كلمة السر للخلاص: إعادة الاعتبار للمشروع الوطني هاني المصري يكفي الفلسطينيين المتقاتلين عاراً وخزياً فضيحة فرار حوالي 200 من عائلة حلس ومن أهالي حي الشجاعية الى إسرائيل التي استقبلتهم باعتقال زعيمهم وإطلاق الرصاص عليهم؛ ما أدى الى سقوط أربعة قتلى منهم، وبتعريتهم من ملابسهم باستثناء ملابسهم الداخلية على مرأى ومسمع من العالم كله، الى ان صدر القرار الإسرائيلي الذي سمح لهم بالبقاء وبعد ذلك حرية الذهاب الى رام الله أو العودة الى غزة، ونقل الجرحى الى المستشفيات الإسرائيلية. السؤال هو: ليس لماذا هربوا الى العدو ؟؟ وإنما لماذا نشأ وضع يضطرهم الى الهرب الى العدو؟ وما يعنيه ذلك من إنهم يعتقدون ان الاحتلال بات ارحم عليهم من بني جلدتهم وأشقائهم!! وفي الوقت الذي كنا فيه بانتظار إطلاق الحوار الوطني الشامل، وقعت جريمة شاطئ غزة، وأطلقت الاتهامات والاتهامات المضادة، وشنت الحملات والحملات المضادة في غزة والضفة الغربية، ثم وقعت "الحملة الأمنية" على حي الشجاعية التي تدل على ان سلطة "حماس" رغم أنها أدركت أنها تعيش في مأزق بعد ان توصلت الى تهدئة مقابل تهدئة دون رفع الحصار وفتح الحدود والمعابر، ودون الحصول على الشرعية الإسرائيلية والعربية والدولية، اختارت بدلا من تليين موقفها إزاء الحوار والمصالحة الوطنية الهروب للإمام وقمع خصومها وتعزيز سيطرتها على قطاع غزة، لأنها لا تزال تراهن على ان الوقت يعمل لصالحها. ان أي وحدة الآن تعني ان "حماس" مطالبة بإنهاء سيطرتها على قطاع غزة، قبل أو أثناء أو بعد الحوار بدون ان تضمن شراكة حقيقية في السلطة والمنظمة والقرار الفلسطيني، في حين ان الوحدة إذا قامت بعد ستة اشهر أو عام يمكن ان تمكنها من الحفاظ على سيطرتها على قطاع غزة والمشاركة في السلطة في رام لله تمهيدا للمشاركة في المنظمة. ف"حماس" تريد ان تعزز سلطتها في غزة الى درجة يصبح معها إنهاء هذه السلطة عمليا مستحيلا حتى لو تم الاتفاق على ذلك في إطار اتفاق وطني شامل يعقد برعاية عربية، أما إذا كانت "حماس" و"فتح" تريدان تحقيق المصلحة الوطنية وليس مصالحهما الفئوية، لتوقفا عن الاقتتال على سلطة تحت الاحتلال ووافقا على برنامج وطني يقوم على شراكة وطنية تعطي لكل ذي حق حقه بدون، هيمنة ولا تفرد ولا إقصاء ولا تخوين ولا تكفير. ف"حماس" لا تزال تراهن، رغم ان رهانها على التهدئة أوصلها ان تكون حارسا للاحتلال دون رفع الحصار، على استمرار فشل المفاوضات الذي تعتقد أنه سيصب في مصلحتها، كما تراهن على فوائد ذهاب اولمرت ورحيل بوش وعلى التغييرات الإقليمية والدولية المتوقعة خصوصا ان "فتح" غريمتها ومنافسها الرئيسي، لم تستطع حتى الآن، ان تلملم شتات نفسها بعد الهزائم التي لحقتها في الانتخابات التشريعية، وفي معركة السيطرة على غزة. ويخطئ من يعتقد ان "حماس" تريد إمارة إسلامية في غزة فقط، وإنما تنظر الى غزة كنقطة انطلاق للسيطرة على كل الأراضي المحتلة، وعلى المنظمة والقرار الفلسطيني للتفاوض بعد ذلك مع إسرائيل أو للتحارب معها من موقع مختلف. في هذا السياق نضع التهديد الذي أطلقته "حماس" مرتين خلال الأسبوع الماضي بان ما حدث في غزة من حسم أدى الى سيطرة "حماس" سيحصل في الضفة. أما السلطة فأنها لا تزال تراهن على المفاوضات رغم اتضاح إنها تراهن على حصان ميت، كما تراهن على سقوط سلطة "حماس" تحت الحصار، كما أخذت تراهن على سورية، وعلى أن تطور المفاوضات السورية الإسرائيلية سيجعل سورية تبتعد عن "حماس" وتقترب من السلطة. ان "حماس" التي تهدد بالحسم العسكري بالضفة تنسى ان استخدام العنف بحل الخلافات الداخلية مدان ومرفوض مهما كانت المبررات، لأنه مدمر للقضية الفلسطينية، ومدمر ل"حماس" أيضا وتنسى "حماس" ان واقع الضفة مختلف تماما وذلك للأسباب التالية: أولا: ان الاحتلال لا يمكن ان يسمح بسيطرة "حماس" في الضفة قبل ان تستطيع إسرائيل ان تعقد صفقة مع "حماس". وثمن هذه الصفقة غال جدا اشك بقدرة "حماس" على دفعه.إذا كانت إسرائيل لم تستطع ان تتعامل مع سلطة برئاسة أبو مازن وسلام فياض فكيف ستتعامل مع سلطة تقودها "حماس". مطلوب من "حماس" ان تعترف بإسرائيل، بل بحقها بالوجود أيضا، وأنها دولة يهودية، ونبذ العنف والإرهاب، والالتزام بالاتفاقات التي عقدتها المنظمة مع إسرائيل. ومطلوب من "حماس"، وهذا هو الأهم والرئيسي ان توافق ان تكون سيطرتها القادمة على البقايا التي سيتركها الاحتلال في الضفة، وهي المناطق الآهلة بالسكان والتي تشكل 40%. فهل بمقدور "حماس" أن توافق على مثل هذه الصفقة. ثانيا: ان تواجد السلطة وحركة فتح في الضفة هو الملاذ الأخير، لذلك لن تتنازل أو تهزم بسهولة بل ستقاتل قتالا جديا. وما يعطي لهذا العامل أهمية ان السلطة من أكثر من عام تشن حربا لا هوادة على حركة حماس وبنيتها التحتية في الضفة، لا تقل ضراوة عن الحملة التي تشنها إسرائيل عليها. ثالثا: ان العناصر والقوى والجماعات في "فتح" وخارج "فتح"، وفي أوساط المستقلين الذين دعموا"حماس" في الانتخابات الأخيرة. أو وقفوا على الحياد في المعارك التي تلتها، باتت تخاف من نموذج السلطة التي تفرضه "حماس" في غزة، ويمكن ان تفرضه في الضفة إذا سيطرت عليها "حماس"، لذا فان قسما واسعا من هذه المعسكر أصبح في المعسكر المناهض ل"حماس"، وان لم يقف بالضرورة في معسكر "فتح". أحد عشر قتيلا و107 جرحى و200 معتقل وحوالي 200 من الفارين الى إسرائيل والدمار الذي لحق في البيوت والنفوس لا تكفي لإشعال كل الأضواء الحمراء، لان الصراع ما دام صراعا على السلطة تحت الاحتلال سيبقى مستمرا حتى تنتصر احدى القوتين أو تظهر قوة ثالثة قادرة على استلام زمام الأمور، وسيبقى هذا الحال على هذا المنوال حتى تتم إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني الذي يبدو انه الغائب الأكبر. لقد تمت التضحية بهذا المشروع على مذبح اتفاق اوسلو وملحقاته التي نصت على الفلسطينيين التخلي عن المقاومة وبعثرة كافة أوراق القوى والضغط التي يملكونها، بينما احتفظت إسرائيل بحقها باستخدام القوة والعدوان والتوسع الاستيطان واستكمال سياسة فرض الحقائق على الأراضي بمعدلات اكبر وأسرع من أي فترة سابقة. بدون إعادة الحياة للمشروع الوطني، لا يمكن ان تبرز الحاجة الماسة للوحدة الوطنية، ولا يمكن ان يصبح المشروع الوطني سيد الموقف بدون اعتماد خيار المقاومة المستند الى برنامج سياسي وطني واقعي ديمقراطي قادر على دحر الاحتلال وتحقيق الحرية والعودة والاستقلال، وليس الذي يستخدم المقاومة كأداة في صالح مشروع فئوي فالمقاومة توحد والسلطة تفرق!!!. عن صحيفة الايام الفلسطينية 5/8/2008