انتشر ملصق "صنع في الصين" كثيرا في أسواق الشرق الأوسط مؤخرا، وأصبحت المنتجات الصينية تغزو كافة الأسواق العربية والشرق أوسطية بشكل عام. ويقول المحللون إن الصين كانت تسعى لتتغلغل داخل منطقة الشرق الأوسط، وخاصة إيران، بسبب البترول الذي يمكن أن تستخدم الصين تجارته لتحقيق التنمية والتوسع داخل أراضيها. وفي الماضي، كانت الصين تعتمد على الولاياتالمتحدةالأمريكية لتستقر في منطقة الشرق الأوسط، لكن يبدو أن بكين فقدت الثقة في الحليف الأمريكي، وأصبحت تبحث بنفسها عن الثبات الإقليمي في أسواق المنطقة لترويج صناعتها، وبالتالي الإنفاق على التنمية داخل الصين. ويقول فلينت ليفريت، عضو منظمة "أمريكا الجديدة"، في صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية، إن الصين أصبحت مستعدة أكثر للتخلي عن الحماية الأمريكية، تحديدا منذ حرب العراق، بعد أن زادت الشكوك حول ما إذا كانت واشنطن نفسها هي مصدر القلق والتهديد وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. تضاعفت تجارة الصين في الشرق الأوسط في الخمس سنوات الأخيرة، ومنذ بداية 2010، أصبحت الصين البديل المصدر للمنطقة بدلا من أمريكا رسميا. وبلغت صادرات الصين للشرق الأوسط وتركيا في 2009 نحو 57 بليون دولار، بالمقارنة بصادراتها في عام 2005 التي بلغت 28 بليون دولار فقط، بينما زادت كافة صادرات الصين لكل دول العالم بنسبة 58%، من 760 بليون دولار إلى 1.2 تريليون دولار الآن. يقول بن سيمفندورفر، رئيس "رويال بنك أوف سكوتلاند" في هونج كونج: إن هذه الزيادة في الاستثمارات الصينية لا تعتمد فقط على البترول، بل تعتمد بشكل أكبر على صغار التجار الذين يجوبون البلاد ويتخذون من الطرقات مقرا لتجارتهم. وأضاف أن هناك زيادة ملحوظة في الاستثمارات العقارية الصينية، خاصة وأن شركات البناء الصينية حصلت مؤخرا على عقود ضخمة كثيرة في كافة أرجاء الشرق الأوسط. وما يميز شركات البناء الصينية هو أنها رخيصة التكاليف بالمقارنة بالشركات غير الصينية، وغالبا ما تفتح هذه الشركات أبواب الاستثمارات للبنوك الصينية أيضا. وتعتبر الصين من أكبر المستوردين لبترول الشرق الأوسط، حيث تشتري أكثر من 10% من بترول الخليج، وحوالي 23% من بترول إيران وحدها. وتفضل حكومات الشرق الأوسط عادة التعامل مع الصين، لأنها لا تفرض عليهم سياسات معينة، كما تفعل الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلا التي تفرض أجندة تغيير معينة، بينما تكتفي الصين بالتجارة وتحقيق الأرباح بشكل أساسي. من ناحية أخرى يقول جون آلترمان، مدير شئون الشرق الأوسط في معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية، إن الصينيين لا يستطيعون منافسة أمريكا عسكريا، فالعديد من الدول تدين بتبعيتها الأمنية والعسكرية لواشنطن، بينما الصين ليس في وسعها تحقيق ذلك. الصين والعقوبات على إيران إن منبع قلق الصين من برنامج إيران النووي هو أن يؤدي ذلك إلى سباق في الشرق الأوسط، تسعى كل الدول من خلاله للتسلح بأسلحة الدمار الشامل، وبالتالي تتغير موازين القوى في المنطقة، وتظهر دولة كتركيا، وتحذو حذو إيران نوويا. وهذا بدوره يهدد مستقبل الواردات البترولية للصين من أهم موردين لها في الشرق الأوسط، السعودية وإيران. على الجانب الآخر تحاول بكين ألا تثير حفيظة واشنطن، فعلاقة الصين بالولاياتالمتحدة من أهم الروابط الأجنبية في العالم، وربما هذا ما دعا الصين إلى التصويت بالموافقة على فرض عقوبات على إيران، لكي لا تحسب كلاعب غير مسئول على خريطة العالم السياسية. ويرى ليفريت أن الصين قلقة من فرض عقوبات على إيران التي تحصل منها الصين على أكثر من 11% من واردات البترول، وتسعى بكل جهدها أن يكون الأمر برمته في يد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بدلا من واشنطن، والاحتفاظ بعلاقاتها الاقتصادية مع إيران في نفس الوقت.