استمرارا لحديث حتمية تطهير الاعلام للحد من الفوضي التي تعصف به ولإعادة المهنة الي قواعدها الأصلية, تبقي الدعوة ضرورية لتطبيق نفس القواعد داخل بلاط صاحبة الجلالة الصحافة بعدما ناءت هي الأخري بكثير من الأمراض ومظاهر القصور المهني, فبعد أن عرفت قطاعات صحفية متعددة خروجا علي قواعد المهنة بدأت تتعرض لظواهر خطيرة تنقلها من أحوالها السيئة إلي الأشد سوءا, ولا شك أن البداية كانت مع ظهور مندوبي الوزارات والمؤسسات والهيئات الرسمية داخل المؤسسات الصحفية. والمقصود بالقطع تحول المندوبين الصحفيين الي خدمة الجهات التي يعملون لديها داخل الصحيفة بدلا من القيام بالمهام الصحفية الأصلية الموكلة اليهم, وأعقب ذلك الخلط الشديد بين الاعلانات والاعلام وتحول مندوبو الصحف إلي مندوبي اعلانات مماأدي في مرحلة لاحقة إلي ظهور طبقة رجال الأعمال الصحفية ومنهم من التصق بالوزراء في مواقع المستشارين ومنهم من التصق برجال الأعمال, وآخرون باتوا في خدمة الفضائيات التي تخدم رجال الأعمال أيضا ولكن المحصلة واحدة وهي ظهور طبقة رجال الأعمال الصحفية, وبالطبع لها مصالحها وأهدافها الخاصة.. وإذا كان في ظهور تلك الطبقة انجراف صحيح عن قواعد المهنة إلا أن الأمر لم يتوقف عند ذلك, وأدي التدهور المهني والإداري داخل بلاط صاحبة الجلالة بعد ذلك إلي ظهور مايمكن تسميته بأصحاب التوكيلات الصحفية وخطرهم لا يقل عن خطر مزدوجي الولاء الوظيفي. الذين يجمعون بين أرفع المناصب المهنية داخل مؤسساتهم الصحفية وخارجها في الوزارات والهيئات الحكومية وغير الحكومية ومع رجال الأعمال وداخل الفضائيات ايضا, وقد تكون فكرة أصحاب التوكيلات الصحفية قريبة من فكرة أصحاب التوكيلات التجارية حتي وإن لم يمارسوا العمل التجاري بشكل واضح وصريح, ولكن رأينا من يحاول احتكار قطاع أو جهة أو دولة أو حتي قارة لحسابه الشخصي ويجعلها حكرا علي نفسه دون غيره من الآخرين, فمن أمضي في اليابان ثلاثة أو أربعة أعوام يعتقد أنه صاحب توكيل اليابان ويعتبر نفسه الفقيه الوحيد في شئون اليابان, ومن زار دولتين أو ثلاث دول إفريقية يري أنه الوحيد المخول بحق الكتابة والتحليل عن افريقيا وأي شخص يقترب من ذلك فهو دخيل وجاهل ولا علاقة له بالشئون الإفريقية, أما من عمل مراسلا في قنوات سابقة في تركيا فيري انه لا يجب تمرير أي شأن تركي إلا من تحت يديه ومن زار إسرائيل وانبهر بها يرفض تمرير أي خبر يسيء للدولة العبرية! والغريب أن فهم من يخصص كتاباته لخدمة الجهة صاحبة التوكيل فتراه في أحوال معينة يتحول إلي دبلوماسي في خدمة استقبال وتوديع السفراء وزوجاتهم أو الاشادة بهم بمبرر أو دون مبرر وربما يقدم خدمات منتظمة من خلال كتابة تقارير معينة في شئون بعينها تحت بند استشارات اعلامية. وعلي أي حال هذه التوكيلات لا علاقة لها بالتخصص فهي ايضا بزنس واسترزاق وسفريات وفضائيات وأشياء أخري, ولا شك في أن تلك الظاهرة وغيرها من الظواهر السابق ذكرها تمثل انحرافا بمهنة الصحافة عن مسارها الرئيسي وأهدافها السامية, وبالتالي فالتطهير واجب ايضا داخل بلاط صاحبة الجلالة مثلها مثل وسائل الإعلام الأخري.