مظاهرات تسبق قمة العشرين مع توافد زعماء الدول الكبرى في العالم إلى لندن للمشاركة في قمة مجموعة العشرين غدا الخميس لرسم خارطة طريق للخروج من أسوأ ركود اقتصادي تعرض له الاقتصاد العالمي منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي هددت فرنسا أمس بالانسحاب من القمة إذا لم تحصل على النتائج التي تريدها ،فيما دعت بريطانيا دول المجموعة للتوحد واستعادة الثقة في الاقتصاد العالمي المتعثر.
تهديد فرنسي
ونقلت وكالات الأنباء حول العالم عن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي "اريد نتائج" مضيف "ينبغي علينا أن نحصل على نتائج، لا يوجد خيار، الأزمة اخطر من أن تسمح لنا بعقد قمة لأجل لا شيء".
كما حذرت وزيرة المالية الفرنسي ،كريستين لا جارد ، من أن ساركوزي لن يوقع على بيان مجموعة العشرين إذا فشلت القمة في تحقيق أهدافه، وقالت لاجارد في مقابلة تلفزيونية أن ساركوزي "كان واضحا جدا في هذا الشأن" حيث قال "إذا لم نصل لأمور قابلة للتنفيذ فلن أوقع البيان"..و يعني ذلك الانسحاب.
وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون أنه في حاجة ماسة إلى نتائج ملموسة من القمة لبث حياة جديدة في مستقبله السياسي وأيضا لإخراج الاقتصاد البريطاني من الركود، قال متحدث باسم براون أن رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الفرنسي اجريا محادثات بناءة يوم الاثنين وان بريطانيا تتطلع لمشاركة ساركوزي.
باروسو يستبعد حدوث "معجزة"
وقبل 48 ساعة من القمة, قلل رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو من الآمال المعقودة على القمة قائلا إنها لن تشهد معجزة أو حلولا سحرية تنهي الأزمة المالية والاقتصادية العالمية بينما رأت فيها ألمانيا وروسيا مجرد بداية.
وأضاف أنه ربما يكون ضروريا عقد قمة أخرى هذا العام, مشيرا في الأثناء إلى أن الأوروبيين الذين تمثلهم أساسا ألمانياوفرنسا وكذلك بريطانيا يهبون إلى القمة بموقف موحد.
إجراءات أمنية مشددة
تنعقد قمة العشرين في العاصمة البريطانية لندن في ظل إجراءات أمنية مشددة وصدور تحذيرات أمنية بخصوص اندلاع أعمال عنف "غير مسبوقة" احتجاجا على القمة.
وتلقى العاملون في حي قطاع المال والأعمال بلندن نصائح بارتداء ملابس غير مثيرة للانتباه والبقاء في المنازل حتى لا يستفزوا المتظاهرين. وفي هذا السياق، ألغيت أجازات أفراد الشرطة على أن يشارك 6 أنواع من قوات الشرطة في إنجاح الخطة الأمنية التي ستكلف 7.5 ملايين جنيه إسترليني أي ما يعادل 10.75 ملايين دولار أمريكي.
ومن المتوقع أن تتركز الاحتجاجات بالقرب من البنك المركزي بوسط لندن، وتقول الشرطة رغم أنه من المتوقع أن يكون معظم المحتجين مسالمين، فإن القلق يساورها بشأن نشاط مجموعات صغيرة.
ساركوزي يهدد بالانسحاب ويُذكر أن بعض المحلات التجارية أقامت حواجز خشبية على واجهاتها الزجاجية تحسبا لاندلاع أعمال شغب بمناسبة القمة، وقال براون إن الشرطة ستتصرف بسرعة في حال العنف والإضرار بالممتلكات الخاصة.
أوباما : أمريكا قد تغيرت!!
ومن جانبه وصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى بريطانيا في أول زيارة مهمة له خارج الولاياتالمتحدة منذ توليه منصبه في يناير الماضي، وستكون لندن هي المحطة الأولى لأوباما، حيث سيحضر قمة مجموعة العشرين، ثم سيشارك في مؤتمر لحلف شمال الأطلسي (الناتو) على الحدود الفرنسية الألمانية، ومن ثم سيقوم بزيارة لجمهورية التشيك وتركيا.
ووفقا لما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية سيركز أوباما على أن" الولاياتالمتحدة قد تغيرت، وإنها مستعدة للاستماع والمشاركة، ولكنه سيؤكد أيضا على أن الولاياتالمتحدة قادرة على قيادة العالم في الاتجاه الصحيح".
وفي المقابل يقول بعض الزعماء الأوروبيين إن الأزمة الاقتصادية بدأت في الولاياتالمتحدة وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون قيمة برامج التحفيز الأمريكية أكبر.
المشاركة العربية
وصل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أمس الثلاثاء إلى لندن ليرأس وفد المملكة العربية السعودية إلى قمة العشرين.
وكانت القمة العربية المنعقدة في الدوحة قد وضعت ثقتها بخادم الحرمين الشريفين لتمثيل العرب والدول النامية في قمة العشرين ، مؤكدة أنه سيمثل مصالح الأمة العربية والدول النامية التي تعرضت لمشاكل نتيجة الأزمة المالية العالمية.
وفي هذا الصدد قال الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر رئيس الدورة الحالية في كلمته الافتتاحية إنه يعتز بمشاركة خادم الحرمين في قمة العشرين الاقتصادية في لندن، وإنه لا يغالي عندما يقول إن الملك عبد الله "سيمثل مصالح أمتنا وعالمنا العربي، وحتى الدول النامية المتضررة وطموحها بعلاقة أكثر توازناً مع الدول الصناعية المتقدمة".
إصلاح النظام المالي
ومن جانبه أعلن البنك الدولي برنامجا بتكلفة 50 مليار دولار للعمل على تدفق التجارة الدولية مجددا،فيما يبدو صندوق النقد الدولي أيضا على وشك الحصول على دفعة نقدية لقدرته على مساعدة الدول التي يعصف بها الكساد ومن المحتمل أن يعلن الزعماء مواثيق مشتركة بشأن التنظيم المالي لمنع حدوث أزمات مستقبلية.
وفي كندا أعلن رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر إن بلاده ستدعو في قمة العشرين إلى ضرورة مراجعة النظام المالي العالمي وتنظيم قواعد الأسواق المالية بما يكفل عدم تكرار المعطيات التي أدت إلى الأزمة الاقتصادية الحالية وإلى إفلاس وتعثر الكثير من البنوك والمؤسسات المالية في العالم.
ووفقا لما أورده موقع راديو كندا على الانترنت فمن المرجح أن يكون البيان النهائي الصادر عن قمة لندن عمليّ التوجه، كما يشير المراقبون، إلا أن صيغته ستكون عامة بما يكفي لضمان مصادقة الجميع عليه.
وفي هذا الصدد قال آدم ليريك الباحث في معهد إنتربرايز الأمريكي بواشنطن: "لا يمكن أن يتمخض أي شيء شديد اللهجة عن مجموعة كبيرة من هذا القبيل تتقاطع فيها آراء متباينة."
خادم الحرمين الشريفين ممثلا للعرب ويتوقع ليريك، شأنه شأن كثيرين غيره، أن تكون إحدى النتائج الملموسة للقمة تعهد بزيادة موارد وأموال صندوق النقد الدولي لغرض مساعدة البلدان التي نكبت أكثر من غيرها على تلبية إحتياجاتها المالية، وقد تعهدت الولاياتالمتحدةواليابان والإتحاد الأوروبي مجتمعة بزيادة قدرة وطاقة الصندوق على الإقراض.
أيهما أفضل: الحزم الأميركي أم التقتير الأوروبي؟
وكان أعضاء مجموعة العشرين قد وافقوا في لقاء وزراء المالية الذي انعقد فى ال14 من مارس الماضي من حيث المبدأ على إصلاح نظمهم المالية بما فيها جعل جميع الأسواق والسلع والشركات الكبرى خاضعة لإشراف تنظيمي وتنفيذ ذلك الإشراف بصورة تتخطى الحدود الوطنية.
يعتقد الكثيرون أن عددا من الإقتصادات الكبرى، لا سيما تلك ذات الفوائض التجارية الكبرى مثل اقتصادي اليابانوألمانيا، بحاجة لأن تستصدر وعلى وجه السرعة إجراءات تحفيز اقتصادي طموحة لزيادة حظوظ التعافي العالمي، وإذا أخفقت في ذلك يرجح أن ينظر إلى نتائج قمة العشرين بشيء من خيبة الأمل.
وحتى منتصف مارس الحالي، تعهدت الولاياتالمتحدة بزيادة الإنفاق المحفز بنسبة 6% تقريبا من إجمالي الناتج القومي، فيما عمدت الصين إلى عمل نفس الشيء بنسبة 5% وفرنسا بأقل من 1%، واليابان بحوالي 2% وألمانيا بزهاء 3.5%، حسبما جاء في قول إسوار براسادفي من معهد بروكينغز بواشنطن.
ولا تزال هناك بعض التباينات بين الشركاء على جانبي الأطلسي. فالأوروبيون يقاومون الضغوط الأمريكية من أجل زيادة الإنفاق الحكومي، كما ذكر الخبير ليريك، لأنهم مرتابون من فكرة العلاج عن طريق الإنفاق الذي يشبه إلى حد بعيد مسببات المشكلة.
كما يحاجون بأن برامجهم الخاصة بشبكة الأمان الاجتماعي تعمل تلقائيا على ضخ أموال حكومية تزيد على ما تضخه الولاياتالمتحدة في اقتصادها وأنه ليس بمقدورهم أن يجازفوا بزعزعة استقرار اقتصاداتهم من خلال زيادة الدين العام.
إلا أن العديد من الخبراء الأمريكيين يختلفون مع هذه الحجج لاسيما في ما يخص ألمانيا إحدى أكبر الاقتصاديات العالمية ومن كبريات الدول المصدرة، وفي هذا السياق يقول دنيس لاكمن، من مؤسسة إنترابرايز، إن ألمانيا ستكون في "حالة من النكران إذا اعتقدت بأنها فعلت ما يكفي."
وطبقا لكيرتون فإن الجدل المستحكم بين طرفي الأطلسي حول سياسات مكافحة الركود الاقتصادي يتفادى نقطة هامة. فإجراءات التحفيز هي ذات مغزى طالما اقترنت بمبادرات تهدف إلى تعويم أسواق الائتمان، مضيفا: "ليس من المنطقي ضخ المال بواسطة خرطوم ماء إذا كانت تتخلله عوائق وانقباضات."