رسالة من صحفي ب "الأهرام" إلى د.عبد المنعم سعيد .. استقل من "الوطني"
*كارم يحيي كارم يحيي
أحمل لكم تقديرا خاصا رغم اختلافي معكم في الكثير من المواقف والكتابات .
وهنا اسمحوا لى أن أتذكر بمشاعر الود انه منذ نحو ربع قرن كنتم قد اطلعتموني على رسالتكم للدكتوراة في الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي لا اعرف ما اذا كانت قد ترجمت الى العربية.
ولقد استبشرت خيرا عندما تولى باحث و مثقف استكمل تعليمه خارج البلاد واطلع على تجارب مجتمعات أخرى رئاسة مجلس ادارة مؤسسة الأهرام .
وخاصة عندما نشرتم مقالكم بهذه المناسبة فجاء واعدا بادراك مكانة "الأهرام" في الثقافة العربية ودورها التنويري . لكنني ظللت أتساءل كيف تستطيعون التوفيق بين هذا الوعد وبين الانتماء لحزب حاكم فعل ورئيسه بالبلد كل ما يناقض الديمقراطية والاستنارة والحداثة .
وأثبتت انتخابات مجلس الشعب الأخيرة كيف تمسك بمقاليد هذا الحزب قوى و رموز هي خيلط من رجال أعمال احتكاريين و عسكريين و ضباط شرطة سابقين تنعدم لديهم ثقافة الاعتراف بوجود الآخر .
ومع ذلك فإنني لا اكتب اليكم لاناقشكم فيما ينشر لكم بالأهرام وفي ذلك ثمة خلاف كبير بينكم وبين العديد من صحفيي الأهرام .
وأنتم تعلمون ان غالبيتهم لا ينتمون للحزب الحاكم وأنا واحد من بينهم . لكم الحق في ان تكتبوا وتنشروا ما شئتم سواء دافعتم عن الحزب الحاكم او هاجمتم خصومه كالدكتور محمد البرادعي.
وسواء أكان البعض قد لاحظ ان جرعة الانتماء الحزبي الضيق تزيد في كتاباتكم عمن سبقكم الى رئاسة مجلس ادارة الأهرام . بل انني على استعداد للدفاع عن حقكم في ذلك .
عملا بمقوله " فولتير " :" قد اختلف معك في الرأي لكنني على استعداد ان ادفع حياتي ثمنا للدفاع عن حقك في التعبير عن رأيك “.
لكن ما يقلقني و العديد من الزملاء في الأهرام هو ما نلمسه من ضيق هامش حرية التعبير وتعدد الآراء وانهيار المهنية في جريدتنا ومؤسستنا والتي جاءت الانتخابات الأخيرة كاشفة لها ودليلا عليها .
ولعلكم تلاحظون معى أن الأهرام عجز عن اطلاق حوار مجتمعي متعدد الآراء بحق حول الانتخابات النيابية ومستقبل البلاد و دون استبعاد لما تموج به مصر من قوى و تيارات متنوعة .
بل ان" الأهرام " خلال السنوات القليلة الماضية خسر للأسف أصوات كتاب محترمين مخضرمين من أبنائه أمثال الاستاذين سلامة أحمد سلامة و فهمي هويدي .
وقد اضطرا الى هجرة صفحاته بعدما ضيقت عليهما فرص النشر رقابة من وصفها أحدهما ب " جماعة لجنة السياسات في الحزب الحاكم “.
ناهيك عن حالة الانسداد الواضحة في فرص نشر الآراء امام من يختلفون مع سياسة الحزب الحاكم ورئيسه من صحفيي الأهرام.
وهو ما يدفعنى بكل أسف لان اضطر للكتابة اليكم من منبر آخر بعدما فقد أهل الأهرام الثقة في ان يمارسوا الحق في الاختلاف والتعبير فوق صفحات مطبوعاتهم .
هذا عن حرية الرأي ..أما عن انهيار المهنية فحدث ولا حرج .
واكتفي هنا في سياق الانتخابات الأخيرة الى ان ادعوكم لمراجعة تقارير منظمات حقوقية على شبكة " الانترنت " عن انحياز سافر للحزب الحاكم ومرشحيه خلال فترة الدعاية الانتخابية .
ولعلكم تلاحظون معى ما ارتكب على صفحات الأهرام من الخلط بين الإعلان والتحرير بالمخالفة للقانون ولميثاق الشرف الصحفي ناهيك عن الخلط بين الخبر والرأي .
ولعلكم تتأسفون معي على وقائع أخرى تسئ الى مصداقية " الأهرام" في أعين قرائه من قبيل نشر خبر منسوب لمراسل الجريدة في واشنطن الأربعاء 1 ديسمبر بعنوان : “واشنطن : ثقة المصريين في الانتخابات تتعاظم بالمزيد من الديمقراطية “.
فيما كان العالم كله وقراء "الأهرام" يعلمون ماصدر عن الخارجية والبيت الأبيض الأمريكيين من " فزع" لما شاب الانتخابات من تزوير وانتهاكات الشرطة و الحزب الحاكم وميلشياته .
و لعلكم تتساءلون معي عن المهنية ودقة المعلومة في نشر الاصدارين اليوميين " الأهرام " و " الأهرام المسائي "الصادرين عن المؤسسة في ذات اليوم " لبيانين مختلفين في العنوان الرئيسي لكليهما عن المقاعد التي فاز بها الحزب الحاكم بوصفها النتائج النهائية الرسمية للمرحلة الأولى منسوبة الى مصدر واحد هو اللجنة العليا للانتخابات .
علما بان رئيسي تحرير الإصدارين أعضاء نافذين في الحزب الحاكم . و الا تندهش معي أيضا لان البيانين ( 217 مقعدا في الأهرام و و161 في الأهرام المسائي ) غير صحيح كليهما (!).
هذا غيث من فيض يدعونى لأن أنقل لكم صدمتى وزملاء محترمين بالمؤسسة قبل نحو شهرين في دفاعكم عن اقل ما يوصف به بأنه خطأ مهنى جسيم كان يستحق الاعتذار للقراء ولسمعة "الأهرام " ومكانته حين جرى التلاعب في صورة بثتها وكالات الأنباء العالمية من واشنطن في نفاق سياسي رخيص وممجوج يكرس عبادة الحاكم الفرد.
كما اسمحوا لي ان ادعوكم الى تصفح أعداد من جريدة الأهرام في الستينيات عهد الشمولية و الحزب الواحد كي تدركوا بأنفسكم كيف كنا وأين أصبحنا .. لا على مستوى المضمون والمحتوى بل والشكل والإخراج واستخدام الصورة أيضا رغم التقدم التكنولوجي الهائل بين عهدين.
وهل من المستغرب بعد ذلك ان يقول بأسى كاتب و مثقف لبناني ان كشكا لبيع الصحف في شارع "الحمرا" بقلب بيروت كان يوزع من " الأهرام " في الستينيات في اليوم الواحد نحو 300 نسخة بات يبيع من الصحيفة الآن أقل من ثلاثة نسخ .
ولا أظن أن التحجج بثورة الاتصالات ووجود " الأهرام" على شبكة الانترنت كفيل وحده بتفسير الفارق الكبير بين الرقمين ، خاصة اذا ما أدخلنا عوامل أخرى في الاعتبار .
لا أريد ان استغرق معكم في كثير من التفاصيل المؤسفة التي يضيق بها هذا المقام . لكنني أدعوكم وأنا لا اشكك في صدق نواياكم في تطوير المؤسسة الى التفكير فيما هو أبعد من التطوير التقني .
فهل هناك جدوى من هذا التطوير في غيبة مجالس تحرير مسئولة تعمل بمهنية و ديموقراطية و ترعى تعدد الآراء وفي غيبة استطلاعات رأي للصحفيين والقراء تعلن نتائجها .
و أسأل ايضا عن فرص التطوير في غياب المسافة اللازمة بين الحزب الحاكم وأجهزة الدولة والأمن من جانب وصحيفة قومية من جانب آخر .
علما بأن القانون ينص على أن " الصحف القومية مستقلة عن السلطة التنفيذية والأحزاب"( المادة 55 من القانون 96 لسنة 1996).
أسمحوا بأن أراهن على المثقف والباحث فيكم فاختبر انحيازكم للديموقراطية والالتزام بالقانون بان ادعوكم الى فتح حوار على صفحات "الأهرام "حول تطويره واستقلاليته ,
وإن كنت ارى الآن ان الاختبار الحقيقي والأولى بالاهتمام الآن أن يفتح "الأهرام" حوارا حرا حول عواقب تزوير الانتخابات و المنهج الاستئصالى الذي اديرت به .
حوار تشارك فيه كافة الآراء والتيارات بما في ذلك " الإخوان المسلمين " . نعم " الإخوان المسلمين " أقولها وانا اليساري المستقل الذي اختلف معهم في الكثير .
وإذ لم يعد خافيا عليكم ماحملته مهزلة الانتخابات الأخيرة من مخاطر . وأكتفى هنا بالإشارة الى ما سمعته من ليبراليين طالما كانوا يدينون ثورة يوليو بأنها انقلاب باتوا من شدة اليأس بعد هذه الانتخابات يتمنون انقلابا عسكريا ينهى الديكتاتورية والفساد. و هو ما لا نتمناه .
وكذا الى السيناريوهات الكارثية جراء انسداد الأفق الديمقراطي و محاولة استئصال "الإخوان المسلمين" ودفعهم الى الزاوية بهذه الطريقة الخطرة ، مما قد يعيد إنتاج جماعات سرية متطرفة تحمل السلاح كما حدث من قبل . وهو ما لانتمناه أيضا.
و اسمحوا ختاما في لحظة الحقيقة التى وضعتنا أمامها تجربة الانتخابات البرلمانية الأخيرة ان أراهن على المثقف و الباحث فيكم أن تنتصروا لصوت الضمير.
و أن تضربوا مثلا في الانحياز لقيم الديموقراطية والمهنية واستقلالية الأهرام ودوره الثقافي وتراجعواانتسابكم الى الحزب الحاكم .
ولكم في الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية الصادرة عن الأهرام أسوة حسنة ، والذي استقال من لجنة السياسات والحزب بعدما اعترض على مهزلة تعديل المادة 76 من الدستور في عام 2005 .