موضوعي. وانما بمعناه الهجومي منذ ان تولّت الولاياتالمتحدة، كما هو معروف، ازالة الحواجز من امام انطلاقته شرقا وغربا.واللافت هنا هو الحذر المتبادل الايراني – العربي، في عدم ترك الامور تفلت من ازمّتها، بما يؤذي الطرفين، ويؤدي الى ما يعاكس الاهداف، الدنيوية، الاصلية للتوتر الدوري في العلاقات العربية – الايرانية. امام تعقيدات مواقف المعتدلين العرب من ايران واسرائيل يصح ربما ان يقال لوزيرة الخارجية الاسرائيلية المتحمّسة، "على من تقرأ مزاميرك يا داود؟".