د. عبد المنعم الجميعي قدّم المسلمون للثقافة الإنسانية تراثا ضخما في شتي ميادين العلم والمعرفة وكانت كتب علمائهم بمثابة المراجع الأساسية التي ترجمت إلي اللاتينية ليرتشف الأوروبيون مناهلها.
وفي مجال الكيمياء والطب يعتبر "جابر بن حيان " و"أبو بكر الرازي" من أشهر علماء المسلمين الذين تفخر بهم البشرية.
فالكيمياء في صورتها العلمية إنجاز حققه المسلمون بعد أن قاموا بتحليل بعض المواد تحليلا كيميائيا وفرقوا بين الأحماض والقلويات واكتشفوا العلاقة بينهما ودرسوا مئات العقاقير.
وكان "جابر بن حيان" أول من طبق الكيمياء علي الطب في كتابه " السموم "مما جعله يحتل مكانه مرموقة، إذ ينسب إليه انه أول من بّين أهمية التجارب العلمية وجعلها شرطا أساسيا للعلم الحقيقي، كما وأنه كان يوصي بالدقة في الملاحظة والاحتياط،.
كما ينسب إليه العديد من المؤلفات في هذا العلم، وظلت كتبه تدرس في أوروبا لعدة قرون، ويعد "جابر بن حيان" أبو الكيمياء فهو أول من حضر الأحماض، ووصف العديد من العمليات الكيميائية كالتقطير والترشيح والتذويب والتمويل .
يضاف إلي ذلك أنه أول من قام بتحضير حامض الكبريتيك، وأول من اكتشف حافض النيتريك وماء الذهب، لذلك فإن اسمه يعد من أبرز الأسماء التي وضعها الأوروبيون في اعتبارهم، فأطلقوا عليه اسم جبيرPev Ge وترجموا كتبه ، وكان كتابه "تراكيب الكيمياء"من أوائل الكتب التي تمت ترجمتها في أوائل القرن الثاني عشر.
كما كان صاحب الفضل علي الأوروبيين في تعريفهم ببعض السموم، فتتلمذ عليه بعضهم، وقد أشاد "ابن خلدون" في مقدمته بفضل "جابر بن حيان" في علم الكيمياء فوصفه بإمام المدونين فيه ، وان الناس كانوا يلصقون اسم هذا العلم به فيسمونه علم جابر.
لقد كتب "جابر بن حيان" كتبا عديدة في الكيمياء من أبرزها "كتاب الشمس" و"كتاب القمر" و"كتاب التراكيب" ، و"كتاب الأسرار" و"كتاب السموم والأودية" و"كتاب الإيضاح" .
أما بالنسبة "للرازي" الطبيب والفيلسوف وأحد تلاميذ "جابر بن حيان" فقد حرر الكيمياء من الخرافات ومال إلي دراستها لعلاقتها الوثيقة بالطب، فقد عمل علي استخدم الكيمياء في تحضير الأدوية والعقاقير، وألف في الكيمياء كتباً عديدة منها كتابه "الأسرار" الذي نال شهرة واسعة في أوروبا.
لقد اتسم "الرازي" بروح التحري وحب الاستطلاع، ولخص نظريته في المادة بأن العناصر المطلقة الخمسة هي "الخالق والروح والجسد والزمان والمكان" .
وأوضح أن الأجسام مركبة من عناصر لا تتجزأ، ويحيط بها الفراغ، وقال إن العناصر تمتاز بحجم ثابت، أما صفات هذه العناصر وهي "التراب والماء والهواء والنار"، فهي الخفة والثقل والشفافية واللون والليونة والصلابة.
ومن كتب الرازي أخذ الأوروبيون فكرة تقسيم المواد الكيميائية إلي معدنية ونباتية وحيوانية مما كان له أكبر الأثر في تقدم علم الكيمياء الحديث .
يضاف إلي ذلك أن للرازي بعض الكتب الطبية المهمة التي استفاد منها علماء الغرب، خاصة بعلم التشريح، واستخدامه في العلاج، ومن أشهر هذه الكتب كتابه "الحاوي"الذي يعد من أهم الكتب في هذا التخصص .
حيث جمع فيه كل ما وجده متفرقاً في ذكر الأمراض ومداداتها من سائر الكتب الطبية، فتناول موضوعات التشريح والأودية والجراحة والأمراض.
وإلي جانب ذلك فللرازي عدة مؤلفات في الطب الروحاني وعلل المفاصل والنقرس وعرق النسا و"كتاب الجامع" و"كتاب الفالج".
و"كتاب إلي من لا يحضره طبيب" وغيره من الكتب المهمة، ومن الصفات التي انفرد بها "الرازي" تحكيمه العقل في كل وسائل العلم والمعرفة.
ومما لا شك فيه أن أعمال جابر والرازي في مجال العلوم الكيميائية والطبية كانت بمثابة نقطة تحول أوروبا في العصور الوسطي إلي عصر النهضة الأوروبية الحديثة التي تنعم بها أوروبا في الوقت الحالي.