في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات التي تحذر من التوجه الأمريكي نحو تطبيق السياسات الحمائية عند التعامل مع الأزمة المالية الراهنة، ابدت الصين معارضتها لأية خطة تستهدف حظر الاعتماد على المنتجات والسلع الأجنبية في تنفيذ برامج التحفيز الاقتصادي التي تتبناها حاليا العديد من الدول. فقد صوت مجلس الشيوخ الأمريكي في الأسبوع الماضي على مشروع قرار للتخفيف من وليس إلغاء بندا ضمن خطة التحفيز الاقتصادي يشترط على كافة المشاريع العامة التي يتم تمويلها من خلال برامج الإنعاش أن تعتمد على الحديد والصلب المنتج في الولاياتالمتحدة. وقد أثار ذلك البند في خطة التحفيز الاقتصادي الأمريكية قلق الشركاء التجاريين للولايات المتحدة من بينهم الدول الأوربية وكندا واليابان وحذر اقتصاديون من ان تلك الخطوة المقترحة قد تثير الحروب التجارية. وأكد نائب وزير التجارة الصيني خلال مؤتمر صحفي عدم إمكانية تدبير احتياجات أية دولة من خلال فقط المنتجات المحلية في ظل العولمة. وأكد احد الباحثين في العلاقات الاقتصادية الخارجية لدى مركز أبحاث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني ضرورة تعامل الصين بحذر مع أية إجراءات حمائية مقترحة. وأشار في تصريحات لوكالة الأنباء الصينية أوردتها صحيفة " شينا ذيلي " أن الدول التي تعتمد بصورة أساسية على الصادرات ستتضرر بشكل كبير وذلك إذ ما اكتسبت السياسات الحمائية التجارية قوة ذات تأثير في مواجهة الأزمة. وأكد انه لا يجب فقط معارضة السياسات الحمائية التجارية في الدول الأخرى بل يجب العمل على دعم التجارة الدولية. وقد شهدت الصادرات التي تمثل نحو 33 % من إجمالي حجم الاقتصاد الصيني تراجعا على مدى شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين كنتيجة الانكماش الاقتصادي على مستوى الأسواق الأجنبية. وأشار الباحث الاقتصادي إلى أن خطة التحفيز الضخمة التي كشفت عنها الصين بميزانية تصل إلى 4 تريليونات يوان ستسهم في إعطاء دعم مباشر لحركة الواردات. وفي ظل أجواء الكساد التي تواجه حاليا أسواق الدول الكبرى فقد بدأت تتضح أثارها بشكل ملحوظ على الصين التي حظيت على مدى سنوات بنمو غير مسبوق في مستويات الفائض التجاري ومن ثم معدلات النمو لتصبح صاحبة ثالث أكبر اقتصاد على مستوى العالم ويبدو أن قطاع التصدير المحرك الأساسي للنمو في الصين قد أصبح أكثر المتضررين من تداعيات الأزمة الراهنة على الاقتصاد الصيني حيث كشفت إحصائيات حديثة عن تعرض الصادرات الصينية لأكبر تراجع لها منذ نحو 13 عاما بسبب مظاهر الركود التي تخيم على الأسواق الخارجية لاسيما أسواق الدول المتقدمة المستهلكة للسلع والمنتجات الصينية. ووفقا لبيانات مكتب الجمارك الصينية فقد شهدت صادرات الصين الشهر الماضي هبوطا بنحو 17.5% عن مستويات نفس الفترة من العام الماضي وهو ما يعتبر أكبر تراجع منذ أكثر من عشر سنوات. وفي مقابل ذلك التراجع شهدت واردات الصين انكماشا غير عاديا وصل إلى حوالي 43% خلال الشهر الماضي وهو ما يعكس مؤشرات الكساد الحادة في مستويات الاستهلاك على مستوى الأسواق المحلية الصينية خلال الشهور القليلة الأخيرة الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مستويات البطالة. ويقدر حاليا حجم الفائض التجاري الصيني بحوالي 39.1 مليار دولار. وتشير توقعات المحللين وفقا لمسح أجرته شبكة بلومبرج الإخبارية إلى إمكانية تراجع معدلات نمو الاقتصاد الصيني خلال الربع الحالي إلى 6.1% وهو ما يعد أقل معدل يسجل منذ عام 1999. ويؤدي ذلك التباطؤ في معدلات النمو إلى تزايد مخاطر انكماش الأسعار ومستويات أرباح الشركات ومعدلات الاستهلاك فضلا عن فقدان نحو عشرين ألف فرصة عمل على مستوى أسواق العمل الصينية. وتشير بعض الآراء إلى أن ذلك التدهور الحاد في حجم التجارة الصينية يزيد من الضغوط في اتجاه إقدام الحكومة الصينية على رفع حجم خطة الإنعاش الاقتصادي التي تقدر فاتورتها حاليا بحوالي 4 تريليونات يوان أي ما يعادل 585 مليار دولار. ويشير في ذلك الصدد أحد المحللين إلى أن الأمر يستلزم من الحكومة الصينية خفض سعر الفائدة الرئيسي على الإقراض بأكثر من 1% العام الحالي وخفض الضرائب فضلا عن إجراءات تنشيط الاستهلاك الحلي. ويرى أن الطلب على الصادرات الصينية في الأسواق الخارجية خارج نطاق تحكم الأجهزة الحكومية كما أن إنعاش الصادرات قد لا يتم من خلال خفض سعر العملة المحلية. غير أنه وفقا لأحد معاهد الأبحاث التابعة لوزارة المالية الصينية فإن الباحثين من قبل الحكومة يؤيدو العمل على خفض سعر اليوان لدعم الصادرات والوصول بالعملة لمستوى 6.93 يوان للدولار لتحفيز النمو وتنشيط أسواق العمل.