انتظر المعسكر المناوئ لسوريا في لبنان تلقي النظام ضربة عنيفة من الداخل, كانشقاق كبير في الجيش, فتلقي هذا المعسكر لاسيما القسم المسيحي فيه الضربة من داخل لبنان ومن رأس الكنيسة المارونية نفسه البطريرك بشارة الراعي, الذي جاءت تصريحاته ومن باريس ومن بعد لقائه مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لتمثل دعما للنظام السوري وتحذيرا من مغبة سقوطه علي أوضاع المسيحيين في لبنان, وتأكيدا لشرعية السلاح المقاوم لدي حزب الله. وفيما شكلت تصريحاته صدمة لا تستطيع قوي المعارضة(41 آذار) استيعابها حتي الآن, فقد شكلت من جانب آخر غطاء لموقف قوي الأكثرية(8 آذار) الموالي لسوريا في مواجهة المؤامرة التي تحاك ضدها حسب وجهة نظرها فمن أعلي مكانة وثقلا ومصداقية كمتحدث باسم مسيحيي لبنان من البطريرك الذي وصفت المعارضة موقفه بأنه يمثل خريف الرجل, بينما اعتبرت الأكثرية موقفه يمثل ربيع البطريرك ولبنان, في مواجهة صعود تيارات الإسلام السياسي في دول الثورات العربية الذي أثار مخاوف المسيحيين في لبنان وسوريا ودفع أغلبيتهم الي إعادة النظر في موقفهم من الثورات العربية؟ فقد جاءت مواقف البطريرك في إطار ما تشهده لبنان من هزات ارتدادية للانتفاضة الشعبية في سوريا, وتقدير المواقف لتداعياتها الإقليمية والداخلية, وتتجلي مظاهر ذلك في التظاهرات المؤيدة للنظام السوري والأخري المناوئة له, وسط مخاوف من أن تتحول هذه التظاهرات الي صدامات بين الطرفين تعيد أجواء الصراع الأهلي ولبنان ساحة للصراعات الدولية والإقليمية ولتصفية الحسابات, لاسيما مع إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري أن التطورات في المنطقة تعني أن المنطقة تتشكل من جديد.. ولبنان عنها ليس ببعيد. الأكثرية وحكومتها برئاسة نجيب ميقاتي تدعو لعدم التدخل لأن المسألة تخص الشعب السوري وليس اللبناني, ويعتبر حزب الله علي لسان نائب رئيس المجلس التنفيذي نبيل قاووق, أن المعارضة تريد لبنان منصة هجوم علي سوريا وتهرب السلاح والمال لهذا الهدف, وبلغ التحذير مدي غير مسبوق بحديث العماد ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر عن احتمال عودة القوات السورية في إشارة لتخطي قوي41 آذار الخط الأحمر, وطالت مواقف الأكثرية دولا اقليمية خاصة السعودية وتركيا واعتبرت مواقفهم أوامر عمليات ضد سوريا لإخضاعها ولإثارة النعرات الطائفية داخلها بين السنة والشيعة, وسط انتقادات عنيفة لتناقض المواقف بين تأييد مطالب سنة سوريا والتحريض ضد النظام, ودعم النظام في البحرين بالقوة العسكرية لإخماد ثورة الغالبية الشيعة ضده, وطال الهجوم زعيم قوي41 آذار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بدعوي أنه يتصرف منذ إسقاط حكومته في يناير الماضي علي قاعدة أنه ليس لديه ما يخسره أكثر من الخروج من السلطة, واعتمد سياسة النيل من الخصوم والرهان علي الخارج والمحكمة الدولية للانتقام الشخصي ممن يعتقد أنهم أخرجوه من السلطة, في إشارة الي الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. ومع تصاعد الأزمة في سوريا, اتهمت الأكثرية المعارضة بالانخراط في سياسة المحاور وجر لبنان للتورط فيها ووضعه علي مشارف صراعات عربية طاحنة قادمة, واعتبر رئيس المجلس الماروني العام وديع الخازن أن مسيحيي لبنان هم من سيدفعون ثمن سقوط النظام السوري, وقال: إن النظام السوري هو صمام الأمان للأقليات في المنطقة لاسيما المسيحيين في لبنان, في إشارة الي النهج العلماني للنظام الحاكم في سوريا, والي ما حدث في دول أخري مع صعود نفوذ التيارات الإسلامية الأصولية المتشددة. من جانبها, اعتبرت قوي41 آذار المعارضة أن دعم المطالب المشروعة للشعب السوري شرف, ويقول النائب عقاب صقر إنه اذا كان الدفاع عن دم الشعب السوري جريمة وتدخلا في الشأن السوري, فتلك جريمة شرف وهذا التدخل شرعي, معتبرا أن النظام السوري سقط سلفا بتعديل الدستور ما شكل اعترافا بالأزمة, وهذا يعني من وجهة نظره أن شكل النظام قد تغير بهذه الخطوة بغض النظر عن بقاء الأسد أو رحيله, أما النائب حسين رجال فقد شن هجوما علي عون متسائلا عما اذا كان كلام الأخير عن عودة القوات السورية كان بمثابة إبلاغ للشعب اللبناني من النظام السوري بعودته لإنقاذ نفسه من أزمته الداخلية. وفي صورة من صور ارتدادات الأزمة السورية علي لبنان, اعتبرت قوي41 آذار أن سقوط النظام السوري يترتب عليه سقوط حكومة ميقاتي, وحذرت المعارضة قوي8 آذار من جر لبنان للانخراط في معسكر النظام السوري والتماهي معه, لكن النائب أحمد فتفت يري أن سقوط النظام السوري لا يسقط حكومة ميقاتي وانما يضعفها لانقطاع الدعم السوري عنها,. وبدا أن قوي41 آذار تتسلح بدعم الأطراف العربية المناوئة للنظام السوري, وتسعي الي طمأنة اللبنانيين وتهدئة مخاوفهم من ردود الفعل والانتقام من مناصريها, ووجه الحريري رسالة للشعب ولمؤيديه, أكد فيها أن السعودية لن تترك سوريا وشعبها في مهب الريح متوقعا خطوات سعودية جديدة, وذلك وسط توقعات في الشارع المعارض لسوريا بأن السعودية توفر غطاء لحماية الطائفة السنية, الأمر الذي ألهب حماس ولغة قيادات41 آذار ضد النظام السوري وميقاتي. في هذه الأجواء بات موضوع المحكمة الدولية والقرار الاتهامي وطلبها ملاحقة المتهمين الأربعة من منسوبي حزب الله, بقتل رفيق الحريري, أداة سياسية لكل من مؤيدي ومعارضي النظام السوري, وعادت التلميحات في أوساط قوي41 آذار الي اتهام النظام السوري بالتورط في الجريمة, وحلفائه في لبنان بمحاولة التهرب بالتحصن وراء الاداء بأن الطائفة الشيعية هي المستهدفة, فيما دعت قوي8 آذار الي ضرورة محاكمة شهود الزور في التحقيقات الدولية وأدانت استمرار بقائهم خارج دائرة العدالة الحيقية لمنع كشف دوافعهم ومن حرضهم. أما لبنان الرسمي فيواجه حالة حيرة وقلق, فتصريحات الرئيس ميشال سليمان هي حسب المحللين السياسيين هنا أقرب الي التحليل السياسي وتوصيف للأوضاع, فالرجل لم يصدر عنه حيال الأزمة السورية حتي الآن سوي دعوات للبنانيين بالعمل لتحصين البلد في وجه أي تداعيات سلبية للتطورات, داعيا الي التأقلم مع ما قد تأتي به من وقائع جديدة, ومتوقعا أن تؤدي ما سماه بحركة الاعتراضات المطالبية القائمة من حولنا, الي معالجات تغلب منطق الاصلاح وإرساء قواعد الديمقراطية, معتبرا أن ما علي اللبنانيين عمله في ضوء هذه التطورات هو تطبيق اتفاق الطائف بكل بنوده واقامة الدولة المدنية, دولة المواطنة والحقوق والواجبات المتساوية. أما رئيس مجلس النواب السيد نبيه بري فقد شخص المسألة بأن ما يجري في المنطقة هو إعادة ترسيمها وأن لبنان ليس ببعيد عما يجري فيها, ويلفت بري النظر هنا الي أن هناك في مناخ صياغة شرق أوسط جديد من يدعو الي التهدئة وسط هذه التحركات والمواقف والتصريحات, ويبرز دور الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي تعتبره الأوساط السياسية أنه يتصرف كرئيس للجمهورية وليس كزعيم سياسي لحزب( الاشراكي) أو لطائفة( الدروز), حتي وان كان منطلقه هو حماية طائفة ومصالحها, فالرجل منذ اندلاع الأزمة يتعامل معها من منظور اقليمي وكجزء من صياغة جديدة للمنطقة, وتحرك في كل اتجاه وزار سوريا وتركيا وروسيا والتقي مع قادة الدول ومسئوليها في عواصم دولية وإقليمية, واتخذ كعادته موقعا وسطيا, ينطلق من مصالح لبنان ومستقبله. هل سيدخل حلف الناتو في سوريا تحت ستار منع اندلاع صراع أهلي أو طائفي في سوريا, بعد أن تحرر الحلف من الانتقادات التي تعرض لها في حالة ليبيا بسقوط القذافي؟.. هذا هو السؤال المطروح الآن في الأوساط السياسية اللبنانية ضمن أسئلة أخري كبيرة, وهناك من يستبعد ذلك كون الحالة السورية أكثر تعقيدا من حالة ليبيا بسبب الاحتلال الاسرائيلي لأرض سوريا( الجولان) ومصالح للغرب في لبنان تتعرض للخطر, وأوضاع المسيحيين ستسوء, وهناك من لا يستبعد ذلك لتخفيف الضغوط علي اسرائيل ولإخراجها من وضعها الاستراتيجي الصعب بسقوط النظام المصري السابق وذلك بإيجاد بؤر توتر جديدة في العالم العربي لاشغال العرب بها في تكرار لسيناريو ما بعد انتصار أكتوبر3791 بصورة أخري, والذي عكس اهتمام الغرب بمصالحه ومصالح إسرائيل أولا وأخيرا, فالغرب لا يهمه مسيحيي لبنان إلا بقدر استخدامهم ورقة ضغط وابتزاز فقط.. لكن الطرفين لا يستبعدان تدخل الناتو في حالة ما اطمأن الي أن جميع ردود الأفعال تحت السيطرة؟! وإذا تجاوز معضلة عدم وجود القدرة والرغبة علي التدخل في سوريا حتي الآن. تتميز السياسة والسياسيون في لبنان بالتحول المنطقي, وبوجود المبررات الجاهزة, ومن ثم القدرة علي التكيف, فأعداء سوريا في لبنان اليوم هم حلفاؤها وقت الوجود السوري في لبنان قبل5002, فلم يتعاملوا مع سوريا خلال وجودها كدولة محتلة كما يصفونها اليوم, وباتوا جزءا من المعارضة السورية للنظام في الخارج بعد خروجها؟, وبعض حلفاء سوريا في لبنان اليوم كانوا أعلنوا الحرب عليها وقاوموا وجودها في لبنان ووصفوه بأنه احتلال؟!ومن ثم سؤال مثل ما هو مستقبل حلفاء سوريا في لبنان في حالة اسقاط النظام؟ ليس سؤالا كبيرا ولا صعبا في اختبارات السياسة اللبنانية. حتي الآن ليس من اقتراح للتعامل مع التصعيد الدولي ضد سوريا واحتمالات النجاح في اسقاط النظام وارتدادته علي لبنان سوي اقتراح بعض القوي السياسية المستقلة اسقالة حكومة نجيب ميقاتي الموصوفة بأنها حكومة سوريا وحزب الله واعلانها حكومة تصريف تجنبا لارتدادات عنيفة ورفعا للحرج عن لبنان, فيما انشغلت الأوساط السياسية برسم أشكال مختلفة لصور التحالف السياسية الجديدة؟ تتراوح وجهات النظر إذن حيال ما يجري في سوريا, فهناك مؤيد للنظام ومعالجته للأزمة, وهناك مؤيد للحركة الشعبية وقسم ثالث استعاض عن التصريح بالتغطية الإعلامية عبر قنواته الفضائية, فيما رفعت السلطات درجة الاستعداد علي طول الحدود لاسيما مع استمرار قدوم مواطنين سوريين من القري الحدودية الي لبنان هربا من المواجهات المسلحة, وحتي ذلك تتباين وجهات النظر بشأن التعاطي معه بين وجهة نظر تعتبرهم لاجئين, وأخري تعتبرهم ضيوفا لظروف طارئة, وغالبية اللبنانيين يتمنون أن يتقدم النظام السوري سريعا علي طريق الإصلاح كضرورة حياة لأنه حتي الطائفية السياسية قلقة لأنها تعرف أن استقرار سوريا ضمان للنظام السياسي الطائفي الحاكم في لبنان؟!!.. والذي تبدي دول اهتماما بنظامه( الطائفي) أكثر مما تهتم بشعبه. من اللافت في مواقف بعض التيارات السياسية اللبنانية, أنها تهتم بحقوق الإنسان السوري والحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة في سوريا, ولا تهتم بذلك في لبنان وتتمسك بالنظام الطائفي ولا تهتم بتعديله ولا بمطالب الشعب بإلغائه, بل وساهمت في عدم إنجاح الحوار الوطني اللبناني, كما أن هناك تيارات أخري قلقة لأن الاضطراب في سوريا يهدد مصالحها ومكتسباتها الطائفية؟!