المهندس وليد نجم "الباسبور" المصري .. سلاح جديد له فعاليته ضد العدو الصهيوني
نجحت مجموعة من "الكوماندوز" المصري فى اقتحام الممنوع والوصول إلي "بيت المقدس"، عبر طريق حريري، غير مطروق، بدأ من القاهرة مرورا بالعاصمة الأردنية "عمَّان" وصولا إلى الأرض المقدسة، دون أن يتعرض أيِّ منهم لتنديس جواز سفره بخاتمٍ صهيوني، وذلك من منطلق شعورهم بأن لهم الحق – كعرب ومصريين – فى أن يزوروا أولي القبلتين وثاني الحرمين، رغم أنف العدو الصهيوني. بدأت الرحلة بمجرد فكرة، خطرت فى ذهن أحد شباب الثورة، يدعي "خالد نجم" – المدير الإقليمي لشركة آي بي إم بالقاهرة"، وهو أيضا نجل محافظ البنك المركزي الراحل "علي نجم" – ربما على خلفية الرحلات التى قام مئات من الشباب بتنظيمها إلي الحدود المصرية مع غزة، العام الماضي فى ذكري النكبة، تضامنا مع الأشقاء فى فلسطينالمحتلة، كإحدي تجليات ثورة الخامس والعشرين من يناير، وسرعان ما أفضي بها إلي قريب وصديق له هو المهندس "وليد نجم" الذي بدوره تحمس للفكرة على الفور ولكنه كان حتى تلك اللحظة، لا يتخيل أن الخاطرة العابرة قابلة للتحول إلى حقيقة واقعة. مجموعة ال13 ولنترك الكلام يسترسل على لسان المهندس وليد نجم – مدير مشروعات بشركة "هيل الدولية" بالقاهرة - قائلا: لقد جاء اسم مجموعة ال13 نابعا من كون أنني و"نجم" وأحد عشر آخرون من الأصدقاء والمعارف، هم أول من اجتمعوا وقاموا بدراسة الفكرة من جميع جوانبها، وقد زاد العدد فيما بعد ليبلغ عدد أفراد الفوج بأكمله أربعين فردا. وبدأ التنفيذ الفعلي للفكرة عندما تم التوصل إلى شركة سياحة أردنية تقوم بالتنسيق مع نظيرة لها فلسطينية، من داخل الأراض المحتلة، لتقوم بنقلنا ضمن فوج سياحي من القاهرة إلى الأردن ثم فلسطينالمحتلة، وبالتحديد إلى المسجد الأقصي ببيت المقدس، دون أن نضطر للمرور بإدارات الجوازات "الإسرائيلية"، وكذا على أن يقتصر برنامج الرحلة على التعامل مع كل ما هو فلسطيني، من حيث الإقامة وتناول الطعام والتعامل مع البازارات السياحية، إلخ. وما أن أتممنا الاتفاق النهائي بالتنسيق مع شركتي السياحة – الأردنية والفلسطينية - بدأت الرحلة، - يقول م. وليد – بمغادرتنا مطار القاهرة ثم الوصول إلى مطار عمان، ثم استقلال باص سياحي عبر بنا جسر الملك حسين، باتجاه الأراض المحتلة، وقبل عبورنا جري تفتيشنا بدقة غير عادية من جانب الجنود الصهاينة، ثم بدأ استجوابنا من جانب ضابطات الجوازات الصهيونية، بمزيج من الود المفتعل والشك والقلق، وقد أصروا على إبقائنا فى ساحة للانتظار لمدة ثلاثة ساعات كاملة دون إبداء الأسباب، لكن .. وهو الأهم دون أن تمتد أيديهم لجوازات السفر الخاصة بنا، وقد قمن فقط بختم الوثيقة التى قامت شركة السياحة الأردنية باستخراجها لدي الإعداد للرحلة، وذلك قبل أن يُسمح لنا بالدخول، فيما فوجئنا باستبعاد عدد من أفراد الفوج، أيضا بدون إبداء اسباب، إلا أن من بقي منا قرر الاستمرار فى المسيرة نحو القدس. من هناك استقللنا "باص" سياحي، وبداخله رحب بنا مرشد من شباب فلسطين، وقد رحب بنا بسعادة بالغة، مبديا دهشته الشديدة من جرأتنا على اقتحام الموانع ذاتها التى يخشي الكثير من العرب اقتحامها، وفى نفس الوقت عبر عن إعجابه بالفكرة التى جعلتنا نتحرك بحد أدني من الحرية فى الأرض المحتلة دون أن نكون تحت رحمة العدو، مؤكدا أن كل الفلسطينيين هناك يتابعون أخبارنا وينتظرون ماذا ستفعل مصر من أجلهم. وتطرق الحديث مع المرشد السياحي فعرفنا منه الكثير من الحقائق بشأن الشريط الضيق من الأرض "غير المحتلة" من فلسطين، مثلا أن معظم المدن الواقعة - نظريا - تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وفقا للاتفاقيات الدولية ... يعيش سكانها كرهائن داخل حدود هذه المدن، حيث ممنوع علي معظمهم مغادرتها إلا فى حالات استثنائية نادرة. عرفنا كذلك أن التضييقات الأمنية من جانب سلطات العدو الصهيوني قد ازدادت مؤخرا فى مدينة الخليل، التى يجري تخريب اقتصادها شيئا فشيئا، والهدف فى النهاية إجبار أهلها على هجرتها نهائيا، أما فى القدس ذاتها، فإن الصلاة فى الحرم المقدسي قد باتت شبه محرمة علي المسلمين الفلسطينيين، إلا بأعداد ضئيلة وذلك يوم الجمعة فقط. على أبواب القدس مرت ساعة تقريبا من الحوار المثير مع المرشد الفلسطيني، قبل أن نصل مدينة "أريحا" بالضفة الغربية، حيث تناولنا الغداء المكون من مشويات على الطريقة الشامية، تتميز ب"تتبيلة" ساحرة، لم أتذوق مثلها من قبل - يقول "م. وليد" – أما الفاكهة الفلسطينية عموما فهي لا تضاهيها فاكهة فى أي مكان فى العالم الذي زرت الكثير من مدنه على مدي سنوات مضت، سواء للعمل أو السياحة. بعد ذلك وصلنا أبواب القدس، وفيما شعرنا بقلق خشية حدوث مشاكل لدي عبورنا أول نقطة تفتيش صهيونية، إلا أن "ربنا عماهم عنا" كما ذكر المرشد، ومررنا بسهولة غريبة ودون تفتيش إطلاقا، لدرجة جعلتنا نشك أن ذلك كان مقصودا "لغرض فى نفس يعقوب"...! في الفندق القريب قضينا الليلة - مازال الحديث على لسان "م. وليد" – وفي الصباح تحركنا عبر السور المحيط بالقدس القديمة، وتجولنا بشوارعها ومررنا ب"طريق الآلام" وصولا إلى كنيسة القيامة، فيما كان مسجد الصحابي "عمر بن الخطاب" – رضي الله عنه - مغلقا، دون سبب معروف من جانب سلطات العدو. وأخيرا وصلنا بوابة المسجد الأقصي، وهناك كان بانتظارنا جنديين "إسرائيليين"، وبمجرد أن رفعنا فى وجهيهما الباسبورات المصرية، سمحوا لنا بالدخول دون كلمة واحدة، فتجولنا حتى مسجد قبة الصخرة... ثم نزلنا إلى المسجد الأقصي القديم، الذي بني بعد بناء الكعبة بأربعين عاما كما ورد فى الأحاديث القدسية، وهو قائم تحت بنيان المسجد الموجود حاليا، وصلينا الجمعة هناك بصحبة المئات من السياح العرب والأتراك والمسلمين من دول معينة منها الهند والأردن. وواصلنا تجوالنا حتى وصلنا حائط البراق ... الذي يسميه اليهود زيفا "حائط المبكي"، بالخطأ، فأسرعنا بالخروج من جهة باب المغاربة المخصص لليهود والصهاينة فقط، ولكن كالعادة وكلما وجهنا ضابطا "إسرائيليا" فى نقطة تفتيش، كان الجواز المصري وحده هو الذي يتكلم. جدار ساويرس – عز واستمرت الرحلة عبر الأراض المقدسة، وكانت وجهتنا هذه المرة مدينة الخليل، وفى الطريق إليها كان محاذيا لنا الجدار العازل الذي يشطر الأراض الفلسطينية إلى شطرين، وقد شارك فى بنائه مصريون للأسف هما بالتحديد "أحمد عز" الذي يقضي حاليا مدة العقوبة بتهمة الفساد، و"نجيب ساويريس"، الأول باع الحديد للصهاينة ....... والثاني باع لهم الأسمنت، وكل ذلك باسم التطبيع. وفى مدينة الخليل المقدسة، وجدنا الحرم الإبراهيمي خاليا تماما من أصحاب الأرض الفلسطينيين، وعلى جدرانه شاهدنا آثار الرصاص الذي أطلقه الإرهابي الصهيوني "جولدشاتاين" على المصلين الآمنين أثناء صلاتهم فى الحرم، فاستشهد منهم العشرات وأصيب المئات، فى الحادث الشهير الذي وقع فى تسعينات القرن الماضي، وهذا ال"جولدشتاين" يعد بطلا قوميا فى نظر الصهاينة..! خرجنا من الحرم الإبراهيمي وقد تصاعد شعورنا بالحزن وبالرغبة العارمة فى توجيه نداء إلى المصريين، أن تعالوا وزوروا هذه الأرض المغتصبة، لا من أجل الحرب ولكن من من منطلق إثبات الحق العربي فيها، ولم تتوقف نقاشاتنا المحتدمة إلا عندما قطعها صديقنا المرشد الفلسطيني، بدعوة باسمة إلى إحدي بازارات المدينة، التى تعاني وغيرها العشرات من المحال التجارية من ضغوط صهيونية مستمرة من أجل أن يغادروها إلى الأبد، ولكن أهلها لازالوا صامدون. فى البازار لقينا المفاجأة مرتسمة على وجوه الجميع والهتاف واحد والدهشة جماعية: مصريين فى الخليل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ بالطبع عن كرم المعاملة والتخفيضات على البضائع إلى نصف الأسعار وحسن الضيافة ... لا تسل، كما يؤكد "م. وليد". ثم وصلنا بيت لحم، وفيها كنيسة المهد التي ولد فيها المسيح – عليه السلام - وصلي بها الخليفة "عمر بن الخطاب" – رضي الله عنه – وكانت هذه خير ختام لأروع رحلة فى حياتي. انتهت الرحلة، التى فتحت الباب نحو مزيد من الرحلات عبر "طريق الحرير الجديد" بين القاهرةوالقدس، كما أنها أيضا فتحت بابا للجدل بشأن مدي انسحاب معني التطبيع عليها، حيث لا يزال الهجوم الذي تعرض له مفتي الجمهورية فى أعقاب رحلته إلى القدس، حتى من جانب مشايخ القدس ذاتها. إلا أن الفارق بين هذه وتلك واضح، فالرحلة التى قادها مجموعة ال13 لم تتضمن حصولهم على تأشيرات سياحية من مكاتب الجوازات "الإسرائيلية"، كما أن المشاعر الدافئة والترحيب بل و الإلحاح من جانب مواطني فلسطين أن يكون هناك المزيد من الرحلات المماثلة، حتى يشعروا أنهم ليسوا وحدهم فى مواجهة عدوهم وعدونا المشترك، يخلق مبررات أقوي أن يعلم العالم أجمع أننا لن نترك حقنا كعرب فى المسجد الأقصي وكنيسة المهد وجميع المقدسات بما فيها الأرض والدم والأشقاء في فلسطين.