لم تقم الثورة لكي تغير رئيسا برئيس، ولا ديكتاتورية علمانية بديكتاتورية دينية، بل قامت الثورة من أجل إسقاط النظام، والنظام باق حتى الآن، لم يسقط ولن يسقط إلا عندما تحقق الثورة أهدافها، وهو المستفيد الأول من الصراعات التى نشبت بين مختلف القوي السياسية والتيارات السياسية المتأسلمة والعسكرية. أما وفيما يتعلق بالذين حملوا علي عواتقهم، عبء إيقاف الجسد الثوري على أقدام ثابتة، فلم يبق منهم إلا القليل المؤمن بإكمال المسيرة، فى ظل افتقاد الكثير من القوى الدافعة للاستمرار، سواء بتحول الشارع عنهم بفعل (فاعل).. أو بتخلي "الإخوان" عنهم، وهم عندما توحدوا جميعا، لم تتمكن قوة على الأرض من إيقافهم. بالمقابل، تعاظمت قوي الثورة المضادة، بقيادة فلول النظام البائد، التى تنتظر بفارغ الصبر صدور المزيد من أحكام البراءة لصالح شركائهم فى جريمة تركيع مصر وتحويل شعبها إلى عبيد داخل البلاد وخارجها، مستفيدة أكثر وأكثر من عجز الكيانات الثورية عن تحقيق آمال المصريين فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، بل وساهمت رموز الثورة المضادة، بالتعاون مع أنظمة الخليج التى ترتعد فَرََقاً من تعرضها لنسائم الربيع العربي، فى خلق أزمات مريرة للمصريين عبر التآمر علي مصادر رزقهم وحياتهم، من بترول وغاز وبنزين، وبإشعال الأسواق حتى يصرخ المواطنون فى النهاية يأسا: إلحقنا يا مبارك؟؟؟ المشهد مُغرقٌ فى اليأس إذن، إلا من بقاع مضيئة متناثرة، تتمثل في رموز ثورة يناير المجيدة، السائرين علي جمر التمسك باستكمال المسيرة الثورية مهما كان الثمن، وهم بدورهم وبعد أن انتقلوا – قسرا – إلى موقع رد الفعل، لم يعد بوسعهم سوي انتظار أخطاء الإخوة الأعداء: "العسكر والإخوان"، وصولا إلى لحظة استعادة زمام الأمور مرة أخري، خاصة بعد سقوط ورقة التوت عن "الأولين" بقضايا مشينة كتهريب المتهمين الأميريكيين فى قضية التمويل الأجنبي، وقبول محكمة العدل الدولية بلاهاي، نظر القضية التى رفعها مواطنون مغتربون ضد "طنطاوى" وجنوده بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد شباب الثورة، والفشل المتزايد للمجلس العسكري فى إدارة شئون البلاد بنظر الكثير من المصريين. أما وبالنسبة "للآخرين"، فقد سقطت عنهم ورقة التوت عندما أبدي كثيرون ندمهم علي إعطاء أصواتهم للإخوان والسلفيين فى الانتخابات البرلمانية، وتصاعد الغضب ضدهم على مستويَىْ الشارع والنخبة، بعد وصمهم بتهم من العيار الثقيل، كبيع الثورة مقابل صفقة مع العسكر، ثم محاولة الاستفراد بكل شيئ.. (برلمان – دستور – رئاسة) وما خفي كان أعظم. ليس الرهان إذن على الفائز الآن أو غدا، فالواضح أنه لم يعد هناك مجال لفوز أحد .. ولكن على من سيسقط أولا فى حرب تكسير العظام الدائرة رحاها حاليا على الساحة السياسية فى مصر.