هل هو شهر الحسم في تركيا؟ محمد نور الدين إذا لم يطرأ ما هو مبطن فإن المحكمة الدستورية في تركيا قد تعلن قرارها النهائي بحظر حزب العدالة والتنمية من عدم حظره في أواخر شهر تموز/ يوليو الجاري. المشككون في النوايا المضمرة السيئة يرون أن المحكمة الدستورية ستؤخر قدر ما تستطيع قرارها لأشهر حتى تربك حزب العدالة والتنمية، وتعرقل ولادة طبيعية للحزب البديل مراهنة على تردي الاوضاع الاقتصادية، وتقوية بعض القوى الاسلامية “المعتدلة" بوجه حزب العدالة والتنمية.
في المقابل يريد رجب طيب اردوغان زعيم الحزب ورئيس الحكومة اتخاذ المحكمة قرارها بسرعة لتلافي هذا النوع من التداعيات.
يبقى كل ذلك خارج المسار الأساسي للقضية الذي هو الأثر الذي سيتركه إغلاق الحزب على الحياة السياسية والدور التركي في الخارج.
أولاً لا أحد يشك في ان قرار المحكمة سيكون حظر الحزب لأنه في حال عدم حظره فستسقط كل التهم إليه بأنه بؤرة للقوى المعادية للعلمانية وتشرّع المحكمة بالتالي ضمناً كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بل يشجع ذلك الحزب على اتباع سياسات أكثر جرأة وتشدداً من حيث المبدأ. وهو ما لن يكون في مصلحة القوى المتشددة من العلمانيين.
غير أن إغلاق حزب العدالة والتنمية لن يكون لقمة سهلة على قوى “الدولة العميقة" المعادية للإسلامين وللإصلاح.
فكل الاستطلاعات تقول إن الحزب البديل لحزب العدالة والتنمية سوف يحقق انتصاراً كبيراً في أية انتخابات نيابية مقبلة وسيعود بمفرده إلى السلطة في المديين القريب والمتوسط. وبالتالي فإن المشكلة لن تحل بحظر حزب العدالة والتنمية. ويقول رئيس تحرير صحيفة “راديكال" الكاتب العلماني المعتدل عصمت بركان إنه اذا كان من عقل مركزي مدبّر لحظر الحزب فبالتأكيد هو عقل لا يعمل جيداً بل أكثر من ذلك أن حظر الحزب سيفتح أمام تفاقم ثقل التيارات المتشددة داخل الحزب أو الحزب البديل عنه.
ويطالب عصمت بركان بتعديل القوانين التي تضع مصير الأحزاب تحت رحمة شخص واحد هو المدعي العام قبل ان تنتقل إلى قبضة احد عشر قاضيا هم اعضاء المحكمة الدستورية.
وكان لافتاً في الاسبوع الماضي أن الوثيقة التي تسربت من داخل القوات المسلحة وصفت الدستور الذي كان يعدّ له حزب العدالة والتنمية في الصيف الماضي بأنه يريد هدم الكمالية في تركيا لأنه كان يلحظ تعديلات جذرية على أمور كثيرة منها شروط حظر الأحزاب وطلب موافقة البرلمان التركي على أي طلب بالحظر وعدم حصر ذلك بقرار ومزاج المدعي العام، وتغيير بنية المحكمة الدستورية.
أما على الصعيد الخارجي فلا شك ان التحذيرات في أمريكا وأوروبا تتوالى بصورة شبه يومية من أن حظر الحزب سيؤثر سلباً في مفاوضات العضوية بين تركيا والاتحاد الأوروبي. بل إن صحيفة “التايمز" البريطانية قالت إنه من النادر العثور على قضية دعوى لحظر حزب ناجح وشعبي مثل هذه وأكدت أن قرار الحظر سينهي إلى ما لانهاية أمل تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وينقل شاهين الباي في صحيفة “زمان" عن مسؤول هولندي أنه إذا حظر حزب العدالة والتنمية فمن يمكنه القول إن تركيا تلتزم بمعايير كوبنهاغن، ان ذلك يشكل ارتدادا عن هذه المعايير. ولا يندهشن أحد إذا تقدمت فرنسا بطلب وقف المفاوضات مع تركيا التي لم تعد تجد إلى جانبها سوى بلد واحد هو السويد؟
كذلك تشير استطلاعات الرأي أن ثلاثين في المائة فقط من الأوروبيين يؤيدون انضمام تركيا إلى الاتحاد!.
كما أن إضعاف حزب العدالة والتنمية أو إبعاد رجب طيب اردوغان عن العمل السياسي سيضعف الدور التركي خارجيا الذي نجح في إيجاد توازنات بين القوى الإقليمية والدولية ما كان لقوى علمانية متشددة ان تقوم بها. ومن ذلك نجاحه في بدء وساطة بين سوريا وتركيا.
والحزب استطاع بسياسته المعتدلة جذب استثمارات خليجية إلى الداخل التركي، كما ان السياحة الخليجية إلى تركيا ازدادت بشكل كبير.
من الواضح أن تركيا لا تستحق ان يكون لها مثل هذا النظام الذي لا يهوى الاستقرار ولا يحب أن يرى تركيا نموذجاً للاعتدال والنهوض الاقتصادي والانتماء لمحيطها ومتطلعة إلى ان تكون ديمقراطية، والأمل ألا يدفع الجيل المقبل من الأتراك ثمن المحاولات الانقلابية على الديمقراطية التي تشهدها تركيا اليوم والتي تحتاج إلى وقفة أجرأ من المجتمع لمنع استمرار حدوثها. عن صحيفة الخليج الاماراتية 8/7/2008