الحكومة الاسرائيلية ماضية في غيها وفي تنفيذ خططها لبناء وتطوير المستوطنات وخاصة تلك التي تحيط بمدينة القدس. ورغم النداءات والمطالبات الدولية لاسرائيل بتجميد الاستيطان لاعطاء فرصة للمفاوضات الا ان حكومة نتنياهو تناور فتعلن تجميد الاستيطان في منطقة وتعطي التصاريح في مناطق اخري واخر التصاريح التي اعطيت لبناء 450 منزلا جديدا في الضفة الغربية وسط تأكيدات لوزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك بان المنازل ستقام في مناطق تعتزم اسرائيل الاحتفاظ بها في اي اتفاق سلام يتم التوصل اليه مع الفلسطينيين في المستقبل. وفي نفس الوقت تتواصل حركة البناء النشط في المستعمرات التي تحيط بالقدس واصبحت المستعمرة المقامة فوق جبل ابوغنيم وحين ينتهي بناء تلك المستعمرة فان القدس ستصبح معزولة بالكامل عن الضفة الغربية ولن يصبح بمقدور الفلسطينيين في القدسالشرقية وفي الضفة السفر والتنقل كما يحدث حتي الان علي الرغم من وجود الحواجز الاسرائيلية الا ان المرور كان يتم من خلال مناطق غربية متصلة جغرافيا وبانهاء اعمال البناء التي تتسارع بشدة في المستوطنات حول القدس فان مخطط تهويد المدينة يقطع شوطا كبيرا. هذا المخطط الذي ادي الي تراجع اعداد الفلسطينيين في القدسالشرقية الي اقل من مائة الف فلسطيني وادي اغلاق المؤسسات المدنية مثل بيت الشرق الذي كان يترأسه المناضل الفلسطيني الراحل فيصل الحسيني، الي شطب اي تمثيل سياسي للفلسطينيين في المدينة، وكان الحسيني والقادة الفلسطينيون في المدينة الذين يحملون هويات مدنية اسرائيلية للاقامة الدائمة مع احتفاظهم بهويتهم الفلسطينية قد نجحوا عبر سنوات طويلة في النضال في اعقاب احتلال القدسالشرقية في حرب يونيو 1967 في الدفاع عن هوية المدينة الاسلامية والمسيحية وابقاء عشرات المدارس والمعاهد التعليمية مفتوحة وكذلك الدفاع عن الاثار والمقدسات الاسلامية يتقدمها بيت المقدس وقبة الصخرة وعشرات من الاثار الاسلامية والمسيحية. ولكن حكومات اسرائيل المتعاقبة نفذت خطة لم تتغير لتهويد القدسالشرقية وطرد الالاف من ابناء القدس بعد سحب هوياتهم المدنية التي كانت تتيح لهم الاقامة الدائمة لدي خروجهم من المدينة للدراسة او التجارة في الضفة الغربية وبالتالي اضطر الالاف الي مغادرة القدس الي مدن الضفة. لا تفاوض مع الاستيطان وفي ضوء عملية التهام القدس فان السلطة الفلسطينية اعلنت موقفا حازما وواضحا بعدم قبول استئناف اي مفاوضات مع اسرائيل في ظل استمرار عملية الاستيطان التي شهدت نموا كبيرا في ظل حكومة نتنياهو اليمينية والتي تتمتع فيها الاحزاب اليمينية المتطرفة بثقل كبير ووافقت علي قيام نتنياهو بالتفاوض مع الفلسطينيين مقابل استمرار برامج الاستيطان بل واعطائها دفعة كبيرة وهو ما حدث بالفعل وكانت اخر تلك القرارات الموافقة علي بناء 455 منزلا في الضفة وبناء 2500 وحدة سكنية اخري في مستوطنات مختلفة ابرزها تلك القائمة فوق جبل ابوغنيم اخر منفذ للفلسطينيين الي القدسالشرقية. وفي ضوء الموقف الفلسطيني والعربي الرافض تماما للدخول في اي مفاوضات في ظل استمرار البرنامج الاسرائيلي للاستيطان حاول نتنياهو تسويق صفقة جديدة تحت شعار "التطبيع مقابل تجميد الاستيطان" وهي صفقة لم تغر الدول العربية التي اصرت علي موقفها ثم جاء التحول الخطير في سياسة الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي طالب العرب والاسرائيليين بخطوات الي الامام فدعا اسرائيل الي تجميد تام للاستيطان والعرب الي القيام بخطوات تطبيعية مع اسرائيل من اجل طمأنتها وتقديم الدعم لنتنياهو امام شركائه في حكومة المشتددين. وبالفعل تراجع العرب وقبلوا باعادة افتتاح مكاتب تجارية اسرائيلية لديهم ولدي اسرائيل بالتبادل وهي نفس المكاتب التي كانت موجودة في موريتانيا وقطر وتونس والبحرين وسلطنة عمان ولكن الدول العربية رفضت بشكل قاطع اعطاء اسرائيل حرية استخدام الاجواء العربية خاصة المملكة العربية السعودية التي اشتدت عليها الضغوط لتقديم اي بادرة تطبيعية مع اسرائيل حتي بمرور الطائرات الاسرائيلية فوق اجوائها. التحالف ضد ايران وفي نفس الوقت رفضت الدول العربية الدخول في تحالف مع اسرائيل والولايات المتحدة ضد ايران واكدت علي لسان القادة العرب واخرهم الرئيس مبارك خلال زيارته الاخيرة للولايات المتحدة بانها تتخذ موقفا موحدا في قضية احتلال دولي في المنطقة لاسلحة نووية وان ما ينطبق علي ايران يجب ان يطبق علي اسرائيل، وشدد علي اهمية وضرورة استبعاد اي حرب جديدة في المنطقة ستدمرها بالكامل وتزيد من قوة المنظمات الاسلامية المتشددة، التي لن تمتنع عن استخدام اساليب ارهابية في حالة شن حرب علي ايران لتدمير مفاعلها وبرنامجها النووي. ماذا سيفعل أوباما؟ في ضوء هذه الظروف فإنه من المقرر ان يعود المبعوث الامريكي جورج ميتشل الي الشرق الاوسط الاسبوع القادم لاستئناف مهمته في اعداد الخطوط العريضة لخطة السلام التي يعتزم الرئيس اوباما التقدم بها لاستئناف مفاوضات السلام علي المعسكرات المختلفة وهناك أنباء عن ارجاء رحلته الي المنطقة بسبب الاصرار الاسرائيلي علي المضي في الاستيطان والمراوغة بشأن ماتدعيه من قيامها بتجميد حركة البناء. ويبدو ان اوباما في موقف حرج فهذا اول اختبار جدي مع الحكومة الاسرائيلية وهو لا يستطيع ان يكتفي بالاحتجاج مثلما فعل الاتحاد الاوروبي اذا صح مطالبا بان يثبت قوته وجداراته في انقاذ عملية السلام في الشرق الاوسط واصلاح كوارث سلفه جورج بوش في المنطقة. ماذا سيفعل اوباما لمواجهة التحدي الذي وجد نفسه امامه والذي فرضه تعنت نتنياهو وتمسكه باستمرار الاستيطان؟ المخرج المباشر هو دعوة نتنياهو وعباس الي واشنطن في اجتماع ثلاثي للبحث عن مخرج لاستئناف المفاوضات مع تجميد جزئي للاستيطان وهو خيار قد ينقذ اوباما ويمنحه بعض الوقت ولكنه لن ينفذ عملية السلام في الشرق الاوسط التي اصبحت الاختبار الاصعب لاوباما ويتوقف نجاحه علي مواجهة تصلب وتحدي نتنياهو الذي قد يكون الصخرة التي تتحطم عندها نوايا اوباما الطيبة الا اذا اثبت انه يملك اكثر من النوايا والخطب الرائعة مثل تلك التي القاها في جامعة القاهرة.