بضمير القاضى، ورؤية المؤرخ، ومنطق المفكر.. مضافا إليها غيرة المواطن المحب لبلده، وأهله.. يخشى المستشار طارق البشرى أن يكون المشهد السياسى والإعلامى فى مصر حاليا مجرد تمثيلية لتهيئة المسرح لاستقبال الانتخابات الرئاسية كما لو كانت هناك انتخابات حرة، وكما لو كان هناك مرشحون؛ لتنتهى المسألة فى النهاية إلى ما انتهت إليه فى كل مرة، إما باستمرار الرئيس حسنى مبارك أو خلافة وريثه». البشرى كان قاطعا كما لو كان يُصدر حكما قضائيا فى أن السلطة المطلقة ستظل قائمة ما لم تتغير موازين القوة فى المجتمع بالشكل الذى يتيح قدرا كبيرا من التوازن، مشيرا إلى ان مجرى الأمور حالياً لا ينبئ بتغيير الأوضاع، ولكى يتغير الوضع ينصح مؤرخ الحركة الوطنية المصرية والقاضى السابق طارق البشرى المعارضة بعدم تكرار أخطاء 2005، والتركيز على السعى لتحقيق 4 مطالب رئيسية كخطوة أولى على طريق التغيير، وهى إلغاء حالة الطوارئ، ثم الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين من جميع الاتجاهات، وإطلاق الحريات العامة، وأخيرا إعادة الإشراف القضائى الكامل على العملية الانتخابية. ثم يدعو صراحة إلى مقاطعة كل انتخابات مقبلة ما لم تستجب السلطة لهذه المطالب. وإلى نص الحوار: انشغلت الساحة السياسية فى الأيام القليلة الماضية ببعض المبادرات والتصورات لانتقال السلطة.. طرحت بعض الأسماء البارزة كمرشحين محتملين لانتخابات الرئاسة المقبلة.. فهل ترى شيئا جادا فى هذا المشهد؟ الوضع السياسى ليس فيه تغيير حقيقى، لكن مصر ليست عاجزة عن التعامل مع الشئون العامة بشكل رشيد وجيد فى مختلف المجالات وبشكل واسع جدا، ووضع المسألة كما لو كنا نبحث عن الشخص الملائم للفترة الحالية، يعنى الاعتراف المسبق بوجود ندرة شديدة فيمن يستطيعون التصدى لإخراج الأمة والدولة من الوضع الحالى وتهيئتها للمستقبل، وهذا غير صحيح. المسألة كلها لا تتعلق بالاختيارات، فالاختيارات فى النهاية لا تعتمد على كفاءة الشخص فكل المرشحين أناس أفاضل وكل منهم مهنى فى مجاله وكلهم مهتمون بالشأن العام مما يجعلهم محل تقدير وثقة، ولكن فى النهاية السياسة تتعلق بأوضاع أخرى.. ومن ثم يجب الإجابة عن عدة أسئلة: أين القوة؟.. وأين محركات الدفع؟.. ومن أتى بك؟.. ومن يستطيع أن يخرجك؟، فإذا كان الشعب قد أتى بك فستكون رئيسا للشعب، أما اذا كنت رئيسا معينا فبالقطع لن تعبر عن الشعب ولكن ستعبر عمن أتى بك. الخلاصة أنه ما لم تتغير موازين القوة فى المجتمع وما لم تتغير الموازين العامة بالشكل الذى يؤدى إلى ظهور عدة قوى متوازنة تكون قادرة على أن تحد من بعضها البعض لن يكون هناك إمكانية لتوقيف السلطة المطلقة. فالسلطة المطلقة قائمة وستظل قائمة مادامت القوة الوحيدة المحركة هى قوة رئاسة الدولة، فلا أحد يتنازل عن سلطته المطلقة إلا بمن يحد من هذه السلطة من خارجها. عندما سئل الأمين العام لجامعة الدول العربية عن نيته فى الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة قال: «لم يحن الوقت لاتخاذ القرار بعد»، وأضاف «أن مصر بها خلل والرئيس بنى طابقا ولابد من بناء طوابق»، والدكتور البرادعى تحدث بما يوحى أن الموضوع مازال مفتوحا إذا قورنت تلك التصريحات بالإحجام المطلق فى 2005 هل نجد شيئا مختلفا؟ لا أتكلم عن أفراد ونوايا.. أنا أتكلم عن أسس موضوعية وهى التوازنات السياسية والاجتماعية فى المجتمع، والنوايا لا يعول عليها وحدها، وليس هناك ما يدعم هذه النوايا بأى شىء موضوعى. ولكى يتوافر الدعم لتلك النيات، فلابد من مجموعة الإجراءات ولابد أن تتحقق معا، بداية من إلغاء حالة الطوارئ، والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين من جميع الاتجاهات، وإطلاق حرية التظاهر والمسيرات والاعتصامات السلمية، وإعادة الإشراف القضائى الكامل على العملية الانتخابية، بمعنى قاض على كل صندوق حتى اعلان النتيجة، وأن توكل إدارة العملية الانتخابية بالكامل للسلطة القضائية. ولكن فى وجود السلطة المطلقة هل تتوقع الاستجابة لهذه المطالب؟ أتصور أن تغييرا جادا فى المجتمع يسعى إلى إنجاز هذه المطالب، وإن لم يتم هذا الإنجاز فلا تغيير، أرى أن المعارضة فى 2005 بدأت بالطريق الخطأ طالبت بتعديل الدستور وفقا لمبادئ عظيمة ومثالية يمكن أن تحقق الديمقراطية، لكن كان يجب أن تكون هناك قوة حركية قادرة على مواجهة سلطة الدولة. ويجب أن يقدم الشعب عددا من التضحيات فى هذا الشأن متعلقة بالتحريك والتنظيم، حتى يصبح قوة تعادل قوة السلطة، والذى حدث هو أن السلطة انتهزت فرصة المطالبة بتعديل الدستور لكى تعدله بطريقة تحصن أوضاعها. ألا ترى أن هذه المبادرات طرحت لتمثل قوة ضغط على الرئيس مبارك عسى أن يستجيب لأى منها؟ أنا لا أتحدث عن النوايا أنا أتكلم فى واقع عملى وواقع اجتماعى وموضوعى موجود، فما هى علاقات القوى، هى أن تفصل السلطات عن بعضها البعض، فالمهم أن يكون فى المجتمع قوى تتوازن مع بعضها البعض، وعلينا أن نصل لهذا الحد، كل شعوب الدنيا نهضت بذلك، ونستطيع أن نصل لذلك عبر جهود وتضحيات. فى ظل الأوضاع الحالية كيف تتوقع سيناريو انتقال السلطة فى مصر؟ الحقيقة أن هناك علامات استفهام أكثر بكثير من الإجابات لأن القوى الكامنة فى المجتمع المصرى لم تظهر وتتبلور بعد بالشكل الذى يعطينا إمكانات التنبؤ أو التوقع، وأنا مؤمن بأن الشعب وجهاز الدولة فيه الكثير من العناصر الوطنية لكنها لم تتبلور فى شكل قوى تحقق توازنا بعد، والحاصل أن السلطة المطلقة فى مصر الآن مستعدة أن تقبل أى كلام فى الصحف كنوع من أنواع تهيئة المناخ كما لو كنا نعيش فى ظل نظام ديمقراطى. والإعلام هو الشىء الوحيد الديمقراطى فى البلد لأنه لا يتعدى الكلام (ناس يتحدثون وآخرون لا يستمعون)، لكن الحركة نفسها ممنوعة بل إمكانات الحركة نفسها مصادرة. وأظن أننا نمر بمرحلة تفكيك للمجتمع ولجهاز الدولة، الوزارات والهيئات والإدارات المختلفة مفككة، وهو أمر نعيشه كل يوم، بحيث تحولت العلاقة بين الرئيس والمرءوس إلى تابع ومتبوع، ومن ثم تحول جهاز ادارة الدولة إلى التبعية. وأشعر أن المشكلة ليست فى تفكيك أدوات المجتمع المدنى فقط لكن الأخطر هو تفكيك جهاز إدارة الدولة، وأتصور انه لو كان جهاز الدولة المصرى لديه من الإمكانات ما يمكنه من تغيير سياسات معينة أو تنفيذ أو حجب أو ترشيد سياسات معينة لاختلفت موازين كثيرة. مع كل ذلك مازالت هناك بقية وثقتى فى جهاز الدولة ثقة قوية، ومصر لم يحكمها طوال تاريخها أحد من خارج جهاز إدارة الدولة وأنا أفرق هنا بين جهاز الدولة «وهو الرئاسة والحكومة» وبين جهاز إدارة الدولة بكل مؤسساته فهذا الجهاز الأخير أثبت دائما أن أى أحد من خارجه لا يستطيع السيطرة عليه عندما يكون قويًا. هل أمامنا الكثير حتى نتمكن من إعادة بناء جهاز الدولة الذى يمر بمرحلة «تفكيك»؟ أتمنى ألا يكون كذلك فجهاز إدارة الدولة لا يزال موجودا وبه العديد من الخبرات، ويمكن لهذه الخبرات أن تتجمع وتؤدى إلى تغيير فعلى فى سياسات الحكم والأطقم القائمة، وأظن أننا نحتاج لخمس سنوات لإعادة التماسك والنهوض، وقد كنت منذ وقت قصير أخشى أن تتطلب هذه العملية عشرات السنوات، ولكن أثبتت شواهد عديدة مؤخرا أن فى هذا الجهاز بقايا قوة، ومن هذه الشواهد إحباط مشروع الصكوك الشعبية. تحدث الأستاذ هيكل عن مرحلة انتقالية ومجلس أمناء كيف تقيم هذا الطرح وهل من الممكن أن تشارك فيها ؟ لا أتكلم عن مشاركتى فى الفترة الانتقالية، فالبداية تتعلق بالإتاحة والإمكانية، وأن يكون هناك قدر من التنظيم والتحريك فى البلد. طلب البعض صياغات دستورية تسمح بتحقيق «خروج آمن» لرؤساء مصر حتى لا تتم ملاحقته قضائيا، ليكون هناك رؤساء سابقون وليس فقط رؤساء راحلون، كيف ترى هذا الطرح؟ من يقول هذا يعتقد أن البقاء فى السلطة هو مهرب من القانون وأنا لا أوافقه على هذا. الخروج الآمن للرؤساء لن يتحقق إلا بتداول السلطة. تكونت على مدار الأسابيع القليلة الماضية عدة جبهات من رموز المعارضة.. (مواجهة التوريث.. ومصريون من أجل انتخابات حرة.. إلخ) هل تستطيع تلك المجموعات الاتفاق على موقف فيما يخص نقل السلطة ومواجهة «التوريث» ؟ نحن أمام مرحلة مشابهة تقريبا لمرحلة 2005 2007 وأخشى أن تتكرر نفس الأخطاء مثل المطالبة بتعديل الدستور دون أن يكون لديك القدرة على انفاذ ما تراه من تعديلات أو المشاركة فى هذا التعديل، على المعارضة ألا ترفع شعارًا أكبر من قدرتها على تنفيذه، وترتب على ذلك أن تم استخدام هذا الشعار لتنفيذ ما يكممها وما يجعلنا نتراجع دستوريا ونتراجع ديمقراطيا، من خلال حزمة التعديلات الدستورية، فألغيت الرقابة القضائية على الانتخابات، وحددت رئاسة الجمهورية فى شخص واحد، وزادت صلاحيات الرئيس، وتم تقنين حالة الطوارئ والمحاكم العسكرية، وأصبح النظام المستبد المطلق دستوريا بهذه الحركة التى بدأتها المعارضة، لأنها بدأت المعركة وليست لديها امكانات للنجاح. واليوم إذا بدأنا بطرح الأشخاص فقد وقعنا فى مشكلة، بالرغم من أننى قد أحترم هذا الشخص وأقدر مهارته وكفاءته المهنية ومواقفه العامة لكنى لا أعرف برنامجه، وبالتالى أظن أن هناك محاولة لشخصنة الأزمة، بالضبط مثل شخصنة الرئاسة والسلطة، فهناك محاولة لشخصنة بديل معارض لا نعرف نواياه ولا نعرفه لكن نرعاه ونحترمه. ومن الخطأ تحويل الإشخاص إلى رموز أيا كانوا، فإذا قلنا على الشخص «رمز» فقد قدسناه وهذا له تبعات سيئة. مرة أخرى كيف لا تكرر المعارضة أخطاء 2005؟ المعارضة عليها أحمال وأثقال كثيرة ولا أريد أن أزيد عليها الأثقال. ولكن يجب عليها أن تطرح الآن مطالب موضوعية مثل إنهاء حالة الطوارئ والإفراج عن المعتقلين وإطلاق الحريات، وإعادة الإشراف القضائى الكامل للعملية الانتخابية، وأتمنى أن تتبنى قوى المعارضة هذه النقاط ولا يهمنا بعد ذلك من يأتى. وماذا لو لم يستجب النظام لتلك المطالب هل تقترح على المعارضة مثلا مقاطعة الانتخابات؟ أظن أنه فى حالة عدم الاستجابة لهذه المطالب تعلن المعارضة مقاطعتها للانتخابات لعدم تحقق الجدية. تبنى الدكتور محمد سليم العوا الدعوة التى وجهها بعض النشطاء لشخصيات مستقلة منها المستشار البشرى والأستاذ فهمى هويدى والدكتور يحيى الجمل وغيرهم.. لتكوين ما وصفوه ب«الكتلة الحرجة» يلتف حولها المثقفون والمخلصون من كل التيارات لتقديم رؤية مستقلة لمواجهة ما وصفته بالخطر الذى تنتظره مصر.. فهل ينتظر الرأى العام منكم بلورة مثل هذه الرؤية قريبا؟ أتصور أن أى جهد أستطيع القيام به مهما كانت تكلفته لن أتأخر عنه أبدا، لكنى اعتقد أن هذه الفترة فيها من الكلام ما يكفى. وفيها من الأفكار والأهداف ما نستطيع أن نضعه على الطاولة فى نصف ساعة، وسبق ان قلتها، لكن البلد يحتاج لخبرات وقدرات متعلقة بالتحريك والتنظيم أكثر منها فى التفكير، ولابد من إدراك أن الخبرات الحركية تحتاج وقتا للتراكم. وتذكروا أنه فى الفترة ما بين 2004 و2007 تصاعدت حدة الحركات الاحتجاجية لدرجة وصلت إلى 200 أو 300 حركة تمت فى مواقع مختلفة داخل جهاز الدولة وفى مصانع القطاع العام ولم يرتبط هذا بتحرك سياسى موازٍ، وهذه كلها خبرات، والذى لم يتوافر المرة الماضية يجب أن يتوافر الآن، ولو وقعت الاحتجاجات التى تمت على مدار الثلاث سنوات فى ثلاثة أشهر فقط لتغيرت اشياء كثيرة فى مصر، وهذا هو المطلوب ولو كانت تحولت حركات عام 2005 إلى عصيان سلمى لتغير الوضع كثيرا. وكيف نستطيع الربط بين المطالب الفئوية الاقتصادية الاجتماعية والمطالب السياسية؟ هذا شغل الحركيين. إذا افترضنا أن كل هذا لم يحدث، إلى متى ستظل هذه الحالة من الجمود؟ البعض يتحدث عن أفق أسود قريب.. خصوصا أن بعض رموز الحزب الوطنى يراهن على أن الأغلبية الصامتة لم تتحرك يوما ما؟ الحزب الوطنى قسمان، قسم فى لجنة السياسات وهم يختارون بشكل معين وهى دائرة ضيقة مرتبطة بالرئاسة وهى التى تحكم أوضاع البلد فى هذه الأيام مع بعض الوزارات، وعددهم محدود ولا أظن أن عددهم سيزيد، والباقى يدخلون الحزب من أجل أن يضمنوا حقوقهم فى التوظف والبقاء فى أعمالهم وهؤلاء عندما تتغير أوضاع بعينها سيتغيرون. هل أنت متشائم من الأغلبية الصامتة ؟ لست متشائما، أقول إنه فى لحظة معينة ستختلف الأوضاع وتنقلب الموازين، فمصر تحركت يوم 9 مارس 1919 فى 24 ساعة بسبب العناصر التى أقول إنها ذات قدرة على التحريك والتنظيم، فمن طبيعة الشعب المصرى وقدراته انتشار النار تحت الرماد. هل تتوقع رد فعل شعبيا قويا فى حالة نقل السلطة إلى جمال مبارك؟ لا أستطيع الحكم ولكن من الممكن أن يكون هناك رد فعل لسبب أقل من ذلك كثيرا، ولا أدرى ما الممكن أن يحدث وقتها، وأنا لست مقتنعا أبدا بإمكانية جمال مبارك على مواجهة جهاز إدارة الدولة، لأنه يحتاج شخصا من داخله ليكون عارفا بملابساته وعلاقاته ومدربا على القيادة من داخلها.. واذا لم يأت جمال مبارك أرفض أيضا استمرار الوضع على ما هو عليه إننى أشعر بالخجل والغيرة من استمرار مصر على هذا الوضع فى الوقت الذى تصعد فيه تركيا وإيران بهذا الشكل. لا يمكن أن نتحدث عن مستقبل السلطة فى مصر ونغفل رقما مهما فى المعادلة السياسية الإخوان المسلمين ماذا يحدث داخل الجماعة الآن؟ الإخوان المسلمون كحركة سياسية أو كحركة تنظيمية موجودة ومن حقها أن تبقى.. لأنها تمكنت من البقاء ل80 سنة رغم السجون والتعذيب والاضطهاد فهى ظلت موجودة وبتسلسل، ويكاد تكون هى التنظيم الوحيد الذى له استمرارية عضوية من 1927 إلى الآن، فالأحزاب الأخرى منها ما انتهى ومنها ما عاد فى خلق جديد، فمن حقهم تاريخيا أن يكون لهم امكانية العمل السياسى والعمل الدعوى المستمر. والإخوان هم مثلما قال حسن البنا: «نحن لسنا حركة سياسية ولسنا حزبا سياسيا ولسنا طريقة صوفية ولسنا جمعية خيرية»، وهو تحدث هنا عن الدعوة، لكن الدعوة فى الاسلام وكما يرونها هم لها وجه سياسى وهم دعاة يعتبرون أن السياسة جزء من الدعوة وهو تفكير موجود بين أعضائهم ومنتشر، وأنا لا أحاسبهم والشعب هو الذى يحدد كيف يتعامل مع هذا الأمر وهناك جزء من الشعب يندرج فى هذا التنظيم وهو مؤمن به ويحب ان يعبر عن نفسه، والإخوان هم التنظيم الوحيد الذى نرى فيه تغييرا فى قيادته صحيح بالوفاة، ولم يتأثر وجود الجماعة بتغيير القيادات من البنا للهضيبى للتلمسانى ل«أبوالنصر لمشهور للهضيبى الابن لعاكف»، الذى خرج من نفسه واستقال من نفسه، ومن أول يوم تولى فيه المنصب قال إنه لن يستمر أكثر من مدة واحدة وهذه جديدة على الأخلاق المصرية وجديدة على جماعة الإخوان نفسها، والخلافات التى بينهم من الواضح أنها بين محافظين ومجددين، فهناك عناصر أكثر انفتاحا للحياة السياسية، وهناك عناصر أقل انفتاحا للحياة السياسية تعتبر الدعوة هى الأساس والتربية هى الأساس. والخلافات داخل اى تنظيم بين اتجاهات مختلفة معروفة، وهناك تعايش بين الجناحين على مدى طويل وهذه ظاهرة طبيعية، ومسألة الخلافات الداخلية معروفة وليس بها مشكلة والمهم هو مدى المساهمة فى العمل السياسى المطلوب اليوم وأنا أرى انها مساهمة أقل مما تحتاجه مصر وما يقدرون عليه. هل سيكون هناك انعكاس للخلافات داخل الجماعة على أدائهم السياسى فى المرحلة المقبلة؟ لا أعرف ولو كنت أعرف كنت أقول. هناك من يرى أن حركة استقلال القضاء انتهت أو فشلت فما تعليقكم؟ لم تفشل، القضاة لم يقوموا بثورة فى مصر ولم يكن بمقدورهم تغيير الأوضاع السياسية، فبعضهم يهتم بالشأن السياسى العام دون انتماء لحركات سياسية أو انتماءات سياسية محددة ويتكلم فى المسائل الوطنية العامة، وفى 2005 تحرك القضاة وطالبوا جهاز إدارة الدولة بالوقوف على الحياد أثناء الإشراف على العملية الانتخابية، والقاضى الكفء عنده حساسية شديدة تجاه التدخل فى عمله ويشعر بها من بعيد ويتجنبها. ووجدوا أن هناك من يتدخل فى عملهم بشكل فج فقاموا بهذه الحركة دفاعا عن استقلالهم فى أدائهم الوظيفى وأظهروا ما حدث أمام الناس وانتهت مهمتهم عند هذا الأمر ونجحوا فى هذا جدا، فقصارى ما يفعله القاضى هو أن يصدر حكما ولكن ليس من دوره أن ينفذه، على الأجهزة الأخرى أن تقوم بالتنفيذ، وإذا لم تقم بالتنفيذ فإنها تخلت عن الشرعية، وهم فى إطار ما يصنعون وفى اطار العملية نجحوا فيها، لكن الحركة السياسية طلبت منهم أكثر مما تتحمل الطبيعة القضائية وأوضاعها. لكن ألا ترى أن تيار استقلال القضاء تم تحجيمه؟ المعركة انتهت والتدخل فى الانتخابات انتهى وأصدرت حكمك وانتهيت على هذا الوضع.