التعذيب لازال مستمرا طالب حقوقيون وقوى سياسية وحزبية وبرلمانية بسن دستور ديمقراطي مدني يستند في مرجعيته للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، على أن يتضمن نصاً واضحاً وصريحاً لتجريم جريمة "التعذيب" وتعريفاً يتناسب مع نص الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، ويكفل إنشاء النقابات دون قيد أو شرط، ويضمن حرية الرأي وإصدار الصحف دون أي تقييد،ويضمن حق تكوين الأحزاب والجمعيات بالإخطار، وينص على إعلان حالة الطوارئ بشروط، فضلاً عن ضمانه حقوق المرأة، كما طالبوا بأن يطرح الدستور للحوار المجتمعي قبل طرحه للاستفتاء الشعبي ، منتقدين الجمعية التأسيسية لافتقادها للتوازن المجتمعي في تركيبها وذلك في ضوء سيطرة تيار فكري بعينه عليها ، جاء ذلك في ختام الحلقة النقاشية التي عقدتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان يوم الخميس الموافق 6/9/2012 واستمرت ثلاثة أيام تحت عنوان "الحقوق والحريات العامة في الدستور الجديد". واتفق المشاركون على تشكيل لجنة تضم خبراء قانون وحقوقيون وبرلمانيون بغية وضع مقترحات بنصوص دستورية بديلة فيما يخص باب الحقوق والحريات في الدستور . ومن جانبه ، أكد حافظ أبو سعده رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أنه يوجد العديد من التحفظات على باب الحقوق والحريات بالدستور الجديد، لاحتوائه على عبارات "مترادفة" و"ركيكة" ووصفًا غير دقيق، مطالبًا بتضمين المواثيق الدولية بالدستور، وأن يتضمن الدستور تعريفا واضحاً وصريحاً لجريمة التعذيب وتجريما لها في ذات الوقت على النحو الذي يتماشى مع الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب ، منتقدا خلوا دستور الثورة من النص على ذلك . وانتقد أبو سعده تحديد حرية ممارسة الشعائر للأديان السماوية فقط، برغم وجود سائحين في مصر لهم ديانات أخرى، مشيرا إلى أنه فى الدساتير العالمية لم يورد أي تحفظ على ممارسة الشعائر، مستنكرا للمادة التى أضيفت حول إضفاء حماية على "الذات الإلهية"، مؤكدا أن حرية الاعتقاد يجب أن تكون مطلقة لأنها جزء لصيق بالإنسان.كما استنكر ربط حقوق المرأة في المادة (36) بمبادئ الشريعة الإسلامية، واعتبار سن الطفولة يتحدد بنهاية التعليم الإلزامي، مما يعنى أن عمالة الأطفال لا تحظ ر سوى في التعليم الإلزامى فقط. واقترح رئيس المنظمة المصرية أن يتضمن الدستور لائحة للحقوق والحريات «bill of rights»، على النحو الذى يضمن صون وحماية الحقوق جميعا من أية ممارسات وقرارات وقوانين فوقية، إذ تصبح الحقوق فوق السلطات، مؤكدا أنه من الضروري أن يتضمن الدستور الجديد بابا لحقوق الإنسان ونصا يقيد المشرع الدستوري في حالة تعديل مواد الدستور لا يجوز بمقتضاه الانتقاص من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور، كما ينص أي ضاً على أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من هذا الدستور. وشدد أبو سعده على أن هذه اللائحة واجب تضمينها شقين، أولهما: يتضمن حزمة من الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وثانيهما: يتضمن حزمة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها في العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومن أمثلتها الحق في العمل، الحق في الصحة، الحق في السكن، الحق في الرعاية الاجتماعية. وأكد أ. عصام شيحة، المحامي بالنقض وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد، بأن الجمعية التأسيسية لم تراع التوازن بين فئات الشعب المصري، مشيرًا إلى أن الجمعية قد توسعت في اختصاصها على خلاف المادة 60 من الإعلان الدستوري، كما أنها تعاملت مع الدستور على أن مصر دولة حديثة العهد بالدستور ، مشيرا إلى أن مصر من أقدم الدول الواضعة للدستور. وقال شيحة على الرغم من أنه لا يعترف بتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور ولا بطريقه عملها، وأنه تقدم ب 34 طعنًا عليها، ولكن الجميع على أمل أن تخيب نظرتنا بسن دستور يصلح لجميع المصريين. وأوضح شيحة أنه يوجد بالدستور تضارب بين الأبواب وبعضها البعض ، مشيرًا إلى أن المشرع قد توسع في بعض الحقوق والحريات للمواطن في ذات الوقت قيدها ببعض المواد الأخرى من الدستور، هذا بخلاف استخدام بعض الألفاظ الفضفاضة، التي تحتمل أكثر من معنى، مع كثرة المواد التي تتعلق بأمور الشريعة الإسلامية ، منتقداً المادة التى أضيفت حول "الذات الإلهية"، معتبرا أنها ستمارس القمع الفكري، مؤكدا أن الدستور المصري سيكون الوحيد على مستوى العالم الذي يتضمن هذه المادة.كما انتقد تقييد المواد بالعبارة التي استخدمها النظام السابق لقهر الإنسان وهي عبارة "على القانون تنظيم ذلك". واعترض عضو الهيئة العليا لحزب الوفد على أن يتكون الدستور المقترح من 280 مادة ، لكون ذلك سيؤدي إلى مشكلة في الاستفتاء عليه على حد قوله. وأفاد شيحة بأن هناك إصرار من جانب التأسيسية تجاه تقييد حرية الإعلام لعدم وضع مادة صريحة تضمن حريته ، منتقدا عدم ذكر الوسائل الإعلامية المرئية في الحريات وقصرها على حرية الصحافة والنشر على النحو الذي جاء بالمادة 5 من الدستور. وتساءلت أ. نهاد أبو القمصان رئيس المركز المصري لحقوق المرأة وعضو المجلس القومي للمرأة، عن سبب إلصاق كلمة "بما لا يخالف الشريعة الإسلامية"في المواد المتعلقة بالمرأة، مشيرة إلى أن ذلك سيفتح المجال أمام تقييد الحريات للمرأة في مصر تحت دعوى تطبيق "الشريعة الإسلامية"، قائلة: السيدات تجلد في السودان ، وتمنع من قيادة السيارة في السعودية ، وتمنع من تقلد الوظائف في مصر تحت دعوى تطبيق الشريعة الإسلامية. وأضافت أبو القمصان أن الفلسفة العامة للدستور غير واضحة إن كانت تفتح المجال للحريات أم لتقييدها، مؤكدة أن الدساتير توضع بأحكام محددة وليس بشكل فضفاض يقيد حريات المجتمع ، موضحة أن الروح التي كتبت بها الدستور تعطي الفرصة لانتهاك حقوق الإنسان، منتقدة اقتصار الدستور على ذكر كلمات مثل "الكرامة" و"الحرية" و"العدالة "دون وضع معايير وخطة لضمان تحقيق ذلك. وأكدت أبو القمصان أن أغلب المواد الخاصة بالحريات تعيد إنتاج النظام السابق الذي طالما عنينا فيه من انتهاكه للإنسانية، ولكن ذلك لا ينفي وجود بعض المواد بالدستور جيدة. وقال د. محمد محي الدين، وكيل حزب غد الثورة، وعضو الجمعية التأسيسية للدستور:" لا توجد سيطرة لأي فصيل سياسي داخل الجمعية التأسيسية للدستور، ولن نسمح بسيطرة الإسلام الإسلامي، وإن وحدث ذلك فسننسحب من الجمعية". وأضاف: "إننا اتفقنا على ترك موضوع قانونية الجمعية التأسيسية للدستور للقضاء، وإن تم الحكم ببطلان الجمعية، فسنترك ما بذلناه من جهد للجمعية التالية". وأوضح وكيل حزب غد الثورة أن المسودات المتاحة للدستور هي مجرد صياغات مقترحة وأولية لم تراع فيها الصياغة القانونية، مؤكداً أن المسودة النهائية للجمعية التأسيسية ستطرح للرأي العام. وأوضح د. محي الدين أن الصياغة الحالية للدستور الجديد لم تتعرض لحرية العقيدة، ولكنها قيدت ممارسة الشعائر الدينية وحددتها ب "النظام العام" وحصرتها في الأديان الثلاثة السماوية، ومن حق أصحاب الأديان غير السماوية ممارسة شعائرهم الخاصة في منازلهم ولن يتعرض لهم أحد. وحول الانتقادات الموجهة لباب الحقوق والواجبات بالدستور الجديد، ألمح د.محي الدين أن مواد الباب ال51 ضمت 5 مواد فقط للواجبات و46 للحقوق، وهو ما وصفه بأنه "ثورةط في دساتير العالم الديمقراطي على حد قوله، داعيا الجميع إلى حضور جلسات الجمعية التأسيسية وتقديم مقترحاتهم، موضحا أن الاختلاف هو الأساس في التأسيسية حتى يتم الوصول لاتفاق على الأصح والأفضل للمصريين جميعاً.