إيران والخليج أزمة عابرة أم مقيمة؟ د. محمد الرميحي العلاقات الخليجية - الإيرانية تحتاج لإدارتها عقلا باردا حصيفا غير متشنج من الطرفين، يقف على أسس ثابتة من المبادئ ، منها أن إيران من جهة، والعرب من جهة أخرى في هذا الخليج يظلون جيراننا، كما كانوا في الماضي ، وكما هم في المستقبل والمسافة الجغرافية والإنسانية ليست خيارا لأي منهم، وبالتالي فان البحث عن شراكة حقيقية ودائمة ، قائمة على المعرفة الحقة بالآخر، تعلي من قيم الاحترام المتبادل القائم على القانون الدولي والمصالح المشتركة ، هي مهمة الطرفين. هناك خلافات في وجهات النظر في أمور سياسية، وهي خلافات طبيعية تحدث حتى في المجتمع الواحد، لا يجب وليس بالضرورة ، أن تتحول هذه الخلافات إلى مرحلة صراع تبدأ باردة وقد تنتهي لا سمح الله بسخونة، يدفع ثمنها شعوب المنطقة، كما حدث إبان ثمانينيات القرن الماضي، وقد شهد جيلنا على الأكلاف الباهظة التي دفعت إنسانيا واقتصاديا ، في ذلك الصراع الذي اندلع بين إيران والعراق، ومازلنا جميعا ندفع أثمانا متأخرة له، ولا يجب أيضا أن تترك للشارع بما يتصف به من عاطفة جياشة، ليرسم أجندة العلاقة المعقدة بين الجيران. هناك حقائق لا يمكن القفز عليها يعرفها العقلاء في الطرفين، منها أن استقرار منطقة الخليج ليس حيويا لأبناء المنطقة ككل، عربا وإيرانيين فقط، ولكن أيضا هو حيوي للتنمية العالمية، فالمنطقة تعوم على بحيرة نفطية هي مصدر الطاقة العالمي، وأي خلل في مصدر تدفق هذه الطاقة أو أي تعطيل لها يصيب النمو العالمي في مقتل، وتتضرر به مصالح عظمى لدول كثيرة. الاستخفاف بهذه الحقيقة هي لعب في المجهول واستجلاب للمخاطر. أما الحقيقة الأخرى الثابتة فهي أن تقليل النمو الاقتصادي أو بطئه في كلا الجانبين يزيد من احتمال التوترات السياسية المختلفة داخليا، مذهبية أو عرقية أو غيرها من أشكال التوترات، والعكس صحيح فان التنمية بمعناها الشامل تقلل من التوترات السياسية وتقرب الشعوب والحكومات إلى وضع مريح يسهل فيه استخدام العقل واستبعاد العاطفة. أما الحقيقة الثالثة والثابتة فان اكلاف الصراع الساخن هي من الضخامة والقسوة ما تتضاءل معه أية أرباح أو منافع متوقعة من هكذا صراع. بعد هذه المقدمة السريعة نجد أن الضجة التي سادت من احتمال حصول دول الخليج على سلاح متقدم، وربط ذلك بتوجه خفي تجاه إيران، هي ضجة لا تتناسب مع الحقائق الموضوعية. صحيح انه نقل عن كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية، أن تلك الأسلحة هي لمواجهة إيران وسوريا وحزب الله، إلا أن الصحيح أيضا أن ذلك تفسير أميركي، لا يستطيع احد أن ينسبه إلى مصدر عربي في الخليج. وهو ربما للاستهلاك الداخلي الأميركي، وربما لأسباب أخرى. إلا أن مبدأ الحصول على سلاح، هو مبدأ مستقر في العرف الدولي، وقد أعلنت دول الخليج أكثر من مرة أن من حق إيران غير المنازع أن تتسلح، وحتى تحصل على القوة النووية من اجل الاستخدام السلمي، هو ما تريده إيران وتعلن عنه. إذن موضوع التسلح يجب ألا يشكل خلافا مستعصيا وهو بالضرورة لا يترك للتعليقات الساخنة والعدائية. الموضوع الآخر هو الوضع في كل من العراق ولبنان ( حزب الله) وهو أمر به وجهات نظر مختلفة. منها أن الوضع برمته يجب ألا يخرج من الخلاف السياسي إلى الخلاف المذهبي، حيث إن وقع ذلك، دخل الجميع في مستنقع (المذهبية) التي لا يخرج منها احد سليما معافى، وتاريخ الصراعات العربية السابقة، لمن يريد أن يعرف تغنينا بالأمثلة التي تدلل دون ريب أن الخسارة فادحة للجميع من جهة، وأنه لا يوجد منتصر في مثل تلك الصراعات المبنية على المذهبية، وقد جلب ذلك الصراع العبثي من المفاسد ما ملأ كتب التاريخ من جهة، والمقابر من جهة أخرى. كما انه في التاريخ الأوروبي نجد نفس النتائج فقد ولجت المجتمعات الأوروبية المسيحية، بسبب خلاف مذهبي، في أتون حروب استمرت لعقود طويلة. إلا أن أثمان ذاك النوع من الصراع أفدح. في القرن الواحد والعشرين الذي عرف العقل الإنساني فيه قيمة وأهمية التعددية واحترام الاختلاف ومعرفة أفضل بالآخر، وفي وقت يتحدث العقلاء عن (تحالف حضارات) فان المبدأ الأول الذي عرفته الإنسانية من كل ذاك هو احتمال الخطأ لدى البشر، و المقابل له في حقوق الإنسان هو التسامح وقبول الآخر، وأولى أن نقبل الخلاف في الفروع ونعتبرها ثراء لحضارتنا.. الأكثر فداحة في صراع كلا المكانين ( العراق ولبنان) أن الفوضى من جراء الاندفاع مع العاطفة في ثوب سياسي، هو أن النتائج النهائية سوف تعطل الأطراف جميعها عن التنمية وقد تعود بالسوء على المشاركين. فلا فوضى لبنانية دون أن تُسمع في الجوار، ولا فوضى عراقية دون أن يكون لها نفس النتيجة. من جهة أخرى ما يجمع الإيرانيين بالعرب من هوامش هو أكثر مما يفرقهم، إذا كان لإيران اجتهاد سياسي في كيفية إدارة شؤونهم، فذلك حق لا ينازعهم احد فيه. إلا أن ما يجمعهم هو كثير. هناك الدين، وان اختلفت تفسيرات بعض طقوسه الفرعية، إلا أنهم يصومون ويتعبدون ويحجون إلى بيت الله جميعا وتقريبا بنفس الطقوس، كما ان القيم الثابتة في الإسلام والعامة هي مشتركة. ومن نقطة الانطلاق تلك فان اللغة العربية هي حاجة للتعبد الإسلامي، وكثير من أهل السلطة في إيران اليوم يعرفون لغة الدين حق المعرفة، فلا جدال حول الفهم الخاطئ. فوق ذاك هناك مصالح اقتصادية جمة تجمع الطرفين، وقد نقلت لنا الأنباء مؤخرا، أن اكبر سجادة صنعت في العالم هي في إيران لصالح مسجد المرحوم الشيخ زايد بن سلطان في ابوظبي. من الضروري إذن بعد هذا الاستعراض السريع أن يبحث عن سلة توافق إقليمي تحفظ لكل حقه مع لجم العاطفة التي تحشد الناس في الاتجاه الخطأ، تلبية لسياسي متسرع أو رجل سلطة غافل، أو مصالح آنية، من اجل الدفع بالعلاقات الإيرانية العربية والخليجية إلى مأزق، يعجزها عن النظر إلى مخاطر عظيمة والانزلاق إلى صراع عبثي، يستنزف الطاقات دون طائل. عن صحيفة الوطن القطرية 7/8/2007