الحمل في الخارج والولادة في لبنان أنور عقل ضو الزيارة التي كان مقرراً أن يقوم بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم الي جدة في المملكة العربية السعودية لمقابلة الملك عبد الله بن عبدالعزيز واجراء محادثات مع نظيره الأمير سعود الفيصل، تحولت بعد إلغائها مادة للسجالات، ولم تُعط اي توضيحات حول الأسباب الموجبة لإلغاء زيارة توسم اللبنانيون فيها خيراً، ولم يكن من قبيل الصدفة أن تكون هذه المسألة بملابساتها السياسية والبروتوكولية مثار اهتمام الأوساط اللبنانية كافة علي مختلف الصعد السياسية والديبلوماسية الرسمية والشعبية. وذهبت التفسيرات مذاهب شتي، مع الخشية من أن يكون الغاء الزيارة المعلن عنها منذ ايام، نتيجة استمرار التعقيد وتوتر العلاقات السعودية - السورية الأمر الذي من شأنه ان يفضي إلي مزيد من التأزم في الداخل اللبناني. كل اللبنانيين يتحدثون في السياسة ويخوضون في مسائلها المعقدة، حتي أن كثيرين قادرون علي التقاط الاشارات والبناء عليها في الوصول إلي استنتاجات، كل حسب موقعه والتزامه في الطائفة والدين والحزب أو حتي أولئك الذين كفروا بفريقي السلطة والمعارضة ويحزمون أمتعتهم وهم علي أهبة الرحيل استنطقوا الواقع فوجدوا الأبواب موصدة ولا بريق أمل يمكن أن يبدد هواجسهم. ليس ثمة من لا يعلم أن التقارب السوري - السعودي يمثل خطوة ضرورية لاستيلاد حلول ممكنة للأزمة الداخلية، فالجانب السوري قادر علي لعب دور مؤثر علي المعارضة في إطار التحالف القائم معها، وكذلك السعودية بإمكانها الضغط علي فريق الأكثرية، ولا سيما تيار المستقبل بزعامة النائب سعد الحريري وهو يترأس أكبر كتلة نيابية في البرلمان اللبناني. ما يسترعي الانتباه، هو أن اللبنانيين يتطلعون إلي خلافات الآخرين لمعرفة ما يخبئ لهم المستقبل، ولعل الغالبية الصامتة منهم فقدت الثقة بالنخب السياسية المحلية بسائر مسمياتها من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار وما بينهما من تيارات براغماتية تنتظر تحديد مواقفها لتتيقن لمن ستكون الغلبة فتحدد خياراتها، بالرغم من أن القراءة الموضوعية لمجريات الصراع الدائر تؤكد أن ليس ثمة غالب أو رابح في لبنان، بلد التوازنات بالاكراه والتعايش بقوة الرابط الجغرافي والتاريخي والأعراف الطائفية والمذهبية المكرسة في دستور البلاد. وخوف اللبنانيين مبرر، علي قاعدة مثل شعبي يؤمنون به، يقول الحمل في الخارج والولادة في لبنان ، ولهذا المثل دلالاته في مقاربة تأزم العلاقات السورية - السعودية، وارتداداته علي الداخل اللبناني مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي، واحتمال ألا يتوافق اللبنانيون علي رئيس جديد، ما يعني الذهاب نحو حكومة انتقالية لا تعترف بها الأكثرية يقابلها رئيس منتخب لا تعترف به المعارضة. لا بد أن اللبنانيين يدركون مسبقاً بحدسهم وقراءتهم السياسية، أن عليهم تحمل مخاض الولادة فيما المولود المنتظر لن يكون حاملاً هوية لبنان وتطلعات وأحلام أبنائه. عن صحيفة الراية القطرية 15/9/2007