أوضح الأستاذ محمود بلحيمر، رئيس تحرير جريدة الخبرالجزائرية، في محاضرة ألقاها أول أمس بمقر مؤسسة فرديريش هبرت بالجزائر العاصمة، حول مسار الانتقال الديمقراطي في الجزائر أن الباحثين الذين عنوا بدراسة تجارب الانتقال الديمقراطي في الأنظمة التسلطية حاولوا التأسيس لمقاربات جديدة لتفسير هذا النوع من الظواهر السياسية منها أساسا ما اصطلح عليه بعلم الانتقال، حيث ينصب اهتمامه على مسألة تغير القواعد السياسية خلال الفترة التي تغطي اختفاء نظام مستبد والمجهودات التي تبدل من أجل استبداله بديمقراطية تأسيسية. وقال بلحيمر إنه عندما نتحدث عن الانتقال الديمقراطي، أو عملية التحول نحو الديمقراطية، فإنه يجب أن نميز بين مرحلتين. المرحلة الأولى تسمى بمرحلة الانتقال التي تعني المرور من نظام سياسي (نظام مستقر) إلى نظام آخر. أما المرحلة الثانية، حسب بلحيمر، فهي مرحلة ترسيخ أو تقوية الديمقراطية. ويعتقد المحاضر كما ذكرت جريدة "الخبر" أن لبروز الجبهة الإسلامية للإنقاذ كحزب سياسي معتمد، وكحركة احتجاجية تستثمر في إخفاقات نظام الحكم، وكحركة دينية تتبنى دولة تيوقراطية على النمط الإيراني، كان له أن قلب مسار التحول الديمقراطي رأسا على عقب، بحيث هيمنت على اهتمامات السلطة السياسية مسألتان رئيسيتان، هما استرجاع الأمن والاستقرار عن طريق مكافحة الإرهاب، وتسوية مسألة شرعية المؤسسات السياسية كالبرلمان والمجالس المحلية، والعودة إلى المسار الانتخابي، وكنقطة ثالثة، التصدي للأزمة الاقتصادية الخانقة، ولتداعياتها الاجتماعية، جراء تراجع أسعار المحروقات. وحسب بلحيمر، فإن هذا الوضع حمل مبررات كافية للسلطة كي تعتمد التسيير التسلطي للحياة السياسية والاجتماعية والمرور، دون حرج، إلى إعادة تفصيل أو إعادة هيكلة للنظام السياسي بشكل معين بحيث تفرض فيه إرادتها. بمعنى أن الإصلاحات بيد السلطة تطورها متى شاءت وهي التي تملك وحدها زمام المبادرة. وأوضح المحاضر أن السلطة، أو نظام الحكم، لجأ إلى تحرير بعض الفضاءات لكيانات المجتمع المدني الناشئة والقديمة، لكن بقيت السلطة هي الفاعل الأساسي في الحياة السياسية. وهو ما يجعلنا نقول إننا لم نتوصل إلى بناء مجتمع مدني قوي، مما يعني تضييق مساحات الحركة في الساحة السياسية على الفاعلين الآخرين، دون نسيان ضغوط أخرى تمنع تطور المجتمع المدني كحالة الطوارئ والإرهاب. ويعتقد بلحيمر أن الجزائر لم تحسن استغلال فرصة الانتصار العسكري على الإرهاب في نهاية التسعينات، عندما رفض المجتمع خيار الفيس وأصبح جاهزا لتقبل خيارات جديدة، لكن غياب هذه الخيارات أو البدائل سياسية يبقي خطر عودة التطرف. واقترح بلحيمر في الأخير أنه من المستعجل اليوم أن يحدث الجهاز التنفيذي قطيعة مع السياسة الاقتصادية الحالية التي بينت الأيام أنها ليست في مستوى حل المشاكل الأساسية للجزائريين من بطالة وتدهور القدرة الشرائية، رغم الوفرة المالية الاستثنائية. فالجزائر بحاجة إلى مخطط وطني للتنمية واضح المعالم من شأنه أن يخلق دينامكية اجتماعية ويفتح أفقا للاستقرار على عدة أصعدة. إن أي إخفاق في حل هذه المشاكل يعني عودة الظروف التي أنتجت أزمة التسعينات.