محافظ الغربية يتابع أعمال توريد القمح بشونة محلة أبو علي    بدء التوقيت الصيفي فى مصر 2024 .. تغيير الساعة الليلة    «بحوث الصحراء» يكشف مشروعا عملاقا في سيناء لزراعة نصف مليون فدان    نائب محافظ البحيرة: تركيب إنترلوك بمنطقة السنوسي بحوش عيسى بتكلفة 2 مليون و 400 ألف جنيه    وزارة التخطيط تشارك في المنتدى الأفريقي للتنمية المستدامة بأديس أبابا    مسؤول أمريكي: بيان مرتقب من واشنطن و17 دولة أخرى لإطلاق سراح المحتجزين بغزة    الرئيس الفلسطيني يؤكد لنظيره الفنلندي ضرورة الإسراع في وقف إطلاق النار بغزة    ممثلة الرئيس الأوكراني في القرم: نكافح لاستعادة أراضينا    فائز ببطولة الفروسية للناشئين على هامش «البطولة العسكرية»: منبهر ب«نادي العاصمة»    فينيسيوس يقود قائمة ريال مدريد لمواجهة سوسيداد بالدوري الإسباني    رئيس اتحاد الجودو: الدولة المصرية لا تدخر جهدًا لدعم الرياضة    انتقاما من أسرتها.. مصرع فتاة حرقا بسبب خلافات الجيرة بالفيوم    خطوات تحميل امتحانات دراسات الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني pdf.. «التعليم» توضح    ريهام عبد الغفور عن تكريم المسرح القومي لاسم والداها: سيرتك حلوة وأثرك طيب    أول تعليق من منى زكي بعد فوز فيلمها «رحلة 404» في مهرجان أسوان    لقاء عن التراث الشعبي واستمرار ورش ملتقى فتيات «أهل مصر» بمطروح    احتفالا بذكرى تحريرها.. المطرب مينا عطا يطرح كليب "سيناء"    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    تاريخ موعد عيد الأضحى في مصر فلكيًا مدفوعة الأجر للموظفين 2024    "حزب الله" يستهدف جنودا إسرائيليين في محيط موقع الضهيرة    مدرب الترجي: سنعمل على تعطيل القوة لدى صن داونز.. وهدفنا الوصول لنهائي إفريقيا    رئيس جامعة قناة السويس يُعلن انطلاق أكبر حملة تشجير بجميع الكليات    رئيس بيلاروس يحذر من كارثة نووية حال تواصل الضغوط الغربية على روسيا    تفاصيل الاجتماع المشترك بين "الصحفيين" و"المهن التمثيلية" ونواب بشأن أزمة تغطية جنازات المشاهير    بلغ من العمر عتياً.. مسن ينهى حياة زوجته بعصا خشبية بقرية البياضية بالمنيا    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    حسام المندوه يعقد جلسة مع جوميز في مطار القاهرة | تفاصيل    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    مصر تنافس على ذهبيتين وبرونزيتين في أول أيام بطولة أفريقيا للجودو    بشرى للسيدات.. استحداث وثيقة تأمين على الطلاق يتحمل الزوج رسومها كاملة    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسى بعيد تحرير سيناء    هشام الحلبي: إرادة المصريين لم تنكسر بعد حرب 67    محافظ شمال سيناء: كل المرافق في رفح الجديدة مجانًا وغير مضافة على تكلفة الوحدة السكنية    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. إيقاف قيد الزمالك وبقاء تشافي مع برشلونة وحلم ليفربول يتبخر    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخاوف في اليمن من انتقال عدوى شهوة القتل الجماعي إلى البلاد
نشر في المصريون يوم 08 - 12 - 2010

عزّز إعلان تنظيم القاعدة في اليمن، مسؤوليته عن استهداف تجمُّعات للحوثيين الشيعة مؤخرا بسيارتيْن مفخَّختيْن، مخاوف اليمنيين من أن تتحول بلادهم إلى ساحات إفراغ لشهوة القتل الجماعي بدوافع مذهبية وطائفية، على غِرار ما يجري في العراق بين السُنّة والشيعة، يقضي على تعايُشهم المذهبي الذي استمر لقرون.
فلأول مرة، تستهدِف عمليات انتحارية تجمُّعات للسكان، دوافعها الأساسية مذهبِية. العملية الأولى، هجوم انتحاري بسيارة مفخَّخة، استهدف موكِبا للشيعة الزيدية كانوا يتهيَّؤون للإحتفال بيوم الغدير في منطقة الجُوف، أسفر عن مقتل 23 وجرح آخرين، ولحقه اعتداء انتحاري مُماثل، استهدف موكِبا لزعماء قبليِّين كانوا متوجِّهين للمشاركة في تشييع الزعيم الروحي للمتمرِّدين الحوثيين بدر الدّين الحوثي، وأدى إلى مقتل شخص وجرح ثمانية.
وأعلن ما يُسمى "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب واليمن" في بيان له، تنفيذ الهجوميْن متوعِّدا بتنفيذ المزيد ضدّ مَن يُسمّيهم بالروافض، مُردِفا ذلك بأنه شكل وِحدة خاصة لحماية إخوانهم من السُنة وأن أعضاء تلك الوِحدة بصَدد القيام بالمزيد من تلك العمليات.
"مرحلة التسامح المذهبي"
وتُعدّ هاتان العمليتان، الأولى من نوعها والتي يُعلن منفِّذوها صراحة أن دوافعها مذهبية مَحضة في بلدٍ عُرف بتعايُش مذاهبه الثلاثة، المذهب الشافعي سُنّي (حوالي73% من السكان) والشيعي الزيدي (26% من السكان وحوالي 1% شيعة إسماعيلية). فلم تشهد البلاد منذ أمَد طويل قتْلا جماعيا على خلفيات مذهبية أو للدِّفاع عن المذهب، نظرا لضيق نِقاط الخلاف بين المذهبيْن، السُنِّي الشافعي والشيعي الزّيدي، التي تختلف عن بقية المذاهب الشيعية الأخرى، وحتى الأقلية الإسماعيلية، ظلّ أتباعُها يمارسون شعائرهم دون أن يتعرّضوا لأي مضايقات فردية أو جماعية من قِبل أتباع المذهبيْن الآخريْن، رغم التبايُن الكبير بينهم وبين السُنّة الشافعية والشيعة الزيدية في بعض المسائل، بل خلال حُكم الدولة الصليحية الإسماعيلية، التي امتدّت فترة حُكمها من 438 إلى 532 هجرية (1047 - 1138 ميلادية)، انتشرت كل المذاهب إلى درجة أن المؤرِّخين يصِفون تلك الدولة بأنها سيطرت سياسيا ولم تُسيطر مذهبيا، وغالبا ما يذهبون إلى نعْت تلك المرحلة بمرحلة التسامُح المذهبي.
وفيما يخص العلاقة بين المذهبيْن الآخريْن، السُني الشافعي والشيعة الزيدية، فقد غلب عليهما التعايش والقبول المتبادَل، وإن شابهما في بعض المراحل التاريخية صِراعات وتوتُّرات بين الكيانات السياسية التي كانت تمثلها (دول وسلطنات). وتلك الصراعات كانت تحرِّكها وتغذِّيها، إما مطامح التوسُّع أو المخاوف من العدوان. ويرصد المؤرِّخون طُغيان الهَمّ السياسي على المذهبي بين الدويلات المتعاقِبة على البلاد، نتيجة لتعادل موازين القِوى ونتيجة لعدم رفْض الإمامة الزيدية لخلافة الصحابة عمر وأبوبكر وعثمان، على خِلاف الفِرَق الشيعية الأخرى.
فقد كرّست الزيدية مبدأ جواز تقديم المفضل (أبو بكر وعمر وعثمان) على الفاضل (علي)، وهذا لتفسير حسْم الإمام زيد نظريا هذه النقطة الخلافية المركزية بين الشيعة والسُنة، ما جعل مذهبه أقرب المذاهب السُنية، كما يذهب إلى ذلك كثير من رجال الدِّين، وتَكرَّس ذلك التقارب عمليا في الحالة اليمنية، التي عرفت على مَرِّ العصور تعايُشا مذهبِيا، جنَّبها الصِّراع التاريخي، شيعة وسُنة.
صراع اجتماعي لا مذهبي
وإذا ما كان يبرز بين فترة وأخرى صراع بين المُكوِّن الاجتماعي اليمني، فإن باعثه في الغالب الأعَم لم يكن مذهبِيا، نظرا لمحدودية نقاط الاختلاف بين الفريقيْن، التي ظلّت تُغذّي الإنقسام بين شيعة وسُنة، لكن في الحالة اليمنية، غالبا ما كان الصِّراع سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، ثم يتطوّر إلى استحضار البُعد المذهبي تاليا، نظرا لحسم نقاط الخلاف الرئيسية التي ظلّت تُغذِّي توتُّر العلاقات (سُنّة – شيعة) في الحقل الدِّيني في البلدان الإسلامية التي تُعاني من هذه الإنقسامية الثنائية، والتي وصلت حدّ الفصْل بين دور العِبادة والحوزات والمساجد، فصلا واقعيا ومؤسسيا.
لكن في اليمن، وبسبب حسم النقطة الخلافية تلك، لم يظهر الفصل في دور العبادة وبقيت المساجد التي يتوجّه إليها اليمنيون لأداء شعائرهم، واحدة على مَرّ الزمن. غير أنه في العقود الثلاثة الأخيرة، حدث تحَوُّل ضرب هذا التوازُن في الصميم، بعد دخول الوهابية السلفية إلى اليمن بحجّة أنها تصحيح لتشوُّهات الممارسة الدِّينية، فيما كانت في الأساس تبلور توجّها جديدا ضدّ كل المذاهب، ولقيت في الترويج لدعوتها تشجيعا ودعْما إقليميا من المملكة السعودية.
وداخليا، حظيت برعايةٍ ساعدَت على انتِشار الفكر السَّلفي الوهَّابي، الذي يزعم أصحابه أنه عودة إلى جوهر الإسلام النقِي وتخليص له من كل الانحرافات التي شابَته، وتعمَّقت بذلك خلافاته مع جميع المذاهِب، خصوصا أنها وجدت تجاوُبا داخليا، ليس من أجل تخفيف حدّة السيطرة المذهبية التي كانت تفرضها الفئة المُهيْمنة من الهاشميين على المجتمع، وإنما نتيجة لسَطوة سيْطرة هذه الفئة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، فالتقت بذلك التطلّعات السعودية لتعميم النموذج الوهّابي مع رغبات داخلية، للتخلُّص من تلك السيْطرة.
شيعة "الإثنى عشرية"
من جهة أخرى، أدى وجود متعهِّدين داخليين متعطِّشين للمال وجمْع الثروة، إلى توسيع قاعدة المشتغِلين على الدِّين، بالطريقة التي تجلُب أكبر قدْر من المنفعة والمردودية المادية والرمزية. وبذلك، فالتحول نحْو الوهَّابية في المجتمع اليمني، لم يُخلّ بالتعايُش المذهبي بين الزيدية والسُنة فحسب، بل أسّس لبوادر صِراع باستنفاره للشيعة الزيديين، الذين أخذوا يفتِّشون لهم عن سَنَد خارجي، للحفاظ على مذهَبهم، يحْدوهم في ذلك خذلان السلطات اليمنية لهم، بتشجيعها انتِشار الوهّابية على حِساب وجودهم التاريخي والثقافي، ولم يكن ذلك السَّند سِوى إيران، التي يبدو أنها داخلة بقوة من خلال تمثل كلّ دلالاتها ورموز تشيُّعِها من قِبل زيدية اليمن، إلى الحدّ الذي دفع البعض إلى تصنيفهم، خاصة في ظل التوتر الشيعي السُني، بقُطبيْه الإيراني والسعودي، على اعتبار أنهم من الشيعة "الإثنى عشريين"، عندما يقومون بتمثل وإحياء كل الطقوس التي لم تكُن ضمن طقوس زيدية اليمن، كالإحتفال بعيد الغدير الذي استهدفه تنظيم القاعدة مؤخرا.
مشروعية الاحتفال!
يثور خلاف بشأن مشروعية الاحتفال بهذه المناسبة. فالمتشدِّدون يروْنَه بِدْعة ضالّة، فيما المنظمات الحقوقية، ترى أنه حقّ من حقوق الطائفة الشيعية يكفله الدستور والقوانين، وهناك مَن يرى أن الاحتفال بهذه المناسبة، لم يكن مألوفا في تاريخ الشيعة الزيدية اليمنية، وأنه وافد جديد يحمِل بصمات تحوّل زيدية اليمن إلى الإثنى عشرية وأن إبراز هذه المناسبة، ليس إلا تأكيدا على رفض شرعية خلافة (أبوبكر وعمر وعثمان) وأنها انتُزِعت من علي بن أبي طالب، وِفقا لما يُقال إنها وصِية النبي محمد (ص) في غدير خم، الذي يحتفلون به في كل ما يُعدّ تنكُّرا للمبدإ الذي كرّسه الإمام زيد.
وفي هذا الإطار، يرصُد المتابع منذ الاتجاه، لإحياء هذه الذكرى عند الشيعة خلال السِت سنوات الأخيرة، ضيقا وتململا لدى العديد من الأوساط الدِّينية والمذهبية، لاسيما من الدلالات والمعاني التي تحاول إبرازها خلال الإحتفالية في هذه المناسبة من ناحية، ومن تكثيف الحشود المسلحة لأتباع الحوثي من ناحية أخرى، وكلها تُعتَبر من وجهة نظر مُخالفيهم، استِفزازا وتضمينا لأحقاد وضغائِن يستدعونها ويستحضرونا للتحريض والتَّعبِئة ضد الآخرين في مظاهر يغلُب عليها استعراض القوة، ما يؤدّي إلى بثّ المخاوف لدى الآخرين.
التجاذب المذهبي
الأمر الآخر، أن الظاهرة الحوثية عرفت في الفترة الأخيرة، وتحديدا منذ توقّف الحرب السادسة، تمدّدا واضحا تعدّى النطاق التقليدي للزيدية في صعدة إلى محافظة الجوف، وتحديدا في بعض المناطق التي كانت تُصنَّف تاريخيا بأنها سُنية أو أنها خلال العقود الثلاثة الأخيرة قد تحوّلت إلى الوهّابية، نتيجة لانتشار السلفية المدعومة من السعودية ومن بعض الأطراف في السلطة اليمنية، ولذلك، فإن إعادة انتشار الزيدية بنُسختها الجديدة الحوثية، وفي ظرفية تشهد استفحال الخلاف الشيعي السُنّي في المنطقة العربية لابدّ أن يصطدم بمنطقة التماس، لاسيما في هذه الظرفية التي يطغى عليها التجاذب المذهبي منذ غزْو العراق وبروز إيران كدولة راعية وداعِمة للتيارات الشيعية، التي استعادت حيويتها وحضورها في كثير من البلدان العربية.
تلك على ما يبدو، خلفية المشهد المذهبي اليمني بمؤثِّراته الخارجية وتفاعلاته الداخلية التي عزّزت مخاوف الكثير من اليمنيين من مُواجهات مذهبية مُحتملة تقوم على القتل الجماعي، ولذلك، يرى المراقبون في استهداف الشيعة من قِبل تنظيم القاعدة في هذه الظروف التي يغلب عليها الصِّراع الطائفي المذهبي، سُنّة شيعة، نذير شُؤْم لبداية حرب طائفية قد ينبري لها المتطرِّفون والمتشددون في كلا المذهبيْن ويخوضونها باسمهما ونيابة عنهما من خلال استنفار كل موروثات الخلافات القديمة واستفزاز كل بواعِث الصِّراع، التي ظلّت شِبه مُنعدِمة أصلا. وتزداد الخِشية من أن تصبح جبهة الصراع المذهبي، ميْدان رِهان سياسي للسياسيين، سواء كانوا في السلطة أو المعارضة أو للمستقلين منهم الذين يصدرون في التعاطي مع كل القضايا من مُنطلقات وحسابات سياسية وأيدلوجية.
خطر القتل الجماعي
لكن مع ذلك، هناك من يقلِّل من المراقبين والمتابعين من خطر القتْل الجماعي، لأسباب مذهبِية مثلما دشَّنته "قاعدة الجهاد في الجزيرة واليمن" ويرون أن القاعدة قامت فقط بمجرّد عمل تحذيري للحوثيين، بعد أن قاموا في شهر نوفمبر الماضي بالقبْض على خمسة من أعضاء التنظيم وسلَّموهم للحكومة اليمنية.
ويذهب أولئك المحلِّلون إلى أن القاعدة، ربما أرادت فقط بإقدامها على الهجوميْن أن تذكِّر السُنة في اليمن بأنهم يخوضون حربا بإسمهم، بعد أن نَسُوهم أو تناسَوْهم في الآونة الأخيرة، وأنهم بذلك أرادوا فقط كسْب تعاطُف بعض المتشدِّدين السُنة وبعض القبائل التي كانت طَرَفا في الحرب ضدّ الإرهاب أو ضدّ الحوثيين والتي تضرّرت من الحروب الستة مع المتمرِّدين.
ولذلك، يرى البعص أنهم بادروا إلى تنفيذ مثل تلك الأعمال، بعد أن زادت النِّقمة والسّخط عليهم وسَط الرأي العام، جرّاء الأعمال الإرهابية التي يقومون بها والتي بدأت تعزِّز قناعات قِطاع واسع من اليمنيين بأنها أعمال تلتقي وتخدِم مصالح بعض الأطراف الخارجية، التي تريد أن تبرِّر تواجُدها في المنطقة بحجَُّة محاربة الإرهاب، فضلا على أنها نفذت في الفترة الأخيرة عمليات قتْل ضدّ ضبّاط وجنود داخل الأسواق العامة، واحتجزت عددا منهم وعذّبتهم بطريقة بَشِعة، ما وسَّع من قاعدة السّخط الاجتماعي عليهم.
وفي هذا الصدد يذهب أصحاب هذا التفسير إلى أن النِّقمة على ممارسات هذه الجماعة تزايدت وسط القبائل المنتشِرة في المناطق التي تتركز فيها مجاميع تنظيم القاعدة، بعد تعرّضها في الأشهر الماضية لضربات جوية وعانت من المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية وعناصر القاعدة في محافظات "شبوة وأبين ومأرب"، وقد خلَّفت بعضها أضرارا بالمُمتلكات والأرواح، وأدّى ذلك إلى تشكيل هيئات شعبية لمُطاردة وملاحقة المُشتبه بأنهم أعضاء في الجماعات الإرهابية.
كما دعا زعماء العشائر والقبائل إلى ملاحقة الإرهابيين، وتشكّلت في الآونة الأخيرة ملتقيات قبلِية، قيل إن الحكومة اليمنية والسعودية والولايات المتحدة تقِف وراء إنشائها بُغيَة محاصرة الأنشطة الإرهابية، لما يُسمّى بالقاعدة، على اعتبار أن السكان المحليِّين هُم أدرى بجغرافية مناطقهم وأقدر على ملاحقة قيادات القاعدة، التي يُعتقد أنها تتّخذ من مناطقهم ملاذا ومركزا لإدارة أنشطتهم الإرهابية.
مخاوف قائمة
على خلفية كل ذلك، يربط المحللون بين تلك التطوّرات اللَّصيقة بملف القاعدة وبين العمليتيْن الأخيرتيْن ضدّ الحوثيين، ويرون أنها محاولة لاستِعطاف أتباع المذهب السُني واستنفار الشوكة القبلِية ضد الحوثيين، خاصة لجهة القبائل التي ما زالت تغلي نار النِّقمة والثأر في نفوسها ضد الحوثيين جرّاء ما لحق بهم من قتل ودمار، ولذلك، فإنهم يقلِّلون من اعتبارها "بداية لحرب مذهبية في البلاد"، ويرون فيها مؤشرا على تخبُّط القاعدة وتراجعا لأولويات هذه الجماعة كلَّما ضاق الخِناق عليها، على غِرار ما حصل في العراق، عندما تحوّلوا من محاربة مَن كانوا يُسمّونهم بالغُزاة إلى محاربة بعضهم البعض.
مع ذلك، وبالرغم من التقليل من هذا الخطر، تبقى المخاوف من تدشين حرب طائفية حاضِرة بقوة، خاصة عند النظر إليها من زاوية مصالح بعض الأطراف الداخلية والخارجية المُستفيدة من توسعة رُقعة الحرب المذهبية. فداخليا، لم يعد الحديث عن "ضرب العدُو بالعدُو"، مجرَّد همْس يدور في الخفاء، بل أصبح يُطرَح في بعض المجالس والمُلتقيات علانية، أي أن يترك المتشددون ليتصارعوا فيما بينهم حتى يجنِّبوا السلطة عناء مواجهتهم ويريحوا المجتمع من شرورهم وأعمالهم، حسب ذلك الطرح.
وخارجيا، يُخشى من أن أطرافا خارجية، هي التي تحرّك القاعدة لضرب عصفوريْن بحجر واحدة بالنسبة للسعودية، التي لم تسلم من أذى الفريقيْن وتعزيز علاقاتها بالقبائل بحجة تمكينها من ملاحقة الإرهابيين أو من أجل إبقاء الصراع السُنّي الشيعي في المنطقة مستمِرّا ومتجدِّدا بالنسبة لأمريكا وإسرائيل، اللتان تريا أنهما المستفيدتان من إشعال فِتنة الصراع المذهبي والطائفي في اليمن والمنطقة. وعلى هذا النحو، قرأ البعض في اليمن البيان الصادر عن الحوثيين، الذي اتَّهم فيه كُلا من أمريكا وإسرائيل.
وفي كل الأحوال، ستبقى المخاوف من القتل الجماعي قائمة بعد العمليتيْن الأخيرتين والتهديدات التي أعقبتهما، خاصة إذا ما أدركنا التحوّلات التي طرأت على العلاقة التي حكمت التعايش المذهبي بين السُنة والشيعة في اليمن واستحضرنا احتمالات الحسابات السياسية الداخلية وحجْم التنافس الإقليمي والدولي ، فجميعها تستثير مخاوف اليمنيين من أن تنتقل شهوة القتل الجماعي إلى بلادهم لتَطال الأسواق والمساجد والتجمعات والإحتفالات، لاسيما أنها شهوة مدفوعة بحجّة التفويض الإلهي، التي يرى كل طرف أنه المعبِّر عنها والمختار لتجسيد الإرادة الربّانية، كما يستمدها من مرجعياته ومن منطلقاته الفِكرية والأيديولوجية.
المصدر: سويس انفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.