ساعدت الانتصارات التى حققتها التيارات الاسلامية بمصر وتونس والمغرب على نشر حالة من التفاؤل لدى مثيلاتها بالجزائر فى ظل توقعات متنامية بألا يختلف وضع الاسلاميين بها عن الدول السابقة ولكن ظلت هناك بعض الأراء الأخرى حول علاقة شائكة للاسلاميين الجزائريين بالسلطة فتنوعت القراءات مابين مؤيد لهم وفاقد للثقة فيهم. أعاد الفوز الكاسح الذي حققه الإسلاميون في عدد من دول شمال افريقيا، في الانتخابات مؤخرا الجدل حول مستقبل حركات الإسلام السياسي في الجزائر في المرحلة المقبلة، وتضاربت القراءات حول تأثير هذه الموجة التي افرزها الربيع العربي على علاقة السلطة الجزائرية بالأحزاب الإسلامية، التي تأرجحت في السنين الماضية بين خيارات ثلاث العنف المسلح والمقاطعة والمشاركة في خيارات السلطة ومشاريعها. يرى يوسف حريش الطالب الجامعي، "بأن الجزائر لن تكون الاستثناء في العالم العربي، وأن الأحزاب الإسلامية ستحقق انتصارات مماثلة لما حققه هذا التيار في مصر وتونس والمغرب، في حال حدوث انتخابات نزيهة وشفافة، فالنخب الإسلامية اكتسبت خبرة خلال العقدين الآخرين تمكنها من التعاطي مع مختلف القضايا بشكل إيجابي". ويعتقد عبد الرحمان (42 سنة) أستاذ الفيزياء بثانوية عمر راسم بالعاصمة "ان لجوء أحد أهم الحركات الإسلامية للعنف في بداية التسعينيات أفقد الإسلاميين التعاطف والتأييد الشعبي الذي كان في بداية الانفتاح السياسي، وأنا واحد من هؤلاء، حيث لم نعد نثق في الحركات الإسلامية، بما فيها تلك التي نبذت العنف، وسارت في خيارات السلطة"، ويضيف عبد الرحمان لدويتشه فيله "الإسلاميون في الجزائر لا يختلفون عن الوطنيين والديمقراطيين واليساريين، وغيرها من التيارات، فالجميع لا يعملون من أجل مصلحة الشعب بل لخدمة مصالحهم الشخصية". ويقول السعيد (30 سنة) التاجر بحي بلكور بالعاصمة إن"الشعب فقد الثقة في الأحزاب الإسلامية الموجودة حاليا، وفي غيرها من الأحزاب، فنحن بحاجة لأحزاب جديدة سواء إسلامية أو وطنية تحقق لنا مطالبنا في العدالة والتنمية والنهوض بالمجتمع والاقتصاد، أما إذا بقي الأمر على ما هو عليه فلن يذهب أحد للتصويت أصلا". وتتفاوت تقديرات الأحزاب الإسلامية بالجزائر حول حقيقة قاعدتها الانتخابية، وما يمكن أن تحصل عليه في حالة تنظيم انتخابات ديمقراطية وشفافة، وتطمح قيادات هذه الأحزاب إلى تكرار السيناريو التونسي والمغربي، خاصة والأحزاب الإسلامية الجزائرية كانت السباقة في التعاطي مع السلطة وصناديق الاقتراع منذ أكثر من عقدين. ويقول محمد جمعة الناطق باسم حركة مجتمع السلم، الذي يشارك منذ سنوات في الحكومة، "إن ما حدث في مصر وتونس والمغرب أمر يدعو للتفاؤل والثقة في نفس الوقت، لأنه يؤكد نجاح التيار الوسطي الذي حملنا دوما شعاره ودعونا لمبادئه، ملاحظا ان"التجربة الجزائرية في الانتقال الديمقراطي لها ما يميزها عن بقية الأقطار، وما عرفته البلدان العربية سيؤثر سلبا أو إيجابا على مستقبل الأحزاب الإسلامية الجزائرية، وذلك حسب المآلات التي ستصل إليها هذه التحولات في المستقبل القريب، وما ستسفر عنه الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية". ويضيف جمعة لدويتشه فيله "ما نريده في هذه المرحلة، هو تحول سلمي وهادئ عبر إصلاحات سياسية عميقة وشاملة، بعيدا عن الصراعات الإيديولوجية وسياسة الإقصاء لأي طرف"، وحول حظوظ حركته في الخريطة السياسية المقبلة، يؤكد جمعة "إن الحركة تتبنى دوما خطابا مطمئنا للجميع، وهو ما لمسناه من خلال الإقبال الكبير للمواطنين على الحركة عبر مختلف أنحاء الوطن" ويعتقد الإسلامي المعارض، عبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية (قيد التأسيس) "بأنه من السابق لأوانه الحديث عن فوز الإسلاميين في الجزائر من عدمه، ولا زال يفصلنا عن هذه الانتخابات ستة أشهر ستكون حبلى بالأحداث والقوانين التي ستحدث طبيعة اللعبة السياسية في هذه المرحلة"، وقال جاب الله لدويتشه فيله إن "كل المؤشرات الوطنية والدولية تؤكد بأن الإسلاميين هم من سيحكمون المرحلة القادمة"، وقال جاب الله في تصريحات له "أن أحزاب التحالف تتخوف من اعتماد أحزاب جديدة، لأن ذلك سيسحب البساط من تحت أقدامها، فهم يدركون جيدا بأن لا مصداقية لهم في الشارع الجزائري"، وفي رسالة طمأنة لخصومه، قال جاب الله" إننا لم نتبنى يوما طرح إقصاء الأخر، فنحن لا نحكم لوحدنا لو فزنا بالانتخابات". أما الهاشمي سحنوني أحد مؤسسي الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، فأكد لدويتشه فيله بأن النجاح الذي حققه الإسلاميين يمكن أن يحدث في كل البلاد العربية، إذا ما أتيحت حرية الاختيار للشعب، ويضيف"لقد حصل الإسلاميون في الجزائر سنة 91 على الأغلبية الساحقة، وسيتكرر نفس المشهد اليوم إذا تمت هناك انتخابات في ظل الشفافية والنزاهة، لكن للأسف السلطة لا تريد ذلك، فقد كنا نتوقع إصلاحات حقيقية، لكن ما حدث كان عكس ذلك تماما"، ويؤكد الشيخ سحنوني بأن حكم الشعب قادم "وعلى السلطة فتح الأبواب أحسن من أن تفتح بطرق أخرى". وكان حزب جبهة الإنقاذ الإسلامية قد فاز في الانتخابات التشريعية في الجززائر سنة 1991، لكن العسكر اقدوا على إلغاء المسار الانتخابي، وفرضوا قوانين الطوارئ، مما أدخل البلاد في عشرية دموية، سقط خلالها زهاء ربع مليون شخص. ويرى محللون في مأساوية أحداث عشرية التسعينات تفسيرا فيما يشهده الشارع الجزائري من حذر وخوف منذ اندلاع الثورات في محيطه الاقليمي