موسى: الإخوان كفروا «محمد سليم العوا» بسبب إشادته بالرئيس السيسي    طريقة استثمار 100 ألف جنيه فى الشهادات والذهب بعد انخفاض الأسعار    وزيرالمالية: تعزيزالجهود الدولية بتحويل التعهدات المناخية إلى خطوات عملية ملموسة    مصر وتشاد توقعان مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون بمجالات الاستثمار والكهرباء والطاقة    انعقاد اللجنة المصرية - التشادية المشتركة لبحث تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين    إفريقيا تزخر بمقومات وموارد وثروة بشرية هائلة نهدف لإطلاقها    إيطاليا ضد النرويج.. ريتيجي يتحدى هالاند في تشكيل تصفيات المونديال    زيلينسكي: أوكرانيا تعمل على استئناف تبادل الأسرى مع روسيا    فرنسا يحقق فوزًا سهلا على أذربيجان في ختام تصفيات مونديال 2026    دوري أبطال إفريقيا: طارق قنديل رئيسًا لبعثة الأهلي في المغرب    حسين لبيب وهشام نصر يقدمان واجب العزاء لأسرة الراحل محمد صبري    ضبط زيت طعام مجهول المصدر وملح مغشوش فى حملة بالإسكندرية    عودة الضوء    «دولة التلاوة» يشعل السوشيال ميديا    نساء على عرش مصر بقصر الأمير طاز    حماة الوطن: نخوض الانتخابات بخطة واسعة لعقد مؤتمرات جماهيرية حاشدة    هل التبسّم في الصلاة يبطلها؟ أمين الفتوى يجيب    خطوبتي مش بتتم وقالوا لي معمول سحر.. أمين الفتوى يجيب    أخبار السعودية اليوم.. معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة خلال زيارة ولي العهد لواشنطن    الداخلية تكشف ملابسات فيديو تحميل ركاب بمقابل مادي في محيط المتحف المصري بالتحرير    وزير الثقافة: مشروع أكاديمية الفنون في الإسكندرية ترجمة حقيقية لرؤية الدولة لنشر التعليم المتخصص    مسكن بحيوات كثيرة    رئيس مدينة مرسى مطروح يوجه بسرعة إنهاء ملفات التصالح بالمركز التكنولوجي    جابرييل يغيب عن أرسنال بسبب إصابة مع منتخب البرازيل    مصر تتجاوز مليار دولار في الأمن السيبراني وتستعد لقيادة الحماية الرقمية    أمين البحوث الإسلامية يتفقد منطقة وعظ أسيوط لمتابعة الأداء الدعوي    منتخب مصر بالقميص الأحمر والأسود أمام كاب فيردي غداً    "علوم" القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "أنت أقوى من المخدرات" غدا الإثنين.    ما حكم الامتناع عن الإنفاق على الزوجة والأولاد؟.. أمينة الفتوى تجيب    قضايا الدولة تفتتح مقرا جديدا لها بالوادي الجديد (صور)    توقيف أفراد من وزارتى الدفاع والداخلية السورية بعد تحقيق فى أحداث السويداء    حصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    طريقة عمل الدجاج المشوي المسحب بتتبيلة لا تقاوم    تعليم دمياط يواصل لقاءات مبادرة صوتك مسموع    نجل محمد صبري: والدي لم يكن يعاني من أي أمراض.. وطريقة لعبه تشبهه في كل شئ    الأهلي يستعد لتجديد عقد أحمد عابدين حال عدم تلقي عرض من فاماليكاو البرتغالي    وزارة التعليم الفلسطينية تشكر مصر على استيعاب عدد كبير من الطلبة الفلسطينيين    بعد 3 أسابيع.. مبيعات فيلم السادة الأفاضل تصل إلى 350 ألف تذكرة    انطلاق حملة التطعيم ضد الحصبة للأطفال حتى 12 سنة بأسوان.. صور    بسبب معاكسة فتاة.. التحقيق مع طرفي مشاجرة بشوارع المطرية    بتوجيهات شيخ الأزهر .. دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى غزة    الطقس: استمرار تأثير المنخفض الجوي وزخات متفرقة من الأمطار في فلسطين    زراعة بنى سويف تعاين مزرعتى ماشية و4 للدواجن وتصدر 6 تراخيص لمحال أعلاف    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن متوسط أعمار المصريين    مواعيد وضوابط امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    جهاز مستقبل مصر يقود سوق القمح نحو الاكتفاء الذاتى عبر زيادة المساحات الزراعية    10 محظورات خلال الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب 2025.. تعرف عليها    القاهرة الإخبارية: الاحتلال يمنع عبور شاحنات المساعدات المحملة بالخيام والبطاطين إلى غزة    وزارة «التضامن» تقر قيد 5 جمعيات في 4 محافظات    جامعة قناة السويس تُطلق مؤتمر الجودة العالمي تحت شعار «اتحضّر للأخضر»    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة    منافسات التارجت سبرنت تشعل اليوم الحادي عشر ببطولة العالم للرماية    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    الفسطاط من تلال القمامة إلى قمم الجمال    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    30 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 16 نوفمبر    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من روائع كاتب الترحال وأديب نوبل .. لوكليزيو
نشر في محيط يوم 12 - 10 - 2008


من روائع كاتب الترحال وأديب نوبل .. لوكليزيو

محيط - شيماء عيسى
من أعماله
قال عنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (إن ابن موريشيوس ونيجيريا الذي عاش صباه في نيس والرحالة في الصحراء الامريكية والافريقية جان ماري لوكليزيو هو مواطن عالمي هو ابن كل القارات وكل الثقافات. إنه مسافر ذو شأن يجسد البعد العالمي للثقافة والقيم الفرنسية في عالم صاغته العولمة.)
الروائي الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو، المعلن فوزه بجائزة نوبل للآداب لعام 2008 معروف برفضه للهيمنة الغربية على العالم ، دائما يكتب عن وحدة الكون وإنتماء الإنسان لهذا الكون والذي يعطيه قيمته بصرف النظر عن الجنسية ونظرة الإستعلاء بين البشر . أراد مزج الثقافات والحضارات في كتاباته وعبر عن الهنود الحمر والمكسيك والأفارقة والعرب برواياته .
في استفتاء أجرته مجلة Lire عام 1994 صنف لوكليزيو ك«أكبر كاتب فرنسي على قيد الحياة». ويُعد أوّل فرنسي ينال «نوبل» منذ 1985، حين منحت الجائزة إلى رائد «الرواية الجديدة» كلود سيمون.
نَشرَ ثلاثين كِتابَا، في القصصِ القصيرةِ والروايات، المقالات الادبية، وترجة مواضيع عن الأساطير الهنديِة، اضافة الي مقدّمات ومراجعات فضلا عن مساهمته في الكتب المشتركة وتعاقبت اعماله ومنها (الحمي) و (النشوة المادية) و(كتاب سبل الهروب) و (الحرب) و (الباحث عن الذهب) و (الفيضان) و (رحلات الي الجانب الاخر) و (رحلة الي جزر رودريغ) (النجمة الهائمة) و (ثورات)، وتبرز من بين رواياته كلها (الصحراء) المترجمة الي العربية، وصولا الي روايته الاخيرة الصادرة عام 2008 بعنوان (ريتورنيل دو لا فان) (لازمة الجوع).
نتابع معا قصاصات صحفية نشرت عن روائع لوكليزيو :
( سمكة من ذهب )
في رواية "سمكة من ذهب " والتي صدرت عام 1997 م وترجمها للعربية عماد موعد وصدرت عن وزارة الثقافة بدمشق عام 2007 ، يقرأ خليل البيطار بمجلة "الموقف الأدبي" : " إنها سيرة فتاة صحراوية مغربية مجهولة النسب، هويتها غائمة مختلطة مثل ماضي الصحراويين السديمي، تبدل اسمها من ليلى إلى مريم إلى ليز. نشأت في دوار تبريكة، وأمضت طفولتها في كنف لالا أسمى السيدة القوية التي منحتها الحماية بعد أن خطفت من أهلها وبيعت مثل المتاع، وتعرفت في يفاعتها على جميلة التي تدير مبغى، وعلى فتياتها الملقبات بالأميرات، عائشة وتغادير وحورية وأخريات. ثم اضطرت للسرقة بعد موت سيدتها، وحين عرفت أن حورية تنوي الرحيل عبر المحيط إلى فرنسا، طلبت منها أن تصحبها في هذه الرحلة.‏
أخلصت ليلى لسيدتها حورية ولازمتها كظلها ، بينما وجدت السيدة فيها معادلا لأمومة مفقودة ، توغلت ليلى في أعماق الأحياء الفقيرة، واجهت العديد من المتاعب القاسية للمهاجرين غير القانونيين: محاولات اغتصاب وحبس ومضايقة ، وانفتح لها في باريس عالم فسيح، شوارع بلا نهاية، ومدينة ضخمة لا تنضب بالقياس إلى حي المحيط وضاحية الصفيح في تبريكة. وأذهلها تنوع الوجوه: "وجوه حادة شاحبة بلون الأرض البيضاء، وداكنة أكثر سواداً من وجهي، بعيون تبدو مضاءة من الداخل"،ص78 " .‏
ونتابع مع الناقد البيطار : حورية ظلّت حبيسة المسكن، وأثقلها حملها، وليلى تتعلم التلاؤم مع الحياة الجديدة شيئاً فشيئاً، وعرفت أحياء باريس البورجوازية منها والشعبية، وساعدتها ماري هيلين التي أحبت شعرها وبشرتها السوداء بإيجاد عمل لها عند الطبيبة فروميجو، والتي استطاعت أن توفر لها أوراق إقامة قانونية، ثم تعرفت على نونو الملاكم الهاوي، والذي وعدها بالزواج حين يغدو مشهوراً،ص106.‏
لوكليزيو
في شارع جافلو عرفت القاع الفرنسي جيداً، إذ اصطحبها نونو على دراجته النارية إلى المستودع الذي يقطنه تحت الأرض، ثم تعرفت على حكيم بائع البسطة الذي حذرها من نونو "المجنون" بحسب وصفه، والذي اصطحبها إلى متحف الفنون الإفريقية، ليذكرها بجذورها، وقال لها: انظري يا ليلى، نسخوا وسرقوا كل شيء، التماثيل، الأقنعة، الأرواح، وحبسوها هنا بين هذه الجدران، كما لو أنها زينة رخيصة،ص120
اطلعت ليلى من أصدقائها الكثر نونو وحكيم وجاتيكو والمحررة التي عملت عندها على ثقافات وطباع مختلفة: قرأت نيتشه وهيوم وفانون، وتعرفت على الثقافة الإسلامية، ورقصت كزنجية، وتعرفت على مختلف الأوساط الثقافية في باريس وشيكاغو التي رحلت إليها في مغامرة جديدة لاكتشاف الأبعد.
وكانت قد حصلت على موافقة على الهجرة إلى الولايات المتحدة، وتعرفت هناك إلى جان فيلان المحاضر الجامعي وتسكعت معه، وقد وعدها بقطع علاقته مع صديقته الرسمية أنجيلينا، وعرفت بيلا النحيف اللطيف العنيف، وتعرفت إلى ندى الممرضة في المستشفى عند إصابتها بنزلة صدرية كادت تقضي عليها.‏
وبعد رحلة طويلة. عادت ليلى إلى الصحراء الغربية لتسأل عن طفلة اختطفت قبل سنين وبيعت. لكنها وجدت القبائل تتقاتل في "فم زكيد"، ولمست يد امرأة عجوز، ولاحظت أنها لم تعد قادرة أن ترحل أبعد، أو أنها ليست بحاجة لذلك،ص223.‏
تمضي بطلة الرواية بنا في سبعة عشر فصلاً مرقماً، لتروي سيرة فتاة سمراء جميلة مثل حورية بحر، بحكايات متناسلة مثل تشعب دروب الحياة، تعلمت بفطرتها وبمساعدة المهمشين مثلها أن تشق طريقها كسمكة ذهبية في محيط يعج بالحيتان، وأدركت أهمية أن يكون الإنسان مستقلاً ومنتجاً ومحاطاً بأصدقاء جيدين، وصبوراً ومثابراً، وتعلمت أن تخترق جدار العزلة والعاهة والتهميش، وانجذبت مثل كثيرين من مواطني الدول الفقيرة في إفريقيا وآسيا إلى المركز الرأسمالي بحثاً عن موطئ قدم في عالم لا يعرف الرحمة.‏
أراد لوكليزيو ، وفق البيطار ، أن يكشف الوجه القبيح للرأسمالية، في سرقتها لكنوز المستعمرات، واسترقاقها لشعوبها، وفي تهميشها للمهاجرين بحثاً عن عمل ومكان آمن وبعيداً عن الحروب القبلية والتدخلات الخارجية والقمع المنهجي، ووصف أماكن يعرفها جيداً.
( إيثل)
فكرة معاداة السامية
بقراءة بشير المفتي بصحيفة " الحياة " اللندنية : ذهبت البطلة والتي يحمل اسم الرواية " إيثل " لمعرض الإستيطان في غابة فينسين متمسكة بذراع خالها السيد سليمان، بكل ما أوتيت فتاة في العاشرة من قوة. نحن إذاً في العام 1931. ثم يرحل السيد سليمان عن الدنيا.
يتحدث في البداية عن معاودة الرجوع لفكرة معاداة السامية التي طالما كانت مخفبة بنفوس الفرنسيين ، وسرعان ما رسخها نظام «فيشي» والقوانين التي فرضها ضد اليهود ، «إيثل، الابنة الوحيدة لأبوين محارَبيْن ومحارِبيْن، إيثل ابنة البيت المهدد، كانت تفتقر إلى روح الدعابة، هكذا كان ألكسندر ليصفها. فأبسط الأمور كان يكفي لإثارة سخطها».
يسافر ألكسندر بران، ذلك الرجل المرح الذي تعوزه اللباقة والحنكة في التجارة، من جزيرة موريس إلى فرنسا. وفي صالون منزله البورجوازي يستضيف العمات المسنات بولين وويللمين وميلو. تربطهم علاقة مبهمة بسيد المنزل. «إنها قبيلة آل بران، هؤلاء الموريسيون المعرفون بأصواتهم التي تعلو المكان على الدوام، وبقدرتهم على نشر الضحك أينما كانوا، وبدعابتهم الممزوجة باللؤم... يستطيعون مجاراة أي خطيب، أيّاً يكن، لا تهمهم حتى أصالته الباريسية». في المقابل، أي من جانب جوستين، «تقف قبيلة سليمان، بأقليتها العددية وتخلفها الطبقي التام» عن آل بران. ولكن يوماً ما تبلغ إيثل الثامنة عشرة من عمرها.
مقاطع من الرواية نشرتها صحيفة "الحياة " " تقف إيثل أمام مدخل الحديقة، حيث النور ناعم ورقيق، ولونه من بريق اللؤلؤ. قد تكون الرياح العاصفة تصر فوق السين... من يدري. تقبض على يد السيد سليمان. تبلغ بالكاد العاشرة من عمرها، ما زالت يافعةً، بالكاد يصل رأسها إلى ورك الخال. أمامهما تنبسط الرؤية، المشهد أشبه بمدينة تم تشييدها وسط أشجار غابة فينسان، فمن بين الخضار تعلو الأبراج والمنارات والقبب. يسرّع الحشد خطواته في الشوارع المجاورة. فجأة، تمطر السماء بعد طول إنذار، وتخلق الأمطار الحارة سحابة من البخار فوق المدينة. فجأةً، تتفتح مئات المظلات السود القاتمة. لقد نسي الرجل العجوز مظلته. ومع بدء القطرات الغزيرة بالتساقط، ينتابه شعور بالتردد. لكن إيثل تشده من يده ويقطعان الشارع معاً، متجاهليْن العربات، باتجاه سقيفة باب الدخول، تشده من يده اليسرى، في حين يقبض الخال بيده اليمنى على قبعته السوداء التي تعلو رأسه. وعندما يبدأ بالجري، غالباً ما تترافق خطواته المتسارعة مع أنغام ضحكة إيثل لرؤية خصل شعره الرمادي تتطاير بانتظام... فتنقل إليه عدوى الضحك... ويضحكان... لدرجة أنهما يتوقفان للحظات تحت شجرة كستناء، بحثاً عن ملجأ يؤويهما.
.. " وبين الحين والآخر، يرفعها الرجل الطويل القامة على كتفيْه، على رغم سنواته الثمانين، ويصطحبها في نزهة إلى الحديقة العامة، فتقدر على لمس أغصان الأشجار المنخفضة العلو من حيث تتربع.
توقف المطر، وهما يسيران يداً بيد على امتداد ضفة النهر وحتى نهايته. يبدو النهر في غاية الوساعة من تحت السماء
الرمادية، كأنه مستنقع منحنٍ. غالباً ما يذكر السيد سليمان الأنهر التي رآها في الماضي، عندما كان متطوعاً كطبيب في صفوف الجيش في بلاد الكونغو الفرنسية. تستمتع إيثل في بحثه على الكلام. وهي الشخص الوحيد الذي يخبره السيد سليمان عن قصصه. كل ما تعرفه عن العالم، يختصر بكلماته هو. على النهر، تلاحظ إيثل صفوفاً من البط، وبجعة موشحة باللون الأصفر، تبدو عليها علامات الملل. يمران بالقرب من جزيرة أقيم معبد يوناني على ضفافها. تتهافت الجموع لعبور الجسر الخشبي وإذا بالسيد سليمان يسأل، تبرئةً لذمته ليس إلاّ: «أترغبين...؟» المكان يعج بالناس وتشد إيثل جدها بيده. «لا، لا، فلنذهب حالاً إلى الهند!» ها هما يسلكان الاتجاه المعاكس للحشد ويسيران على امتداد النهر. يتفرق الناس لفسح المجال أمام ذلك الرجل الجسيم بمعطفه وقبعته القديمة، وأمام تلك الطفلة الشقراء بثوبها المطرز وحذائها العالي. يغمر إيثل شعور بالفخر، فهي إلى جانب السيد سليمان. ويخيل إليها أنها في صحبة عملاق، في صحبة رجل يستطيع شق طريق من بين الحطام... أينما وجد..."
( ثلاث مدن مقدسة )
نقرأ مقاطع من رواية " ثلاث مدن مقدسة " والتي ترجمها لصحيفة "أخبار الأدب" خالد النجار ، وبعنوان "تيكسكال" نقرأ :
الآن تتجلي السماء،شاسعة سوداء حيث تومض النجوم الباردة ، وبين الأشجار ترتفع بهدوء اسطوانة القمر البيضاء. الريح تجعل الحجارة تطق وتتفتت علي سطح الأرض الكلسية. لا يوجد ماء. هناك فقط برد حاد، إنه برد الفضاء.
علي هذا النحو يمر الليل، في قلب البلاد المسطحة، وبعيدا عن البحر، بعيدا عن الجبال، بعيدا عن المدن . وعندما يأتي صقيع الليل يعزف الناس بتاتا عن الكلام . حتي الكلاب تكف عن النباح. والأطفال الصغار يلتصقون بأجساد أمهاتهم ملفوفين في أردية معقودة، والشيوخ يتأرجحون في فرشهم المعلقة وأنظارهم شاخصة لليل. ليس هناك ما يقال الآن.
ليس هناك ما يقال، الأسرار مغلقة داخل الأفواه بتأثير البرد . وبتأثير الظلمة. وكل ما نترجاه لا يجيء في الليل. الأحلام تعطلت، وليس ثمة ذكريات . وما نفع الذكريات فهنا الحاضر هو المهيمن، وهذا الموضوع هو المكان الأكثر يقظة فوق البسيطة.
البرد يصعد إلي سطح الأرض، قادما من الكهوف، وينشر فوق ساحة القرية، ويغطي الغابة . يتملك الأشياء واحدا إثر الآخر. ويلج كل بيت مع الريح ومع الضوء القمري. ويتسرب البرد في أجساد البشر المتمددين في الفرش المتأرجحة، يوتر العضلات، يفقد الشفاه حساسيتها، ويشد علي النخاع . انسحبت الشمس والليل قاس . علينا أن نظل بلا حراك مدة ساعات، لساعات نظل جامدين : العيون مفتحة علي اتساعها، ناظرة من بين شقوق خشبات الجدران إلي المشهد الذي يضيئه القمر.
هنا لا نستطيع أن ننام ولا أن نغيب عن الوعي، هذا هو مركز اليقظة، في هذا الجزء من العالم الذي اشاحت عنه الآلهة وجوهها وتركته للبشر . في أماكن أخري بعيدة عن هذا المكان، هناك الجرائم، والتجديف، والتكالب علي المال، وسيطرة الأجانب في القصور البيضاء، هناك الشعوب المجوعة والمهانة، في المدن الاسمنتية، هناك الهرج والانحطاط، هناك ذاك الذي يكذب، وذاك الذي يسرق، وذاك الذي يقتل، في مدن فالادوليد، وتيزيمين، وفي فيليب كاريو بويرتو، وفي شيتومال، وفي مدينة بويرتو خواريث، هناك الحياة الحيوانية الدميمة التي تتطاول علي كرامة الصلبان .
الهنود
هناك الحنث والتجديف، وكل هذا يتكرر كل يوم، بيد أن العقاب لا يحل ابدا، الجفاف، الذي هو غياب كلمة الماء . ولكن الماء يتدفق في البلاد الأخري سائبا بلا جدوي، في الخزانات وفي أحواض السباحة . في حين أن الصلبان هنا صم أمام الآبار، والكتب منسية . وكل الأحداث التي وقعت: انتصار الجنرال برافو، الاستيلاء علي مدينة شان سانتاكروز، وخيانة انكليز منطقة بيليز، وخيانة الجنرال ماي، كل هذا غير مدون في الذاكرة، ولكنه يتجلي فوق الأرض، وفي ساحات المدن .
في وسط البلد الأفقي، في مركز المدينة المقدسة، وداخل كنيس نيت نوهوخ تاتيش، يوجد الوجه الذي بلا انفعال، الوجه الشامخ للجندي العجوز المسمي مرسالينو بوت . وجه بلون الأرض، له خطوط عميقة . ووجنات عريضة مع الفم ذي الأشداق المتهدلة، والأنف المقوس الكبير . والعينان برموشهما الثقيلة ترسل نظرات بلا حقد ولكن بثقة هادئة ومتعالية يخفيها إلي حد ما وهن الشيخوخة . والوجه لا يقول شيئا. انه يهيمن وسط البيت. في ضوء النهار الغارب، ونظرته البعيدة تتابع تحركات الرجال من حول دار الحراس، فهو الذي يقود خطاهم .
أيام وليال كثيرة تتباعد ببطء عن قلب الامبراطورية، عن الحرم المهجور لكنيس بالام نا، تتباعد عن ساحات القتال، وعن المقابر، وصراع الناس وتقاتلهم هنا ليس من أجل الحصول علي بعض فدادين من الأرض، ولكن لإنقاذ الكلمة الحقيقية .
الكلمة التي كنا قد سمعناها من قبل عندما كان الكاهن نوحوخ تاتيش يلقي أوامره لجنود كريزوب، وعندما كان الكاهن التاتابولان مفسر الصليب، يملي رسالاته الاخيرة . كان وقتها ياوم بول ايتزا يدون ما يوحي به إليه خوان دو لاكروز من كلمات، وكان كلامه كلام الأرض كلها، والغابة بأكملها، وكان كلامه هو كلام الماء البارد الذي يتدفق في الدياميس تحت الارض. وكان كلامه هو كلام الحياة التي لا تنسي ابدا.
هكذا،أيها الأخوة المسيحيون،أوصيكم كلكم كبارا وصغارا،اذ يجب أن تعلموا أن هذا اليوم هو اليوم والسنة الذي سيهب فيه هنودي مرة أخري لمقاتلة البيض، كما قاتلوهم في الماضي، أوصيكم كلكم كبارا وصغارا حتي تعلم كل المفارز التي تحت امرتي .. فأنا أوصيهم أن يحفظوا ما سأقول في قلوبهم وفي أنفسهم، حتي إذا ما سمعوا وشاهدوا اطلاقات بنادق البيض موجهة لهم لا يرهبونهم، اذ سوف لن يلحقهم أي اذي. إذ ها هو قد حل الآن اليوم،وجاءت الساعة التي علي هنودي أن يقاتلوا فيها من جديد الجنس الأبيض...
** لقب ب"كاتب الترحال" و"هندي في المدينة" و"الأحدي الرائع" وكلها ألقاب تشهد على شغفه بالطبيعة وبالثقافات القديمة والفضاءات البعيدة، إلى حد أنه ابتكر في أعماله عالما من نسج خياله حيث حضارة المايا تتحاور مع هنود الامبيرا البنميين، وبدو الجنوب المغربي يختلطون بالعبيد الهاربين من جزيرة موريشيوس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.