القاهرة: يقدم د. أحمد عكاشة في كتابه "ثقوب في الضمير" الصادر عن دار الشروق المصرية في طبعته الثانية قراءة تأملية شاملة لأحوال مجتمعنا المصري، قراءة ترصد معها مختلف المشاكل والأوجاع التي نعاني منها، مؤكدا أن المشكلة الرئيسية التي تواجهنا هي أن مجتمعنا لايزال حتي اليوم لايستطيع الاتفاق علي حلول، ومن ثم فهو يشعر دائما بالعجز وقلة الحيلة. يطرح الدكتور أحمد عكاشة الطبيب النفسي الكبير في هذا الكتاب سؤال وهو: كيف وصلت أوضاعنا الأخلاقية إلي هذه الدرجة المؤسفة من الانحطاط؟، وأين ذهب الضمير العام؟. ويحاول د. عكاشة عبر صفحات كتابه - وفق ما كتبت ليلى الراعي بجريدة "الأهرام" المصرية - أن يجد تفسيرا وإجابة لهذا "العطب" الذي أصاب أخلاقنا وتلك الثقوب التي ملأت ضميرنا العام. هناك "أزمة الانتماء", فالمواطن المصري علي حد تعبيره أصبح جزيرة منعزلة مستقلة عن الوطن يشعر بوحدة غريبة وانكفاء علي الذات، وهناك كذلك مشكلة غياب الهدف العام فكل واحد منا مشغول بهمومه الخاصة كل ما يهمنا هو مواجهة التزامات الحياة التي تتزايد اعباؤها يوما بعد يوما وفي غمار هذه "المعركة الحياتية الشرسة" لا مكان بالتأكيد لاي هدف عام نبيل يمكن أن يوحد ويجمع المواطنين معا، وفي ظل هذا المجتمع الذي لا تشغله سوي قضية كسب لقمة العيش بأي ثمن غاب الضمير الاجتماعي وتواري! صرنا لانعرف حدودا "للعيب" فالرشوة علي حد تعبير دكتور عكاشة رغم أنها سقطة فادحة إلا أن الضمير الاجتماعي العام أصبح لا يتوقف أمامها كثيرا. يقول د. أحمد عكاشة فى كتابه:".. إن الأمر أصبح ظاهرة وحديث الناس والضمير أشبه "بمنخل" به ثقوب صغيرة جدا لا ينفذ منها شيىء ومع الأسف اتسعت هذه الثقوب بين المصريين فأصبح يمر منها أشياء كثيرة ونحن نقرأ فى صحافتنا أخبار تدعو إلى العجب كالوزير الذى كافأ أمين الشرطة أو الموظف الذى رفض الرشوة وكأن رفض تقاضى الرشوة استثناء للقاعدة ونقطة تميز يكافأ عليها صاحبها ؟! وبالمعنى العكسى هل تقاضى الرشوة أصبح أمرا متوقعا ومألوفا من كل الناس ورفضها لا يجرؤ عليه إلا الاستثناء من الناس" !! وفي فصل بعنوان "معادون لأمريكا.. معجبون بها" يرصد د.عكاشة - وفقا لنفس المصدر - تلك الحالة الإزدواجية التي تكنها الشعوب العربية النامية للولايات المتحدة.. مزيج من الإعجاب والعداء في آن واحد، الإعجاب بأمريكا صاحبة القوة الهائلة الوحيدة المنفردة بالسيطرة علي العالم, صاحبة الاختراعات المدهشة، عنوان الرفاهية والحياة الرغدة الناعمة، والعداء لأمريكا التي تدعم اسرائيل بكل ثقلها والتي لم تساند عملية السلام ولم تقف موقفا عادلا مع العرب. العداء مع أمريكا التي لم تدعم أي تنمية اقتصادية حقيقية في بلادنا، أمريكا التي جلبت معها قيما وأفكارا وممارسات غريبة علي مجتمعنا الشرقي المحافظ. وهناك فصل آخر يفند معه ملامح الشخصية المصرية مقدما "تشريحا نفسيا" لسماتها حيث يؤكد أن قطاعا كبيرا من المصريين والعرب يتميزون بسمات الشخصية الاعتمادية "التي تعتمد اعتمادا شاملا علي الآخرين"، والشخصية السلبية "التي تنتقد كثيرا سلوكيات الآخرين وتسلك مع ذلك نفس المسلك!" والشخصية الاستهوائية "التي تميل إلى تفخيم الذات والمبالغات وعدم وضع اعتبار للآخرين". وهناك كذلك فصول عن الأمراض النفسية المنتشرة في أيامنا هذه وعلي رأسها الاكتئاب والتوتر والهستيريا, كذلك يعرض د. عكاشة للعديد من الامراض العقلية. وأفرد الكاتب لمشكلة الإدمان صفحات عديدة متناولا بالتفصيل بدايات السقوط في دائرة الادمان ودور البيت للتصدي لها والوان الإدمان وأشكاله فضلا عن دور الإعلام, وأخيرا يقدم تصورا شاملا لمواجهة أخطار هذه الآفة. في أحد حوارات د.عكاشة يقول عن كتابه: "كتبت كتاباً اسمه "ثقوب في الضمير" وأعتقد أن هذه الثقوب تتسع بشكل يفوق، أي لم يكن من الممكن ان يتصل بي زميل لي ويقول لي إن ابنه في امتحان نهائي طب.. كان هذا يعتبر عيبا.. لم يكن من الممكن أن يوصي عليًّ أبي أو خالي لكن هذا يحدث الآن وأقبله، لأنني أعلم أن هذا الطالب غلبان وإن لم يكن له واسطة لن يهتم به أحد.. وهذه مسائل تحطم المعنويات.. معنويات الأفراد ومعنويات البلد.. الذي يحتاج الي قدوة حقيقية الآن.. ".