عندما نتحدث عن الإنجازات التي تحققت ونضجت خلال العام المنصرم والعامين السابقين له، يجب ألا نغفل أبدا حالة التصارع الواضحة الطافية دائما علي سطح الأحداث بين الشعارات الرنانة، التي يبدو أن الحركات السياسية وجدت فيها ضالتها، لدرجة دفعت البعض للقول بأن مصر أصبحت بلد شعارات، وأن التنافس السياسي بين القوي الداخلية لا يقوم علي أساس البرامج أو الخطط أو حتى الأيديولوجيات، بل يقوم علي شعارات، ومن ثم تكون الغلبة لمن يستطيع أن يعتمد في منافساته علي شعار معبر قادر علي الحشد والتعبئة الجماهيرية. ربما يكون الإخوان المسلمين هم - بحق- أجدر القوي، التي اعتمدت في منافساتها علي هذا الأمر، فعن طريق شعارها "الإسلام هو الحل" استطاعت أن تقنع الناخب وتحثه وجدانه للوقوف وراءها، وهذا ما أدركه الحزب الوطني، الذي عكف علي صياغة شعار لكل مؤتمر سنوي يعقده بدءا "حقوق المواطن أولا"، و"الفكر الجديد وأولويات الإصلاح" و"الفكر الجديد والعبور للمستقبل"، و"فكر جديد وانطلاقة ثانية نحو المستقبل"، و"مصر بتتقدم بينا"، وأخيرا، "من أجلك أنت"، فهل بات الأمر مجرد شعارات لا تسمن ولا تغن من جوع؟ وكيف يكون الحال لو استمر الوضع علي هذه الشاكلة ؟ وهل ستكون مصر حقا بلد شعارات؟ د. سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسة بجامعة القاهرة، يقول: السياسة دوما تتعامل مع الشعارات علي أنها أحد القدرات الرمزية للأنظمة السياسية الحاكمة، سواء كانت هذه الأنظمة ديمقراطية أو استبدادية، ومن ثم فقد لعب الشعار دورا ملموسا وهاما في تعبئة الجماهير سياسيا في العهد الناصري، وربما نجحت هذه الأداة في دورها لأنها جاءت في غالبها متوفقة مع مقتضيات المرحلة. ويضيف: كان من أول هذه الشعارات شعار "ارفع رأسك يا أخي فقد مضي عهد الاستعباد"، كما تم استخدام شعار "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" في مجال المواجهة بين إسرائيل والعرب، ثم جاء شعار آخر أفرزته هزيمة يونيو وهو :"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". ويلمح د. عبد الفتاح إلي أن هذه الشعارات كانت تلقي تجاوباً من الجماهير، كونها ذات فاعلية وقدرة علي القيام بعبء تعبئة الجماهير، ومن ثم فالشعارات السياسية كان دوما يوكل دور في منتهي الخطورة، والأمر لا يتوقف عند حد الحقبة الناصرية، بل قبلها بكثير عندما تحركت أفئدة الشعب المصري في ثورة عارمة ضد الإنجليز بقيادة سعد زغلول يحركها شعار "الجلاء التام أو الموت الزؤام". وثيقة المواطنة ويري د. سيف أن الأمر تغير كثيرا خلال السنوات الأخيرة وتحول دور الشعار من وسيلة للتعبئة الجماهيرية إلي كلمات براقة يساء استخدامها في العملية السياسية، وربما يكون الحزب الوطني هو القائد في هذا السياق، بما يتبعه من سياسة إعلاء الشعارات، لأنه دائما يطلق شعارات لا يعبر عن فلسفتها في تحركاته وأفعاله، فحينما يطلق الحزب شعاراً يجب أن ينطبق هذا الشعار علي إنجازات حقيقية للحزب قد حدثت بالفعل، وإلا فان أي شعار يخالف الحقيقة والواقع للناس ومعاناتهم إنما يشكل ما يمكن تسميته ب"الضحك علي الذقون". وربما يكون أقرب مثلا للاستخدام الخاطىء للشعارات، علي حسب د. سيف عبد الفتاح، شعار حق المواطن الذي سجله الحزب في وثيقة المواطنة، والتي تم عرضها علي موقع الحزب علي شبكة الإنترنت، ويقول إن المواطنين لم يشعروا بهذه الحقوق علي أرض الواقع، كما أن الحديث عن الإصلاح لم يرتبط بأي إنجازات، بل علي العكس فإن الناس مازالوا يعانون والأمور تسير من سيئ إلي أسوأ ونسبة الفقر تزداد، ونسبة البطالة تزداد. جدل كبير يري د. ضياء رشوان الخبير في شئون الجماعات الإسلامية أن الشعارات المستخدمة من قبل بعض التيارات السياسية لم تقتصر فقط علي شعاري "الإسلام هو الحل" و"كفاية" ثم "ما يحكمش" المختلف عليه، بل برز خلال التي عقدت فيها انتخابات الرئاسة وانتخابات مجلس الشعب الماضية شعارات عديدة، هذا بدوره ما حدا بالبعض القول بأننا نعيش عصر الشعارات السياسية، فمرشحي الحزب الوطني في انتخابات مجلس الشعب اعتمدوا علي شعار "الفكر الجديد .. العبور إلي المستقبل" ثم "بلدنا بتتقدم بينا"، وفي المقابل قامت بعض أحزاب المعارضة ممن عانوا من وضعية ضعيفة إلي تأسيس "الجبهة الوطنية للتغيير"، التي خاضت الانتخابات تحت شعار " معا من أجل الإصلاح والتغيير". ويوضح أنه علي الرغم من تعدد الشعارات التي شهدتها الساحة السياسية خلال السنوات الأخيرة إلا أن شعار الإخوان المسلمين، هو الشعار الأكثر بروزا، ومن صاحبه جدلا كبيرا، حيث حمل جملة "الإسلام هو الحل"، هذه الجملة التي تربعت علي جميع لافتات الإخوان سواء في الانتخابات أو في الأوقات العادية، ولم يقتصر الإخوان في تحركاتهم علي هذا الشعار وحده بل استخدموا أيضا شعارا فرعيا وهو "معا من أجل الإصلاح". ويرجع رشوان الجدال الواضح حول شعار الإخوان إلي جاذبية كلماته برغم قلتها فهو قادر علي الحشد ويحتوي علي خطاب مجمل وشامل عن منهج الجماعة ودعوتهم وهو مفهوم وبسيط، علاوة علي اتصافه بالخصوصية، في حين احتواءه علي رؤية عامة مستقبلية تجسد آمال وطموحات الناس، مشيرا إلي أن الأهم من الشعار والصورة في الدعاية وحشد الجماهير ضرورة التمتع بالمصداقية، لأنها الأساس في الوصول إلي قلوب الجماهير، وربما يكون هذا الأمر لا يزال غائبا عن غالبية شعارات السياسة المصرية. استخدام الشعارات لأهداف سياسية أمر ليس بالجديد، كما يري د. نبيل عبد الفتاح الخبير الإستراتيجي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، كما أنه غير قاصر علي السلطة الحاكمة فقط، بل هو ممتد ليشمل التيارات السياسية والأهلية المختلفة، وربما يبلغ الأمر ذروته في أيام الانتخابات. ويوضح د. نبيل عبد الفتاح أن هذا بالفعل ما شاهده المواطن المصري في انتخابات مجلس الشعب الماضية وكذا انتخابات الرئاسة، فالأمر لم يخلو من وعود وآمال للشعب تفتقر إلي الحس السياسي والاجتماعي، بل أن هذه الشعارات في مجملها كانت متشابهة، ومن ثم كانت السمة الغالبة اللجوء إلي الشعارات الجوفاء واللغة غير المنضبطة سياسيا من حيث الدلالة والمعني. ويؤكد د. أحمد ثابت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن تاريخ السياسة المصرية يحفل بالشعارات منذ أمد بعيد، ولعل السبب الرئيسي لتعاظم دوره فاعلية تأثير الكلمة علي الشعب المصري، فالكلمة دوما لها سطوة شعبية كبيرة، وإن كانت شعارات هذه المرحلة ينتابها دوما نوع من الغموض، فحركة "كفاية" المتهمة بأنها حركة نخبوية نجدها ترفع شعارات سياسية شديدة الثورية والراديكالية مثل "لا للتمديد .. لا للتوريث"، وفي ذات الوقت نجد احتجاجات الطبقات الشعبية وعلي رأسها العمال أكثر هدوءا وحكمة وبساطة ويبدو ذلك فيما ترفعه هذه الحركات من شعارات. ويري أن هذا الاختلاط وعدم المعيارية في ترابط الشعارات بالحركات التي تروجها خلق نوعا من عدم المصداقية علي الصعيد الجماهيري، فشعارات الإخوان باتت لا تلقي قبولا كما كانت عليه في الماضي، ومثلها تلقي شعارات الأحزاب السياسية وعلي رأسها الحزب الوطني الحاكم، ليس هذا فحسب بل أصاب شعارات الحركات الأهلية أيضا هذا التجاهل، فالساحة تعيش هذه الآونة حالة حرب شعارات، حيث نجد حركة ترفع شعار "كفاية" فتخرج علينا حركة مناهضة ترفع شعار "مش كفاية". ويشدد ثابت علي أنه من المؤكد أن مصر مقبلة علي مرحلة صعبة، وأن الأخطار التي تهدد النظام لن تكون في ثورة شعبية أو عصيان مدني تقوده التنظيمات السياسية، فالأمر ليس شعارات فقط كما يروج البعض بل هو أخطر من ذلك بكثير، هو نتاج تراكم مجموعات كبيرة من الاحتجاجات العشوائية وشبه المنظمة، التي من شأنها أن تهدد تماسك النظام، ومن ثم إذا لم تخرج نخبة سياسية جديدة قادرة علي التواصل أو علي الأقل الاستفادة من الاحتجاجات المتصاعدة من أجل تغيير الحكم لا هدم النظام، فإننا سوف نصبح علي أعتاب فوضي غير خلاقة بكل تأكيد. دفاع مستميت أما د. جهاد عودة رئيس قسم العلوم السياسة بكلية التجارة بجامعة حلوان، يري أن الشعار عبارة عن رسالة صغيرة يقصد بها تعبئة حالة نفسية للجماهير أي أن وظيفة الشعار تحفيزية في المقام الأول، إلا أن الشعارات المستخدمة في السياسة المصرية دوما تجدها غامضة، وربما يكتنفها ملابسات مقصودة من القائمين عليها، فشعار الإخوان "الإسلام هو الحل" أمر يدعو للحيرة ودوما يثار حوله تساؤلات خاصة بهذا الإسلام هل هو الإسلام المعتدل أم الإسلام الطالباني؟! وينصح د. عودة أنه لكي يمكن الحكم علي الشعار يجب إخضاعه لعدة معايير أولها، أنه لكي يتم التعرف علي مغزى أي شعار مرفوع لابد من التعرف في بداية الأمر علي معناه لغوياً، وثانيها، ليس بالضرورة أن تكون الشعارات مدلولات علي الواقع، بل ربما تكون إسقاطات وإيحاءات تشير إلي المأمول من العمل في المستقبل. ويشدد علي أنه هناك خلط كبير يقع فيه الكثير وهو عدم التفريق بين الشعار والخطة، مشيرا إلي أن الشعار في النهاية مجرد كلمات تلهب الخيال، وهو جزء أساسي من الاحتياج المعنوي للتعبئة الشعبية، ليكون معبرا عن أمل يضعه الجماهير أمامهم ثم يحاولون تحقيقه، وبالتالي لا يجوز المحاسبة علي هذا الإخفاق، بعكس الخطة التي نضع فيها أهدافاً محددة ونسعى إلي تحقيقها، وبالتالي يجب أن نري إلي أي مدي حققنا منها ما نريده، وربما تكون المحاسبة هنا ممكنة، لأن الخطة تم وضعها بناءا علي دراسة وتخطيط. وقال د. جهاد عودة: شعارات الحزب الوطني دائما تأتي لكي ترسم خطة جماهيرية للتحرك إلي المستقبل، فالشعار الرئيسي الأول أعلن مع بدء الإعلان عن المؤتمر العام الثامن، وهو "فكر جديد"، ثم بعد ذلك أطلقت تيمات متعددة لهذا الفكر الجديد مع كل مؤتمر سنوي للحزب، بدأت ب"حقوق المواطن أولا" في المؤتمر السنوي الأول، ثم "الفكر الجديد وأولويات الإصلاح" في المؤتمر الثاني، و"الفكر الجديد والعبور للمستقبل" شعار المؤتمر السنوي الثالث، تبعه "فكر جديد وانطلاقة ثانية نحو المستقبل" في المؤتمر الرابع، و"مصر بتتقدم بينا"، شعار المؤتمر العام الخامس، وأخيرا، "من أجلك أنت" في مؤتمر السادس. وأضاف: هذه الشعارات شكلت دستوراً للعمل تحت مظلة الفكر الجديد، وأظن أن الحزب الوطني نجح بالفعل أكثر من غيره في تعبئة الجماهير حيال بعض الأحداث الهامة، وفي أيام الانتخابات الرئاسية الأخيرة، استطاع الحزب أن يحرك الجماهير للذهاب إلي صناديق الاقتراع، لكي يختاروا من يرونه فيه آمالهم وطموحاتهم، وكان شعار الحزب في هذه الأيام، هو: "تعال صوّت، مهما كان صوتك هيروح لمين"، وربما كان لهذا الشعار دورا ملموسا في زيادة نسبة المشاركة، فالناس شاركت بالفعل استجابة لهذا الشعار.