خلت قمة دمشق والتي شهدت اكبر غياب رئاسي عربي يعكس مدي الانقسام والخلافات العربية العربية من المفاجآت ذات الوزن الثقيل باستثناء خطاب الزعيم الليبي معمر القذافي الذي أغضب بعض الوفود العربية وأضحك أخري وبدت الخطب مشابهة لسابقاتها من القمم العربية بشرح القضايا العربية وأبعادها وتأثيرات التشرذم ودعوات لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة العربية. لقد عكست كلمات الوفود مدي القلق الذي يعيشه العالم العربي سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية حيث لفت الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن إلي الآثار المترتبة علي الانقلاب الذي نفذته حركة حماس في غزة وما يعيشه العراق من اقتتال داخلي وأوضاع مأساوية ومستقبل عملية السلام مع إسرائيل فقد حذر الرئيس عباس من أن الوصول إلي نهاية العام من دون تحقيق الهدف الدولي المتمثل في انجاز اتفاق سلام يعني وضع منطقة الشرق الأوسط علي فوهة حقبة جديدة من التوتر وفقدان الشعوب لثقتها بامكانيات تحقيق السلام وطالب عباس بارسال رسالة واضحة للعالم من خلال القمة تؤكد مجددا تمسك دول الجامعة العربية بخيار السلام كما عبرت عنه مبادرة السلام العربية. لقد رأي أبومازن أن صياغة موقف وفعل عربي مشترك كفيل باحداث التغيير وتعديل الموازين لحماية مستقبل الشعوب العربية ضمن رؤية تستشرف المصالح العربية العليا وتدافع عنها. غير أن النقطة المتعلقة بالانقسام الفلسطيني في كلمات رؤساء الوفود المشاركة في قمة دمشق شددت علي ضرورة التوافق ما يعني ان الغطاء العربي للمبادرة اليمنية موجود وشاركت فيه الدول الحاضرة علي أعلي مستوي. وبقدر ما كان مؤسفا ما قاله الزعيم الليبي معمر القذافي في توصيفه لشكل حركة القوي السياسية الفلسطينية عندما قال إنهما يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان بقدر ما نكأ الجرح الفلسطيني علي العلن وكشف عن عورات ينبغي معها أن يدرك الفلسطينيون ان التوافق علي استراتيجية عمل باتت قضية جوهرية ملحة تأخذ في الحسبان مصاعب التسوية ومصاعب المقاومة بحيث تتحول ردود افعال أصحاب التسوية علي غرور الاحتلال وصلفه ومجافاته للسلام إلي شيء من السياسة وخيارات الممانعة وان تستحيل مصاعب المقاومة الي شيء من السياسة التي تلقي تعاطفا وتأييدا عالميا مع المحدد من خيارات التطلع إلي تسوية عادلة. ورغم حديث أبو مازن في كلمته أمام القمة عن الوضع الداخلي الفلسطيني مؤكدا تجاوبه مع كل المبادرات الخيرة علي قاعدة القرارات التي اعتمدها مجلس الجامعة وكان آخرها مبادرة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح وموافقة منظمة التحرير الفلسطينية عليها لتنفيذ بنودها علي الفور من دون تغيير أو تعديل إلا أن ذلك مازال مثار جدل خاصة أن الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية في دمشق رفضت تبني المبادرة اليمنية ما نشب عنه مشاكل كما ان غياب الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عزز من المخاوف من عدم إعطاء غطاء عربي لإعلان صنعاء وربما تكون المبادرة اليمنية مقبولة وكان ينبغي ألا تتفاوت ردود الأفعال الفلسطينية بشأنها الأمر الذي احرج الفلسطينيين خاصة يفترض ان يكون الفلسطينيون هم الاحرص علي لم الشمل الفلسطيني. وبعد انتهاء قمة دمشق العربية العشرين نجد انها تكرر نفسها وتضيف رقما اخر لا يضيف شيئا جديدا وفي نظر الجميع تقريبا فان قمة دمشق قمة أخري تضاف الي القمم السابقة في بيانات ختامية متشابهة. لكن ربما يكون أكثر ما يميز هذه القمة عن غيرها من وجهة نظر الكثيرين مدي الانقسام الذي بدا واضحا رغم اعتبار دمشق ان المصارحة والمكاشفة كانت واضحة فيها ورغم ذلك فان قمة دمشق من وجهة نظر المراقبين هي قمة تعزيز وتأطير وترسيم الانقسام العربي بين ممانعة واعتدال وهما صفتان لا تأصيل لهما في الواقع فلا الممانعة نجحت في استعادة الأراضي المحتلة بل استمرت وتستمر في استثمار الأوضاع لصالح تحسين شروط مفاوضتها التي تجري في الخفاء مستغلة الاوضاع اللبنانية والفلسطينية والتحالف مع ايران لصالح الضغط علي إسرائيل للقبول باجراء مفاوضات علي الملف السوري الإسرائيلي كما ان الاعتدال لم يكن معتدلا بالقدر الذي يسمح لاصحابه باستئناف العملية التفاوضية أو علي الأقل القبول بالمبادرة العربية كأساس لأية مفاوضات مقبلة مع إسرائيل فالممانعة مثل الاعتدال لا طائل منهما والتخوف هنا ما بعد قمة دمشق ونشوء نمط جديد من العلاقات العربية - العربية إذ ستتحول المشاحنات الي صدامات سياسية أكثر علانية مما كان الأمر عليه وتشرذما بشكل رسمي مبرح ربما يمهد الطريق امام المعادين للقومية العربية وكالعادة فان المستفيد الأكبر هو إسرائيل!!