ملف القدس.. كيف يتصدر الاجتماع الدولي؟ د. أحمد يوسف القرعي في خطوة إيجابية لها دلالاتها بشأن عروبة القدس, أقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس( أبو مازن) مؤخرا علي تعيين مستشارخاص لشئون القدس ليتولي مسئولية ملف المدينة المقدسة تحسبا لاستئناف المفاوضات بشأنها في مؤتمر الاجتماع الدولي الخريف القادم( منتصف نوفمبر).. ووقع اختيار أبو مازن علي عدنان حسين المدير العام السابق لإدارة الوقف بالقدس ليتولي ملف القدس ومن أولي مهامه وفقا لتصريحاته العمل علي إقناع إسرائيل بإعادة فتح بيت الشرق والمؤسسات الفلسطينية الأخري التي أغلقتها إسرائيل منذ سبع سنوات. ولعل ملف القدس الذي أعده المقدسي الراحل فيصل الحسيني(7 يوليو1940 31 مايو2001) لايزال يحتفظ بأهميته رغم رحيل صاحبه( تغمده الله برحمته الواسعة). ومن الأهمية الترويج لهذا الملف كما قدمه فيصل الحسيني لأسباب عديدة في مقدمتها أن ملف فيصل الحسيني يتفق تماما مع مبدأ مبادرة السلام العربية بالعودة الي حدود ما قبل4 يونيو1967, وفي هذا السياق اقترح الحسيني ان تكون القدس مدينة مفتوحة وعاصمة لدولتين فلسطينية واسرائيلية, مع إتاحة حرية أداء الشعائر الدينية لكل أصحاب الأديان السماوية الثلاثة باختيار منطقة محايدة بين القدسالشرقيةوالغربية تكون معبرا آمنا إلي كل الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية واليهودية. وعندما قدم فيصل الحسيني هذا الحل طرحه كخيار من خيارين وكان الخيار آلاخر هو بحث قضية القدسالغربيةوالشرقية من جديد وإحياء قرار التدويل. وكان فيصل يعلم ان الخيار الأول هو أقرب الحلول المطروحة لسيناريوهات اسرائيلية سبق طرحها منذ سنوات طويلة وان كانت مثل تلك السيناريوهات تركز أساسا علي أساليب الهيمنة الإسرائيلية علي المدينتين وهذا ما كشفت عنه محادثات( كامب ديفيد 2) في يوليو2000 وما بعدها. وفي هذا السياق يكشف فيصل الحسيني المخطط الاسرائيلي في القدس وحولها وأعلن آنذاك أن اسرائيل قامت بفرض حوالي180 ألف مستوطنة في القدس وحولها وهو ما يشكل وقتها35 إلي45% من منطقة صغيرة وضيقة وعرضت اسرائيل مشروعا رسميا بالإبقاء علي شريط مستوطنات علي طول حدود4 يونيو1967 تحت سيادتها ثم أعلنت اسرائيل وقتها إقامة شريط آخر علي طول حدود نهر الأردن تحت سيادتها بهدف تطويق الضفة الغربية بشريط من الشرق وآخر من الغرب مع الاحتفاظ بثلاث كتل استيطانية تظل تحت سيطرة اسرائيل واحدة في الشمال وثانية حول القدس وثالثة عند بيت لحم والخليل, وهذا يعني انفصال المناطق الفلسطينية بعضها عن بعض, هذا الي جانب رغبة اسرائيل في الاحتفاظ بمستوطنات منفردة ومتناثرة داخل الضفة الغربية تحت سيادتها. وخروجا من الوقوع في براثن هذا المخطط الاسرائيلي أوضح الحسيني ان معالجة أية مشكلات يمكن ان تتم من خلال أولا المحافظة علي الوضع القائم وثانيا إتاحة حرية الوصول الآمن المشترك الي القدسالغربيةوالقدسالشرقية دون التعدي علي الأماكن الاسلامية, وقال فيصل إننا نستطيع تحقيق مثل هذه الحرية من خلال مجموعة من الإجراءات لاتغير في السيادة أو الحدود, ذلك اننا عرب لنا أيضا أماكن مقدسة في القدسالغربية ونريد الوصول اليها بحرية وأمان. هكذا قدم فيصل الحسيني في ملف القدس الذي أعده سيناريو واقعا ومتكاملا يحقق التعايش السلمي وفي الوقت نفسه لايهدد أي حق من الحقوق الفلسطينية السيادية وحتي لا يجني الاسرائيليون أي مكاسب من وراء سنوات الاحتلال, جاء المحور الثالث من مشروع فيصل الحسيني لكي يعيد التوازن الديموجرافي داخل القدس التي تعرضت لسنوات طويلة لمخطط تهويد مبرمج. ويطرح فيصل الحسيني في هذا المجال مشروع تطويق الأطواق الاسرائيلية لمواجهة مخطط الحواجز التي أقامتها اسرائيل علي مستوي القدس للاستئثار بالمدينة, وهنا اقترح الحسيني بناء خمسة عشر ألف وحدة سكنية عربية في القدس تشكل حزاما عربيا يطوق أطواق المستوطنات اليهودية التي زرعها الاحتلال الاسرائيلي وأحاطوا بها القدس بهدف اختراق النواة العربية الصلبة وسط القدس. وتبدو أهمية مشروع فيصل الحسيني عندما نتعرف علي ما جري للمدينة المقدسة خاصة منذ اجتياح أرييل شارون الحرم القدسي الشريف(28 سبتمبر2000) وإغلاقه ملف القدس عندما تولي رئاسة الحكومة في فبراير2001 وظل ست سنوات في الحكم يمارس أبشع عمليات التهويد بالمدينة المقدسة حتي ابتلي بغيبوبة منذ ديسمبر2006 وحتي الآن. ولعل الخطوة الأولي التي يحرص الجانب الفلسطيني علي التفاوض حولها هي استرداد بيت الشرق الذي أدار منه فيصل الحسيني نشاطه لتعزيز عروبة القدس. ولقد استبشرنا خيرا عندما أعلن عدنان حسين المسئول الجديد لملف القدس أن من أولي مهامه العمل علي اقناع اسرائيل بإعادة فتح بيت الشرق والمؤسسات الفلسطينية الأخري التي أغلقتها اسرائيل منذ عشر سنوات وبيت الشرق كان بمثابة وزارة الخارجية الفلسطينية واتخذه الحسيني مقرا للوفد الفلسطيني الي مؤتمر مدريد وكمقر رسمي لاستقبال الدبلوماسيين والسياسيين الأجانب وبحث الاحتياجات السياسية والأمنية لمدينة القدس. ولعل مطالب عدنان حسين ببيت الشرق في أولي تصريحاته أنه يمضي علي درب فيصل الحسيني من ناحية وان ملف القدس سوف يكون أسخن ملفات الاجتماع الدولي في واشنطن( منتصف نوفمبر المقبل). عن صحيفة الاهرام المصرية 20/9/2007