الجزء الأول دائما ما تعرف الأشياء بنقيضها او بما يساويها , فنحن لا ندرك القيم إلا بعكسها ولا نستطيع أن نشعر بالضوء إلا حينما نخرج من الظلام ,وهذا هو السبب الحقيقي الذي يجعل الأعمي لا يبصر , فهو يعيش في ظلام دائم مما يجعله لا يدرك الضوء , وهذا هو السبب أيضا وراء إختيار السجن عقابا للمذنبين , وهذا هو المدخل الحقيقي في خداع الجماهير وإدارة لعبة الأمم كما تسمي إصطلاحا في أروقة أجهزة الإستخبارات العالمية , إن الشعوب لا تستطيع أن تعرف الحقيقية إذا أطلعت علي جانب واحد منها فقط , نقول أننا سوف نفعل كذا , وحينما نأتي إلي النتائج نظهر نتائج لا علاقة بها مع الأصل , بما يستحيل معها أن نقارن فتضيع الحقيقة وندخل في دوامة توضيح الواضح . هذا ما دار برأسي وأنا أقرا وأدرس مشروع نهضة مصر لمحمد مرسي أو من كتبه , وقد يصيح قائل أو قاريء ما , تستطيع أن تقارن بين ما يقدمه مرسي او من كتب , بما يقدمه بقية المرشحين المطروحين أو الطارحين علي الساحه , الأمر الذي يعد مغالطة في المقارنة فلا يجوز أبدا أن نعقد مقارنة بين برامج المرشحين التي لم تنفذ بعد , فهي كلها تتفق في أنها تستهدف مستقبلا , ولا يتوافر في أيها أساس المقارنة , فنحن حينما نقارن بين مخطط وفعلي , فنحن نقيم الأداء , أما في حالة المقارنة بين مخطط ومخطط , فنحن نقيم التخطيط وعناصره. يقع مشروع النهضة في حوالي إحدي وثمانين صفحة يبدأها من كتب , بصورة كبيرة للمرشح محمد مرسي , تحتل ثمانين في المائة من الصفحة مع عنوان كبير البرنامج الرئاسي. مما يطرح في أولي صفحاته , سؤلا في غاية الأهمية , هل هو برنامج رئاسي أم برنامج مرشحا للرئاسة؟ فالعنوان يفترض دفعا في ذهن القاريء بأن الرئيس قد تحدد بمحمد مرسي وان هذا هو برنامج نظامه الرئاسة الذي هو في واقع الأمر لم يحدث بعد , هذه هي النقله الأولي , أو قل النتوء الذي يضع محمد مرسي قدمه عليه لكي يبدأ صعوده , داخل عقل القاريء مؤسسا إحتمالا مستقبليا علي أنه أصبح أمرا واقعا , كما لو كنا نري مباركا جديدا يطرح رؤيته في أنتخابات يعلم تماما أن حساباتها منتهيه. وسوف نساير من يقول أن هذا لا يعد حكما , او طريقة منصفه للحكم علي مشروع النهضة او بالبلدي "عديها ده شغل دعايه" وننتقل إلي داخل المشروع , نبحث عن نتوءا في جبل محمد مرسي لكي نصعد معه داخل عقله كما يحاول هو او من كتب أن يصعد داخل عقولنا. الصفحة الثامنة : يضع مرسي او من كتب نتوءا جديدا لكي يصعد السلم داخل العقول , متخذا الظروف الإنتقالية سببا لتدرج التغيير ويؤسس ذلك بأنه من خصائص الإسلام , التغيير التدريجي , ومع إختلافي في هذا التعبير فالإسلام لم يغير تدريجيا أبدا فأول ما يبدأ به الإسلام هو الخروج علي العقيدة الموجودة وإحلال عقيدة أخري بدلا منها , وهذا لا يعد تغييرا تدريجيا علي الإطلاق , إنه إنقلاب في رقائق العقول والقلوب يجعل أعلاها أسفلها , وشرقها غربها , فيخرج شخصا جديدا برؤيا قد تكون علي النقيض تماما مما كان عليه, هذه في حد ذاتها مغالطة جسيمة , تتخذ من الإسلام سببا ومبررا للتغيير التدريجي , مما يطرح عليها تأكيدا بأن الأسلام مبررا لكل ما سيطرح , "ونترك للقاريء الحكم علي صحة وجواز ذلك من عدمه". ثم يبدأ مرسي , بأن رؤيته تعني تحويل مصر من نظام رئاسي شديد المركزية إلي نظام شبه برلماني وانا أركز هنا علي كلمة شبه برلماني , هل يقصد بها ان يكون البرلمان تأكيدا واقعيا علي ما هو عليه الأن , أم أنه يقصد أن يكون البرلمان كما يجب أن يكون , أداة تشريعية ورقابيه في نتائج التشريع , ويعود فيطرح توزيع المسئوليات بين المجالس النيابية ورئاسة الجمهورية والوزارة , مما يطرح علينا نوعية التوزيع ونوعية السلطات الممنوحة , للمرة الثالثة أو الثانية لو إستثنينا النتوء الأول , يفرض مرسي رؤيته علي النظام السياسي الذي هو أمر مرفوض جملة وتفصيلا لانه يعيدنا إلي ماقبل الخامس والعشرين من يناير , إن رئيس الجمهورية القادم لا يجب أن يحدد النظام الرئاسي الذي سيعمل من خلاله , فهو إن أراد فليعمل طبقا لشكل الدولة ونظامها كما سيتحدد في الدستور, وبطبيعة الحال لا يوجد دستور , لذا فالرئيس يري ؟؟؟ لم يحدد مرسي كيف ستوزع السلطات , ومن سيوزعها , وطبقا لرؤية من ,وترك الأمر علي غاربه , الأمر الذي يذكرني بضاربة الودع وهي تقول قدامك سكة سفر , لا هي قالت متي ولا من أين إلي أين؟! النظام الديموقراطي. كما يري مرسي الشوري هي الأساس ثم يترك أمر الشوري مفتوحا , من دون أية أطر علي الإطلاق , الإطار الوحيد الذي وضعه هي أن الشوري نمط سلوك في جميع مناحي الحياة , مما يطرح سؤلا , في منتهي الأهمية ألم يكن عدم جواز الخروج علي الحاكم , هو رأي شوري علماء السلفية في يناير الماضي حينما بدأت الثورة , وماذا سيكون رأي الشوري إذا ما رأي أن مرسي لا يصلح وخرج في مليونياته المعهودة لإسقاط النظام مرة ثانية , لمن تكون الشوري في مثل هذه الحالة. إن من كتب مشروع النهضة يعي جيدا معني شرح الشوري في الحكم بشريعة الله , ويعلم جيدا أنها ستثير لغطا لا نهاية له , ولكي يجمع بين الحسنييين في ارضاء جميع الأطراف , فلتذكر الشوري أساسا للحكم لأرضاء البعض ولا تطرح تفاصيلها إرضاء للبعض الأخر. إن عدم وضوح المبدأ الأول في النظام الديموقراطي يعطي ملمحا رهيبا عن تفسير النقاط الثلاث التالية في مفهوم مرسي أو من كتب لتفسير الديموقراطية. وانا أتسائل وأسأل القاري ألا يحتسب هذا نتوءا أخر نصعد عليه في محاولاتنا للوصول إلي القمة المرسية أو قمة جبل من كتب. المبدأ الثاني: في التعريف المرسي للديموقراطية تحس وانت تقرأه كأن هنالك من يضع رأسك بين المطرقة والسندان , فكل ضربة من المطرقة تحتسب ضربتين مرة من المطرقه ومرة في ردة الفعل علي السندان, "دولة دستورية تقوم علي ثلاث سلطات تعمل بشكل متمايز ومتكامل ومتضامن في أن واحد بما يتيح التوزيع ويضمن السيادة ويمنع تغول سلطة علي الأخري" , "عذرا ! عروستي" المبدأ الثالث , تغيير سياسة التعيين للمناصب المؤثرة إلي الأنتخاب (المحافظين والمحليات) , بعد سيطرة الأخوان علي البرلمان , والرئاسة "فرضا" , يريد المرسي أو من كتب أن تحصل الجماعة علي مناصب المحافظين والمحليات حتي تصبح كل أدوات السلطة التنفيذية في يد جماعة الأخوان , سكوت صمت يطح سؤالا ألا يذكرنا هذا بصورة ما قبل 25 يناير؟! النقطة الرابعة ,أرجو لمن يفهمها أن يعلق بالشرح حيث أنها تفترض دعم التعددية السياسية كأساس للعملية السياسية , وهذا واضح جدا في نتيجة الإستفتاء داخل المجلس علي الجمعية التأسيسية للدستور, وترسيخ قواعد الشراكة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني , والسؤال أية منظمات , المحظورة أم المعلنة؟ّ! وننتقل الأن للمرجعية الإسلامية , ومن دون الدخول في تفاصيلها فقد وجد مرسي أو من كتب نفسه في مأزق , لم يستطيع الفكاك منه , فعاد ليدغدغ الشعب المصري , بالإسلام وحلاوته نافيا ضمنا كا ما كتب عن الديموقراطية والتعددية ... الخ من الطنطنة التي أسهبنا فيها. ويبقي السؤال الأبرز , إذا كان المرسي يرغب حقا في المرجعية الإسلامية والحكم الشرعي , ألا يعلم أنه سيغضب الكثيرين هذا الأمر. إن الشريعة لا مراء فيها ولا جدل , وقضاياها في أغلبها أحكاما سبقت بسيفها عزل التفكير , اللهم فيما يسمح به من تسيير أمور الحياة , فلا إجتهاد مع نص , وهذا يعني بالتبعية الكثير من التفسيرات المختلفة لمعني وطنية الدولة ودستوريتها , ومبدأ المواطنة , والشوري والديموقراطية وهما ليس بواحد , الخ. لقد كان أرسي سيدنا أبو بكر رضي الله عنه , أساس التصرف وإتخاذ القرار فيما يخص شرع الله في حروب الردة علي من منعوا الزكاه قائلا : "والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لحاربتهم عليه " هذا هو الشرع , ومن يحب أن يحكم " بالضم" بالشرع وأن يحكم "بالضم" فيه الشرع لا مواربة ولا ارضاء للجميع. وإلي لقاء في حلقة قادمة مع حلقات مشروع النهضة أم نهضة المشروع وصدق الشيخ محمد أحد أعضاء جماعة الأخوان , حينما قال "من يرضي الجميع قولا يغضب الجميع عملا"