بعد عقود من سيطرة توجه الاستثمارات العربية نحو الغرب, بدأت الأموال العربية تتجه إلى وجهه أخري جديدة يتوقع لها الكثيرين أن تكون القوة الاقتصادية الكبري خلال السنوات المقبلة. وتشير إحصاءات صينية إلي أن التعاون العربي الصيني قد شهد طفرة خلال السنوات القليلة الماضية, حيث قفزت قيمة الصادرات الصينية للدول العربية إلى 62.3 مليار دولار العام الماضي مقارنة ب7.2 مليار في عام 2001، وبلغت نسبتها من إجمالي الصادرات الصينية 4.4 %. ونمت واردات الصين من العالم العربي في الفترة نفسها إلى 70.3 مليار دولار من 7.5 مليار دولار، وتضاعفت نسبتها من إجمالي الواردات إلى 6.2 %. ويري سيمفندورفر, الاقتصادي في رويال بنك أوف سكوتلاند في هونج كونج في كتابه "طريق الحرير الجديد.. كيف تحول العالم العربي الصاعد بعيدا عن الغرب لإعادة اكتشاف الصين" أن العام سيشهد قوتين تاريخيتين تستعيدان معا مكانتهما الاقتصادية والثقافية في العالم. ونقلت صحيفة الشرق الأوسط قول سيمفندورفر: "تبدو الروايات عادة غير مترابطة، لكنها في واقع الأمر جزء من إعادة توازن أوسع نطاقا في العالم، يتمثل في صعود الشرق بعد قرون من الهيمنة الغربية". ويقول تشو تشانجوين الباحث في مركز دراسات صيني تابع لوزارة التجارة إن السبب في ازدهار العلاقات بين الصين والعرب مردة أن الصين تحتاج إلى النفط من الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت تعد الأسواق العربية مشتر كبير للملابس والسلع الاستهلاكية الصينية". وقال تشو "إن أحاديث عن اتفاق للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي تلقي الضوء على آفاق تطوير العلاقات، لكن من المهم الإبقاء على نوع من التناسب". وأضاف "طلب السوق في الولاياتالمتحدة وأوروبا ضخم، وسينتعش بعد انقضاء الأزمة المالية. لذلك، فمن السابق لأوانه قول أي شيء، مثل إن الشرق الأوسط سيحل محل الولاياتالمتحدة وأوروبا". ويقر سيمفندورفر بأن التجارة ستهبط وتعلو مع أسعار النفط، حيث يمثل النفط نحو 40 % من حجم التجارة المتبادلة. واستوردت الصين أكثر من خمس احتياجاتها من النفط في العام الماضي من السعودية وعمان والكويت والإمارات واليمن، وهذه الدول ضمن أكبر عشرة موردين للصين. وحتى إذا جرى تداول النفط بسعر 30 دولارا للبرميل فقط، يعتقد سيمفندورفر أن العلاقات العربية الصينية ستستمر في الازدهار بسبب ثلاثة عوامل مهمة.. أولها انجذاب العالم العربي للنموذج الاقتصادي الصيني بتركيزه على النمو السريع والاستقرار السياسي، إذ لن تسمع مطالبات من بكين بتغيير النظام السياسي. وثانيها، مكانة صناديق الاستثمار السيادية العربية التي تنوع استثماراتها بعيدا عن الولاياتالمتحدة منذ هجمات سبتمبر 2001. وأخيرا، انتعاش "ممر إسلامي"، وهو مجموعة مسارات تجارية تاريخية تمتد من أفريقيا عبر الشرق الأوسط إلى اسيا. ويقول سيمفندورفر "إن هذا الممر الذي يحيط بمسلمي العالم يمثل مكانا مريحا للمستثمرين العرب". وقد انهارت التجارة عبر طريق الحرير القديم في القرن السابع عشر مع أفول نجم الصين، وحولت القوى البحرية الأوروبية الجديدة أغلب تجارتها الآسيوية إلى طريق رأس الرجاء الصالح، مما وجه ضربة قاضية للاقتصادات العربية. وبعد هجمات سبتمبر, شددت العديد من الدول إجراءات حصول العرب علي تأشيرات, وكان هذا الأمر في صالح الصين التي بدأت تجتذب أعداد كبيرة من الزوار العرب, فبلدة مثل "يوي" في شرق الصين يصل عدد زوارها العرب إلى نحو 200 ألف سنويا. وتراجعت صادرات الصين إلى الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي في الربع الأول من العام، لكن الشحنات إلى السعودية لم تنخفض بأكثر من واحد %، في حين ارتفعت الشحنات إلى الأردن بنسبة 32 %. ورغم تفاؤله، يورد سيمفندورفر بعض الإشارات التحذيرية، فيقول "إن أجزاء أخرى من آسيا تتمتع بروابط إسلامية أقوى مع العالم العربي، بالمقارنة بالصين". ويضيف "إن بكين يجب أن تضمن ألا تؤدي سياستها لتشجيع الشركات المحلية على العمل بالخارج إلى إغراق الأسواق العربية بواردات رخيصة؛ مما يدمر فرص العمل هناك". ويخلص إلى أن العلاقات تزدهر، لكن ما زال يتعين أن تختبر بجدية.