رفض الحرب على ايران كخيار وفكرة مازن حماد ذهب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطوة كبيرة اخرى على درب التحدي الحازم لمواقف الولاياتالمتحدة ومخططاتها في آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين ، واراد ان يقطع الطريق ليس فقط على خيار استخدام القوة ضد ايران بسبب برنامجها النووي ، وانما على مجرد التفكير بمثل هذا الخيار. ورغم ان الهدف الرئيسي من قمة طهران التي يعتبر بوتين اول رئيس روسي يزورها منذ ستالين عام 1943 ، هو التباحث في اقتسام الدول الخمس المطلة على بحر قزوين ثرواته النفطية والغازية ، فقد طغى العنصر الايراني وخاصة الجزء النووي منه على فعاليات القمة ، كما طغت عليه لغة بوتين المتشددة ورفضه القاطع للتهديدات الغربية بشن حرب على ايران. وقد جاءت وقفة بوتين القوية هذه ردا مباشرا على امريكا وفرنسا اللتين ترفضان استبعاد القوة كخيار على الطاولة اذا لم تفلح العقوبات والدبلوماسية في اقناع ايران بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم مثلما يطالبها مجلس الامن الدولي. صحيح ان روسيا تستخدم توترها مع الغرب لدفع مصالحها الى الامام سواء الوطنية منها او الكامنة في دول الجوار التي كانت الى ما قبل عقدين من الزمن جزءا من الاتحاد السوفياتي ، ولكن ماذا ترك لها الامريكيون من بدائل او خيارات وهي تراهم يزحفون كالجراد على الحدائق والشرفات المطلة على الاتحاد الروسي لتحاصره بالدول الاطلسية الجديدة تارة وبمشاريع فتح القواعد العسكرية في دول الكتلة السوفياتية السابقة تارة اخرى؟ ومن المكاسب الرئيسية التي حققها بوتين في قمة طهران اصدار الدول الخمس وهي روسياوايران واذربيجان وكازاخستان وتركمانستان اعلانا يؤكد ان دول قزوين لن تسبح باستخدام اراضيها لشن هجوم على اي دولة في المنطقة ، والمقصود هنا بصفة خاصة ، ايران ، ويرتدي هذا الاعلان اهمية كبرى بالنظر الى قلق جدي تحس به موسكو تجاه مطارات شيدتها الولاياتالمتحدة قرب الحدود الايرانية في كل من اذربيجان وتركمانستان وهو ما اثار تكهنات بامكان استعمال تلك المطارات في هجوم محتمل على ايران. ويجب الا يغيب عن بالنا انه منذ كارثة سبتمبر عام «2001» ، انشأ الامريكيون قاعدة عسكرية في قيرغيزيا السوفياتية سابقا ، لدعم العمليات الحربية في افغانستان ، كما كثفوا تعاونهم العسكري مع اذربيجان ، اضافة الى توقيعهم اتفاقية تسمح بتزود طائراتهم المتجهة الى افغانستان بالوقود في تركمانستان. هذه الشبكة من العلاقات والوجود الامريكي في منطقة نفوذ روسية ، هي التي اغضبت الكرملين والشعب الروسي ، وهي التي تحرك سياسات بوتين ومواقفه الحاسمة ضد السياسات والمواقف الخارجية للولايات المتحدة. على ضوء ذلك كله ، ليس من المستغرب ان تتعامل ايران مع قدوم بوتين اليها وبرفقته وفد من «180» شخصية ، على انه يشكل انقلابا في الجهد الروسي الرافض للضغوط الغربية الموجهة الى طهران. وفي كل الاحوال فقد جاءت هذه الانعطافة المفصلية في التقرب الروسي من ايران ، لتتوج سلسلة من مواقف موسكو واستراتيجيتها الجديدة في التصدي للولايات المتحدة. ونذكر ان بوتين بدأ هجمته ضد الهيمنة الامريكية على العالم في خطاب القاه في شهر فبراير الماضي في مؤتمر امني بمدينة ميونيخ الالمانية بحضور وزيري الخارجية والدفاع الامريكيين وانتقد فيه بشدة التفرد الامريكي بالقرارات الدولية واصفا ما يجري بأنه احتقار متزايد لمبادىء القانون الدولي. وقال الرئيس الروسي في مناسبة اخرى ان الولاياتالمتحدة تجاوزت حدودها القومية بكل الوسائل والطرق العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية ، لتفرض برنامجها ورؤيتها على الدول الاخرى. غير ان المهم في كل ذلك ان فلاديمير بوتين لم يكتف بالكلام ، بل طوق تحذيراته اللفظية باجراءات عملية من بينها اعلانه في شهر اغسطس وقف العمل باتفاق الاسلحة التقليدية في اوروبا ، وقراره استئناف التحليقات الجوية للطائرات الاستراتيجية الحاملة للقنابل النووية وهو اجراء كان العمل به قد توقف منذ عام «1992». وفي الاسبوع الماضي كشف عن خطط لالغاء معاهدة موقعة بين موسكو وواشنطن عام 1978 لتحديد اعداد الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. كما اكد بوتين ان بلاده لن تستمر في التخلص من اسلحتها ما لم يفعل الاخرون ذلك في القارة الاوروبية. لقد اكدت زيارة بوتين لايران ان روسيا مستعدة لرفع مستوى تحديها للولايات المتحدة ليس فقط عبر تعطيل المجموعة الثالثة من العقوبات في مجلس الامن ، ولكن من خلال تحريض دول العالم على رفض الحرب على ايران كخيار وفكرة ، مؤكدا في الوقت ذاته التزام روسيا في الاستمرار بمساعدة ايران في برنامجها النووي السلمي وفي بناء مفاعل «بوشهر» القريب من الخليج العربي ، وفي التعاون معها في مجال الفضاء والطاقة. عن صحيفة الدستور الاردنية 18/10/2007