المهندس عبد المعطي زكي تميزت العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر – طوال التاريخ – ما عدا الثلاثين عاماً الأخيرة، بأنها علاقة متينة وقوية وسوية.
حتى وصل الأمر إلى أنه اصبح من المسلمات ترديد حقيقة أن المسيحيين في مصر، وخاصة الأرثوذكس منهم ليسوا أقلية، بل جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني المصري والعربي والإسلامي.
وكان ذلك يرجع إلى التسامح الإسلامي المعروف، وسماح الإسلام لغير المسلمين بالمشاركة في البناء الثقافي والحضاري .
- إن الإسلام حين دخل مصر حرر المسيحيين من الاضطهاد الروماني وكان لذلك أثره بالإضافة إلى عوامل أخرى في قبول المصريين مسلمين ومسيحيين للغة العربية، التي أصبحت الوعاء الثقافي للجميع ولا شك أن هذا صنع نوع من التصور والوعي والتفكير المشترك.
- أن تراث الكنيسة المصرية ومن خلال صراع طويل سقط فيه العديد من الشهداء المسيحيين ارتبط بفصل ما هو زمني عن ما هو روحي ومن ثم أصبحت الكنيسة ممثلاً للمسيحيين في الجوانب الروحية فقط. وهكذا كان من الطبيعي أن يشارك المسيحيون مثل المسلمين في العمل العام دون أى تفرقه.
ولكن الأمور تغيرت فيما بعد وخاصة منذ عام 1972، وبدأت أحداث الفتنة الطائفية تتكرر بدءاً من حادث الخانكة عام 1972، ومرورا بحادث الزاوية الحمراء 1981.
ثم أحداث قبل ذلك وبعده انتهت بحادث الإسكندرية 2006 الذي قام فيه أحد المسلمين هو محمود صلاح الدين بمهاجمة ثلاث كنائس الواحدة تلو الأخرى مما أدى إلى مصرع شخص واحد وجرح 6 آخرين.
وقد ثبت أن هذا الشخص مختل عقلياً،، وتوسطت الكنيسة ذاتها في حفظ التحقيق معه لأنه كان معروفاً في المنطقة –المتهم ينتمي إلى منطقة الحضرة بالإسكندرية – وهي نفس منطقة الكنيسة ومعروف جيداً لدى المسلمين والمسيحيين هناك، بأنه مصاب بخلل عقلي.
وهكذا فإن المسألة كان يمكن أن تمر بهدوء لولا وجود مناخ طائفي واحتقان موجود أصلاً بين الطرفين، المهم أن المسألة تطورت باتجاه التصعيد، حيث تجمع المسيحيون في تلك الكنيسة وبدأو يهتفون ضد المسلمين، وضد الحكومة المصرية.
وصدرت بيانات عن الكنيسة تزعم وجود مؤامرة لعبت الحكومة والأجهزة الأمنية دوراً فيها، وتم تلقف الحدث وتصعيده إقليمياً وعالمياً لإثبات وجود اضطهاد يمارس ضد المسيحيين المصريين.
"منذ عام 1972 وقع عدد من الحوادث الطائفية المعلنة وغير المعلنة الكبيرة والصغيرة وفي كل مرة تتم معالجة المسألة بنفس الأسلوب التصالحى الرمزى بحضور قيادات مسلمه ومسيحيه .
على طريقة دفن الرؤوس في الرمال دون البحث عن الأسباب البنيوية ومحاولة علاجها جذريا بهدوء وبطء وفى وقت كاف دون إغلاق الجراح على ما فيها من صديد.
ومع تكرار الحوادث بصفه دوريه هناك تكرار لسيناريو واحد يختلف في طبعته وفق طبيعة الحدث، فهناك سبب مفجر متصل عادة بما يعتبره أحد أطراف المواجهة(مسلمين أو مسيحيين) مساساً بدينه، ثم شائعات تكبر ككرة الثلج، وهو ما يستدعي انخراط أعداد كبيرة في العنف الذي يأخذ طابعا طائفيا.
وأخيرا عجز أجهزة الدولة عن حصار المشكلة قبل تفاقمها وتركها للأمن الذي يفتقد لحسن التقدير والتقييم ويغلب عامل المواجهة العنيفة بعد فوات الأوان .
أحداث الكشح كانت ذات طابع عائلي وثأري متصل بالتركيبة الاجتماعية لعالم الصعيد في مصر، ولكن أحداث محرم بك بمدينة الإسكندرية تعيد إلى الذاكرة أحداث الزاوية الحمراء التي عرفتها مصر منتصف العام 1981..
ذلك العام الملتهب الذي لم ينته إلا وقد تغير المشهد السياسي في البلاد كلها بإغتيال الرئيس السادات وهو يشاهد وسط جنوده العرض العسكرى السنوى بمناسبة إنتصار أكتوبر المجيد.
المسأله القبطيه
وهنا لا بد من الاعتراف بأن هناك فعلا أزمة حقيقيه بين الغالبية المسلمة والأقلية القبطية، لابد من مواجهتها عبر فتح هذا الملف بشفافية وصراحة لمعرفة حقيقة ما يعتبره الأقباط مشاكل لهم والسعي لحلها من جانب الأغلبية المسلمة داخل مصر بعيداً عن المؤتمرات التي تعقد في أوروبا وأميركا من جانب أقباط المهجر للاستقواء بهما على الداخل للحصول على الحقوق القبطية المزعومة.
المشكلة هنا هي أن الأغلبية تشعر وتدرك أن الأقلية القبطية مستندة إلى مؤسسة هي الأقوى في مصر وهي الكنيسة، مستغلة السياق الدولي للحصول على مكاسب من الدولة عبر الضغط والانتزاع، في وقت لا تمثل هذه الدولة الأغلبية فهي خصم لها أيضا.
فالأغلبية المسلمة تواجه مركبا من الضغوط من جانب نظامها السياسي ومن جانب النظام الكوني الذي يرى الإسلام عدوا ويعمل على خلق أحصنة طروادة لاختراق المجتمعات العربية وعلى رأسها مصر.
عبر ما يمكن أن نطلق عليه سياسات "إيقاظ النائمين" وإحياء وعي لدى الأقليات بأنها مضطهدة ويجب أن تثور على مجتمعاتها ولو بتمزيقها في سياق المخططات الكونية لإعادة صياغة هوية وجغرافية المنطقة، أو دعنا نقول في سياق إستراتيجية "الفوضى الخلاقة" التي تحدثت عنها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس.
ورغم الإقرار بأن مشكلة أي أقلية هي مشكلة أغلبيتها، حيث أن الأغلبية هي التي تتحمل العبء الأكبر في الانعطاف إلى أقليتها ومنحها الثقة والاطمئنان في أن ارتكانها إلى مجتمعها خير لها من الاستجابة لوسواس الخارج.
ولكنه على الجانب الآخر من النهر فإن الأقلية القبطية عليها أن لا يتسرب إليها وعي زائف تصنعه لحظة توازن كونية -هي إلى زوال حتما – فحواها أن الخارج أبقى وخير من الداخل.
ومن ثم على الأقباط أن يتحركوا للمطالبة بحقوقهم كيفما يشاؤون بحيث يراعون توازن المجتمع وحساسيته خاصة في الجانب الديني، ويراعون أيضا أن دين الأغلبية غير قابل للتعدد أو الحذف والإلغاء كما أقر حكماء مصر أوائل هذا القرن عبر ما عرف باسم "المؤتمر المصري" عام 1911 .
الخطوره تكمن فى محاولة توظيف الإحتقان الطائفى والإيحاء بأن التفجير الحادث والذى أسفر عن قتلى وجرحى هو من صنع مسلم حتى وإن قيل انه من ترتيب تنظبم القاعده ففى النهايه هى مواجهه بين مسلمين ومسيحيين.
ولكن والحق يقال أن المصريين بحكم التراث التاريخى والعيش المشترك نجحوا فى ان يثبتوا للعالم كله أن هذا التفجير لا يمكن أن يكون مصدره مصرى من أرض مصر وأن هناك ايدى خارجيه وراء الحدث كما أكد كثيرون وفى مقدمتهم رئيس الجمهوريه فى خطابه الجامع إلى الأمه .
ولكن شعر جميع المصريين بأن العلاقه بين عنصرى الأمه يجب أن توضع على بساط البحث بصراحه ووضوح ودون أى محاوله للتجمل المصنوع وهذا ما سأحاوله فى هذا المقال .
مسببات المسأله القبطيه
هناك حقيقة تقول إن الاحتقان الطائفي لا ينمو ويستفحل أمره إلا في الدول الضعيفة التي تتحكم فيها حكومات لا تعمل إلا لمصالح فئات محددة. لهذا فالعامل الجوهري -في اعتقادي- هو ضعف الدولة ومؤسساتها وفشل حكوماتها في أداء وظائفها.
أما العوامل الأخرى التي يحلو للبعض البدء منها لتفسير ما حدث -كالخطاب السلفي الأخير المناهض للكنيسة، والخطاب الديني بشكل عام في المنابر والفضائيات، وتصاعد الدور السياسي للكنيسة الأرثوذكسية، وتحركات أقباط المهجر- فهي في اعتقادي نتيجة لذلك العامل الجوهري
ضعف الدولة أدى إلى نتائج سلبية كثيرة، أولها انتشار ثقافة إقصائية ترى الأمور باللونين الأبيض والأسود، تشترك في ترويجها وسائل إعلام غير منضبطة تفتح المجال أمام محترفي الشهرة والنجومية أو ضيقي الأفق.
وتغرز قيما هدامة وسلبية في كثير من الحالات. كما يسهم في نشر هذه الثقافة النظام التعليمي الضعيف الذي يخرج أجيالا أحادية التفكير، لا تمتلك أدنى مقومات الانتماء والوطنية والتسامح.
هذا بجانب أن ضعف الدولة ومؤسساتها الدينية، وعلى الأخص مؤسسة الأزهر، أدى إلى خلو المجال العام من خطاب ديني عصري، ومن ثم إفساح المجال أمام شيوع خطاب ديني إقصائي لا يصلح حتى للعصور الوسطى.
وقد أنتجت هذه الثقافة سلوكا كان غريبا عن المجتمع المصري حتى سنوات قليلة خلت، فبعض المسلمين يربون أبناءهم على عدم التحدث أو الاختلاط بالمسيحيين، كما أن من المسيحيين من يرون أن المسلمين ضيوف على مصر بل وغزاة يتبغي تحرير مصر منهم ، ومنهم من أعلن استعداده للشهادة لمنع تفتيش الأديرة.
الدور السياسي للكنيسة
ولعل من أبرز نتائج ضعف الدولة هو قيام الكنيسة الأرثوذكسية، منذ مطلع السبعينيات، بدور سياسي في المجال العام للدولة المصرية بعد أن حافظت لقرون على وظيفتها الأصلية، وهي الوظيفة الروحية.
واليوم تصاعد النفوذ السياسي للكنيسة داخل الدولة وصارت الحكومة تتعامل معها بعيدا عن القانون، وكأن الكنيسة دولة داخل الدولة.
ومارست الكنيسة عمليات ابتزاز تجاه الدولة، وتطاول بعض رؤوسها على الدولة وعلى القرآن، ثم كان تعنت الكنيسة في مسألة احتجاز السيدتين اللتين تردد أنهما اعتنقا الإسلام وسلمتهما أجهزة الأمن للكنيسة، كما لام بعض المسيحيين الكنيسة لدفعها المسيحيين إلى مصادمات مع الشرطة بسبب مخالفة نرخيص بناء مبني خدمي ارادو تحويله إلي كنيسة بالمخالفة للقانون في أحداث العمرانية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني..
ومع ضعف الدولة ومؤسساتها وحرص النظام على استمراره، استخدم الأمن لتأمين الحكومة والنظام وقمع المعارضين، واحتواء الأحزاب والنقابات وكافة القوى الوطنية، بدلا من الانشغال بوظيفته الأسمى والأرفع، وهي أمن المجتمع بكافة فئاته وطبقاته ومؤسساته.
والأخطر أنه كلما ضعفت الدولة، ازداد ميل الحكومة نحو حسم القضايا والمشكلات بالخيارات الأمنية. هكذا سارت الأمور مع المسيحيين ومع الإخوان، بل ومع المعارضين وأساتذة الجامعات.
الدول الحديثة لا تستخدم الأمن إلا لضبط الأمن الجنائي، وليس لقمع المعارضين أو للتعامل مع الخلافات السياسية والفكرية.
هذه الأوضاع السيئة هي التي أدخلت البلاد في صفقات مشبوهة بين الحكومة والكنيسة على حساب القانون والمواطنة، الأمر الذي أغضب بدوره فئات أخرى ودفعها للخروج في مظاهرات ضد الكنيسة خاصة للمطالبة بالافراج عن السيدتين اللتين اسلمتا وتم اعتقالهم في الكنيسة بدون سند من القانون او الدستور .
وهذه فئات ما تظاهرت قط من قبل برغم كل المصائب التي مرت بها مصر من غلاء واستبداد وتبعية خارجية، وتزوير انتخابات واختراقات إسرائيلية. وأقصد هنا هبة التيار السلفي ومظاهراته ضد مسألة احتجاز السيدات المصريات في الكنيسة.
والأخطر أن ضعف الدولة فتح المجتمع أمام الاختراق الخارجي لزرع بذور فتنة طائفية، إلى الحد الذي لم نسمع معه أي تعليق من مسؤول واحد على تصريح الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) الجنرال عاموس يادلين، الذي نشرته صحف القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
والذى فصل فيه الدور الإسرائيلى فى تصعيد الإحتقان الطائفى لإحداث إنقسام فى المجتمع بهدف إنهاك مصر وإشغالها بقضايا محلية وبفتنة طائفية تمنعها من استعادة دورها الحضاري في المنطقة .
وتزامن كل هذا مع فشل آخر في تنفيذ برامج تنمية اقتصادية تصل ثمارها لكل المصريين وتزايد معدلات البطالة والعنوسة والفقر ، والفشل في صنع سياسة خارجية تدافع فعلا عن مصالح مصر.
وانشغلت مصر عما حدث ويحدث في دول عربية شقيقة، ولم تتعلم دروس الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في لبنان والسودان ونيجيريا، وأبعاد الخصام بين السنة والشيعة في العراق وباكستان
المقال القادم إنشاء الله أتحدث عن رؤيه إستراتيجيه لإدارة الملف القبطى.