حرمة الدماء والأموال في ضوء خطبة حجة الوداع، موضوع خطبة الجمعة القادمة    "البحوث الفنية" بالقوات المسلحة توقع بروتوكول مع أكاديمية تكنولوجيا المعلومات لذوي الإعاقة    وزارة العمل: توفير 7 ملايين و240 ألفا فرصة عمل فى الداخل والخارج منذ 2014    المشاط: ترفيع العلاقات بين مصر واليابان يؤسس لمرحلة جديدة لتلبية تطلعات البلدين    إزالة 465 حالة إشغال طريق مخالف بمراكز البحيرة    تدشين 3 خطوط جديدة للشركة الوطنية مصر للطيران بالقاهرة خلال يوليو المقبل    ارتفاع أسعار المكرونة واللحوم وانخفاض الجبن اليوم الجمعة بالأسواق (موقع رسمي)    اليوم تسيير 27 رحلة جوية إلى الأراضي المقدسة    وزير الخارجية السوداني: روسيا من الدول التي ستشارك في إعادة إعمار السودان    منظمة العمل العربية: متابعة طلب فلسطين بالعضوية الكاملة فى "العمل الدولية"    بايدن يعتذر لزيلينسكى عن تأخير المساعدات العسكرية لأوكرانيا    غدا.. الأهلى يواجه النجوم ودياً استعداداً لفاركو فى الدورى    القائمة النهائية لمنتخب إسبانيا المشاركة في يورو 2024    أول تعليق من وسام أبو علي بعد ظهوره الأول مع منتخب فلسطين    مقتل سوداني بمساكن عثمان بأكتوبر    تسهيلات لراحة الحجاج.. بعثة الداخلية تستقبل آخر فوج بالمدينة المنورة| صور    مصرع شخصين داخل بيارة أثناء التنقيب عن الآثار بالبحيرة    بدء تلقى تظلمات الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ الأحد    نيللي كريم تستعرض إطلالتها الساحرة في حفل زفاف جميلة عوض | فيديو    تشييع جنازة نادر عدلى في العاشر من رمضان اليوم والعزاء بالمعادى غداً    أحكام الأضحية.. ما هو الأفضل: الغنم أم الاشتراك في بقرة أو جمل؟    مفتى السعودية يحذر من الحج دون تصريح    الأوقاف: افتتاح أول إدارة للدعوة بالعاصمة الإدارية الجديدة قبل نهاية الشهر الجاري    مواعيد صلاة عيد الأضحى 2024    «مفيش بشر».. شوارع الوادي الجديد خالية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    «التعليم العالي»: تحالف جامعات إقليم الدلتا يُطلق قافلة تنموية شاملة لمحافظة البحيرة    الانتخابات الأوروبية.. هولندا تشهد صراع على السلطة بين اليمين المتطرف ويسار الوسط    وزير الزراعة يعلن فتح اسواق فنزويلا أمام البرتقال المصري    قوات الدفاع الشعبي والعسكري تنظم عددًا من الأنشطة والفعاليات    مذكرة تفاهم بين مصر وجامبيا للتعاون في إدارة الأنهار المشتركة والتحلية    مصر وروسيا تبحثان سبل تعزيز التعاون في مجالات التجارة والصناعة والاستثمار    الموسيقات العسكرية تشارك في المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية    عيد الأضحى- فئات ممنوعة من تناول الممبار    بروتوكول تعاون لاستقطاب وافدين من أوروبا والخليج للعلاج بمستشفيات «الرعاية الصحية»    في ذكرى ميلاد محمود مرسي.. تعرف على أهم أعماله الفنية    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في موسم ليفربول    ضبط المتهمين بالشروع في قتل سائق وسرقة مركبته في كفر الشيخ    إخماد حريق داخل محل فى حلوان دون إصابات    بمناسبة عيد الأضحى.. زيارة استثنائية لجميع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل    أيام البركة والخير.. أفضل الاعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة 1445    أكسيوس: فشل اجتماع القاهرة لإعادة فتح معبر رفح    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    بعد غيابه عن الملاعب.. الحلفاوي يعلق على مشاركة الشناوي بمباراة بوركينا فاسو    تفاصيل موعد جنازة وعزاء المخرج المسرحي محمد لبيب    اليوم.. سلوى عثمان تكشف مواقف تعرضت لها مع عادل إمام في برنامج بالخط العريض    التعليم العالى: إدراج 15 جامعة مصرية فى تصنيف QS العالمى لعام 2025    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    يونس: أعضاء قيد "الصحفيين" لم تحدد موعدًا لاستكمال تحت التمرين والمشتغلين    وزيرة الثقافة وسفير اليونان يشهدان «الباليه الوطني» في الأوبرا    علي عوف: متوسط زيادة أسعار الأدوية 25% بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج    المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تضامنها الكامل مع الإعلامية قصواء الخلالي    محافظ أسوان: طرح كميات من الخراف والعجول البلدية بأسعار مناسبة بمقر الإرشاد الزراعي    إصابة 7 أشخاص في انقلاب سيارة ميكروباص على الطريق الدائري في القليوبية    خلاف داخل الناتو بشأن تسمية مشروع دعم جديد لأوكرانيا    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    غانا تعاقب مالي في الوقت القاتل بتصفيات كأس العالم 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذين كذبوا علي الناس وصدقوا أنفسهم

اي وسيلة إعلام: (قناة تليفزيونية، محطة إذاعية، أو جريدة، أو حتي مجرد برنامج)، لابد أن تكون لديها مجموعة من العناصر التي تكون معادلاتها.. وتشكل طبيعة وجودها في المجتمع. علي أساس هذه العناصر وتركيبة تلك المعادلة يتقرر عمر هذه الوسيلة.. ومستقبلها.. ناهيك عن تأثيرها.
لنقل أننا نتكلم عن جريدة، أي جريدة، لابد أن يكون لها إطار قانوني.. خارجي وداخلي.. الأول هو الذي صدرت بموجبه.. وحصلت به علي الترخيص حتي تكون بين يدي الناس كل صباح.. هذه الوضعية القانونية هي التي تجعلها مطبوعة شرعية وليست منشورا سريا.
القانون هو قاعدة التفاعل في المجتمع بين أطرافه ومؤسساته ومواطنيه.. والقانون هو الذي يشكل النظام.. ومن ثم يكون غريبا ومناقضا لطبائع الأمور أن تصدر صحيفة صادرة بتصريح من النظام وقانونه لكي تقول في كل يوم (يسقط النظام). عمليا تكون هي وقتها تنادي بسقوط نفسها قبل النظام.
للتفرقة لابد أن نشير، مجددا، إلي التباين الجوهري بين معني النظام ومعني الإدارة أو الحكومة.. الإدارة بموجب النقاش الديمقراطي وحرية التعبير يمكن أن تمتدح ويمكن أن تنتقد.. بل تهاجم.. وتطالب صحف بأن تذهب ويأتي غيرها. هذا منطقي. لكن غير المفهوم أن يكون الهدف هو المطالبة بسقوط النظام.. هذه تكون ثورة.
وفي السنوات الأخيرة، عرفت الساحة الصحفية في مصر جرائد لم تطالب فقط بسقوط النظام الذي تنتمي إلي شرعيته.. بل بشرت بذلك.. وحاولت إذكاء الفوضي.. وتمجيدها.. والدعوة إليها.. وتقريب أذهان الناس من احتمال حدوثها.. بقصد تقبلها وإمكانية التعايش معها والرضا بها.
العنصر الداخلي في الإطار القانوني لأي وسيلة إعلام، هو أنه لابد أن تقوم علي قواعد، تحدد طبيعة أدوار الأطراف فيها، حتي لا ترتبط بفرد، ولا تختل التفاعلات فيما بين العاملين فيها.. هذه القواعد هي التي تنبني عليها (المؤسسية).. فإذا لم تكن موجودة.. فإن الوسيلة الإعلامية مهما كانت شهرتها وصخبها لا تتخطي مرحلة كونها (دكان).. وتكون بالتالي في مهب الريح.. من داخلها.. فالدكاكين لايمكن أن تصمد في عالم الإعلام.. مضي زمان «الكشكول».
في بقية المعادلة، لابد أن يكون لأي وسيلة إعلام.. لنقل (مجددا) أنها جريدة.. فضاء سياسي تتحرك فيه.. يتيح لها أن تضرب بجذورها في عمق التربة.. وكلما امتدت الجذور أسفل.. أدي هذا إلي اتساع نطاق الظلال التي تغطي الجريدة فوق الأرض.. ولهذا فإن بعض الصحف تذبل لأنها بلا جذور.. أو لا تنمو وتبقي في حالة «قزمية» لأنها أصرت علي أن تمد جذورها في تربة صخرية أو ليست خصبة.. تماما كما لو أنها تخبط رأسها في الحائط.
الجذور السياسية لأي مطبوعة تختلف تماما عن علاقاتها السياسية أو عن كونها لديها سند سياسي.. شبكة العلاقات مهما اتسعت لا تدل علي أن هناك جذورا.. وبعض الصحف الخاصة في مصر ظنت لبعض الوقت أنها يمكن أن تعبث في المساحات الرمادية بين السياسيين في المجتمع.. إن هذا يسمي في عرف القانون (تسلل).. ومهما تكررت مرات التسلل فإن «صافرة ضبط المتسلل» سوف تنطلق في لحظة ما ولن يتمكن أبدا المتسلل من تسجيل هدف.. ولو فعل فإن الهدف لن يحتسب وسيكون مسروقا.
الجذور السياسية، أيضا، ليس لها علاقة بكون الصحيفة تعبر عن اتجاه سياسي أو لا تعبر عن اتجاه ما.. ويفترض في كل صحيفة أن تكون لديها رسالة سياسية.. وبعض الصحف تعبر عما تؤمن به.. في هذه الحالة يكون لها موقف.. وصحف أخري تعبر عما لا يشترط أن تؤمن به.. في هذا الوقت تكون (أداة للإيجار).. «شقة مفروشة» ومن ثم فإنها حين ينتهي دورها لاتجد أن من عبرت عنهم حاولوا الدفاع عنها.. بل إنهم يبحثون عن غيرها.. ليستأجروه.. ويمكن أن نضرب مثلا بجريدة الدستور التي قدمت نفسها أداة تعبير عن جماعة الإخوان المحظورة.. استؤجرت ولما انقضي الإيجار لسبب ما لم تنشغل جماعة الإخوان بالشقة التي كانت.
كما أنه يفترض في كل وسيلة إعلام أن تكون معبرة عن فئة اجتماعية.. أن تكون «صوت مصالح» في البلد.. كلمة المصالح ليست سيئة.. لكل جماعة مصالحها.. ولكل طبقة ما ينبغي أن تدافع عنه.. الصحف لابد أن تدافع عن فئة وأن تمثلها.. وإلا فإنها تكون بلا قيمة.. ولا تتحول إلي رقم أبدا في معادلات المجتمع.. ولذا إذا ما اختفت هذه الصحف لا يعيرها أحد اهتماما.. وإن أثارت صخبا أثناء الاختفاء.
هنا تكمن فروق جوهرية بين الصحف القومية والصحف الخاصة. القومية لها بناء مؤسسي وفيها خصائص المدارس الصحفية.. لها مواصفات وفيها تراكم خبرة وتوالي أجيال وعندها إطار قانوني داخلي.. الصحف الخاصة مجرد دكاكين ولو كانت لها واجهات براقة.. البوتيك هو في نهاية الأمر دكان وإن ناديناه بالكلمة الفرنسية: «بوتيك». والأهم أن الصحف القومية تعبر عن فئات مجتمعية عريضة.. تخدمها.. وتكون صوتا لها.. في حين أن الصحف الخاصة صدرت لأن مالكيها فقط يريدون ذلك ولم يحددوا هويتهم الاجتماعية أو الفئوية أو الطبقية.. فأصبحت كما لو أنها ورقة طائرة في الهواء الطلق.
---
لقد استطال هذا الاستهلال، غير أنه ضروري للغاية ونحن ننظر إلي المتغيرات التي تجري في ساحة الصحافة والإعلام، تلك التي فسرت علي أنها (حملة لتكميم الأفواه).. وتلجيم الأصوات الناقدة في المجتمع.. وهو تشخيص قالت به الصحف الخاصة التي خشيت أن تؤدي الأنواء إلي اختفائها.. ولاترغب في أن تواجه الحقيقة.. فراحت تقول إن الدولة إنما تجهض الحرية وتكتم الأصوات وتعرقل النقاش الديمقراطي الحر في المجتمع.
مشكلة الصحافة في مصر، والإعلام بإجماليه في القطاع الخاص، أن المهنيين تصوروا أنهم «سياسيون».. ولما لم يراجعهم أحد تحولوا إلي «زعماء».. ولما لم يوقفهم أحد صدقوا ذلك.. وحين تتلاشي المساحة التي لا يجب أن تختفي بين المهنية والسياسة.. فإن هذا يقود إلي مشكلات كبيرة جدا.. غالبا ما تدفع أثمانها مهنة الصحافة ومهن الإعلام.
وفي السنوات الخمس الأخيرة استمرأ بعض الصحفيين والإعلاميين التسلل من ثغرات الحياة الحزبية الضعيفة.. وفقدان القدرة لدي جماعات المعارضة.. فنشأت في مصر ما يمكن أن نسميها (جماعات المعارضة الصحفية).. تلك التي تخيلت أنها يمكن أن تسقط النظام وأن تدعو للفوضي وأن تبشر بعصور مناقضة.. وانهارت في سياق ذلك قيم المهنة ومواثيق الصحافة وأخلاق الإعلام.. وضاعت المسافات بين السياسة والصحافة.
لاشك أن القانون قد سكت خلال الحراك. أو لنقل أنه تأخر في تطبيق قواعده. وأن الحرية أتيحت لها فرصة خلال فترة الصمت لكي تتمدد بدون أن تخضع للضوابط.. وبدلا من أن ينتبه الصحفيون والإعلاميون إلي السعي لأن يكونوا هم الأحرص علي تطبيق القانون.. كان أن تجاوزوه.. وتخطوه.. وانفلت العيار.. وانتشرت العشوائية.. وظهرت عوارض خطيرة لا تتعلق بأشخاص وتوازنات.. وإنما تضرب في صميم استقرار المجتمع.. فقرر المجتمع أن يتدخل لكي يحمي نفسه.. وتحركت مؤسساته.
الموضوع أعمق بكثير من ادعاءات تقول إن هناك حملة لتكميم الأفواه من أجل التستر علي عملية مدبرة لتزوير الانتخابات. الظواهر تخطت الطعن في سمعة الناس.. أو التداخل من قبل الصحافة لفرض عناصر تهدر فرص العدالة في التنافس.. بل وصل الأمر إلي درجة الإخلال بمناخ العدالة.. والتعدي علي القضاء.. وإهانة استقلالية القضاة.. وصولا إلي تعزيز النعرات العرقية في البلد.. وتمجيد الانقلاب علي الدولة (لاحظ صورة نشرتها جريدة المصري اليوم لمواطن بدوي يحمل آر بي جيه كما لو أننا في جنوب لبنان.. تري ما هي الرسالة المقصودة من هذه الصورة؟).. وتفجير الفتنة الطائفية.. وتحويل الصفحات والشاشات إلي منابر لأصوات الفتنة.. إن كانت مسلمة أو مسيحية.
---
لنكن صرحاء تماما: الإعلام الخاص والصحافة الخاصة أهدرا فرصة تاريخية عظيمة لكي يكون بأيدي الإعلاميين والصحفيين أن يسيطروا علي تفاعلات الحرية في السنوات الخمس الماضية.. فتخطوا كل الخطوط الحمراء.. ما أدي إلي أن تتدخل المؤسسات التي تقود هذا المجتمع لكي تعيد التنظيم ولكي تفرض القواعد ولكي تدق نواقيس الخطر بدون أن تهدر الحرية.
الحرية في هذا البلد أوسع نطاقا من بضعة صحفيين وإعلاميين تخطوا القواعد. ولها فائدة مهمة جدا تتجاوز المساعي الشخصية لتكوين الشهرة أو الرغبة في تلبية الاحتياجات النرجسية لعدد من الأقلام والمذيعين.. الحرية مناخ ووسيلة من أجل صالح البلد وليس ضد فوائده.. ويستفيد منها الألوف من ممارسي حرية التعبير والحق في القول، والحق في الانتقاد، والحق في الاعتراض، والحق في التعبير عن معاناة الناس.. هؤلاء جميعا لايمكن اختصارهم في صحفي أو في مذيع أو في منتحل صفة رجل دين علي إحدي قنوات التطرف.
هذا المجتمع شهد أحداثا جسيمة وخطيرة جدا علي المستوي الطائفي في بداية السبعينيات في منطقة الخانكة ما استدعي تكوين لجنة تقصي حقائق شهيرة برئاسة المستشار جمال العطيفي.. ومثلها في نهاية السبعينيات في الزاوية الحمراء.. لكن هذه الأحداث الجسام لم تكن تمثل نفس التهديد الخطير الذي ضخمته عوامل جديدة لأحداث أقل بكثير جدا في السنوات الحالية.. تضخمت بفعل الإعلام وتجاسرت بتأثير الصحافة.. حيث لم يعد هناك عقل حريص علي البلد ولا قلب يمتلئ بالخوف علي مصالح المجتمع.
إن لدينا مشكلات حقيقية في مصر. تحتاج إلي جهود كثيرة للتغلب عليها وتخطيها. ومن واجب الإعلام أن يقترح الحل ومن واجب الصحافة أن تساعد علي توفير العلاج. لكن الذي حدث هو أن الإعلام الخاص تحول إلي مشكلة إضافية والصحافة الدكانية صارت عبئا فوق الأعباء.. ومن ثم من الطبيعي حين تتدخل القواعد لفرض ذاتها ألا يبكي أحد علي التخلص من هذه المشكلات والزوائد.. بغض النظر عن الدعاية التي يروجها الباحثون عن مكاسبهم الذاتية وشهرتهم الشخصية.
---
لا يمكن أن يقود هذا المجتمع مذيعة قررت أنها أقوي ممن يشغلها وأهم من أي سلطة وفوق أي قاعدة.. ولايجوز أن يعتقد مذيع أنه (يجري البلد أمامه كل ليلة).. وأن ما يقرره علي جلسات المقهي هو الذي يحدد أچندة المجتمع.. ولا يمكن أن يعتقد صحفي أنه فوق كل الصحفيين وأنه أهم الناس وأن لديه معركة شخصية لابد أن ينجزها مع البلد كلها بدءا من أكبر رأس فيها.. ولا يمكن لأي صحيفة أن تعتقد أنها تُسير مصر.. وأن محرريها فوق كل الأحزاب وفوق كل القوي.. وأن ما تقوله لابد أن يتحول إلي جدول أعمال يطبق.. وإذا ما اقترب أحد من هذه أو ذاك أو تلك يكون ذلك ضد الحرية!!
هذا مجتمع راسخ. استوعب غزاة. وتخطي نعرات. وتجاوز أزمات. بل ابتلع الإرهاب في معدته العظيمة. وصد الاختراقات. وعبر المحن. ولا أعتقد أنه يمكن أن يقبل صخبا معكرا.. وضجيجا معطلا.. وصراخاً مسائيا يعرقل.. وتخطيات إعلامية لقواعد الحرية تفسد كيمياء الناس.. وشيوخا مزيفين يعتلون محطات متطرفة راحت تنشر الضغينة بين فئات المجتمع وعناصر أديانه.
كانت هناك دولة ولم تزل. كون البعض نسي أنها موجودة أو أقنع نفسه بذلك لايعني أنها لم تكن موجودة. وكان هناك غاضبون من مشكلات أداء الحكومة.. ولكن أيضا كان هناك غاضبون وحانقون ورافضون لأداء إعلامي سقيم ومزعج عبر حدود النقد وقرر أن يمارس العشوائية وأعتقد أنه يمكنه أن يواصل اللعب بطريقة التسلل.. وتخيل أن الحكم حين لايراه.. أن الجمهور لن يراه.. وأن زملاءه لن يروه.. وأن الكل سوف يقبل ذلك ويتوجه بطلا بل يعطيه مزيدا من المال لأنه مارس تخريب قواعد القانون.
إن الأمر بدا كما لو أن هناك إعلاميين حصلوا علي قارب وأطواق نجاة في بحيرة هادئة.. فألقوا بالأطواق في المياه.. وثقبوا المركب.. وقفزوا لكي يستعرضوا القدرة علي السباحة.. والمصيبة أن هناك قوارب أخري لها خصائص مختلفة فضل أصحابها أن يرسوا علي البر خشية أن يدخلوا إلي «الغاطس»!
---
لقد قلت في الأسبوع الماضي أننا لسنا بصدد حملة لتكميم الأفواه. لكننا بالتأكيد بصدد إعادة تقييم أوضاع من قبل المجتمع وقواه ومؤسساته لمحصلة خمس سنوات من العبث واللهو والتجاوزات.. تكاسلت مؤسسات نقابية.. وتراخت كيانات منوط بها أن تفرض القواعد.. وتعدي إعلاميون أفراد علي الأصول.. وبالتالي نشأت في المجتمع قوي راغبة في أن تذكر الجميع بأن المصالح الجماعية أهم من مكسب فرد يريد أن يرفع أجره الشهري ومستوي إعلانات برنامجه علي حساب استقرار البلد.. ولذا فإن المجلس الأعلي للقضاء تحرك.. ونقابة الصحفيين أعلنت عن صوتها.. والمجلس الأعلي للصحافة قرر أن يتخذ خطوات واضحة.. وجهاز تنظيم الاتصالات تدخل.. وسلطة الإعلام أوقفت محطات فضائية مثلت خطرا جسيما علي مصالح البلد ولم تزل لها بقية تفعل ذلك.
هذه ليست حملة قمع. هذه عملية إعادة ترتيب أوراق وضرورات فرض الأصول.. لا أحد يمكن أن يعترض علي الأصول. ولابد أن ندعمها ونساندها إذا كنا راغبين في حماية البلد من الفوضي.. إلا إذا كنا نريد للإعلام أن يكون عشوائيا ورغبنا في أن تكون الصحافة عششا وغرزا وقررنا أن يكون الفتوات هم المسيطرون علي الساحة.
وليس لذلك، وقد قلته من قبل وأكرره، علاقة بأي ترتيبات تتعلق بالانتخابات. ما هي علاقة تلجيم قنوات السلفية المتطرفة التي تدعو النساء ليل نهار إلي النقاب بصناديق التصويت؟! ما هي علاقة وأد منابر الفتنة الطائفية بعملية الاقتراع؟! ما هي علاقة تنظيم عمليات نشر الرسائل النصية علي الموبايلات العامرة بالشائعات والترويجات الزائفة بحرية المرشحين في أن يصلوا إلي الناخبين؟!
في الرسائل النصية كانت تروج عبر الموبايلات معلومات غير دقيقة عن أنفلونزا الخنازير.. وكانت تروج معلومات غير دقيقة عن أحداث لم تقع في المجتمع.. وفي بعض البرامج كان ولم يزل هناك من يظن أنه قادر علي أن يجلس هذا علي مقعده وينزع ذاك من موقعه.. لا تلك مقبولة ولا ذاك يمكن أن يوافق عليه أحد. دور الإعلام في المجتمع هو التنوير والاطلاع وعكس مجريات المجتمع وتقريب الرؤي وكشف الآراء وانتقاد السلبيات.. ليس من دوره علي الإطلاق أن يكون أداة تثوير ووسيلة تهييج أو منبرا لنشر الشائعات أو شاشة للتأثير علي أحكام القضاء أو إدانة قاضٍ أو تفجير فتنة طائفية.
لقد تخلي عدد من وسائل الإعلام عن ضروراته المجتمعية فخسر مساندة المجتمع.. وانقلبت صحف علي شرعية وجودها فانهارت وأهدرت نفسها.. وتحول صحفيون ومذيعون ومذيعات إلي سياسيين فدخلوا معترك السياسة ووجدوا أنفسهم وجها لوجه مع معادلات غير مهنية، ومن ثم كان عليهم أن يحتملوا نتائج ذلك.. خصوصا إذا كان الهدف شخصياً والغرض ذاتيا.. والأمر لا علاقة له سوي باستغلال الحرية من أجل تحقيق المصالح المالية.
إن علينا كإعلاميين وصحفيين أن نصون حريتنا بمزيد من الالتزام بالمهنية.. بأن نطبق القواعد التي نطلب إعمالها علي الجميع.. علي أنفسنا قبل غيرنا.. أن نحمي شرعيتنا القانونية بمزيد من المهنية.. أن ندرك حدود أدوارنا في المجتمع.. فالذين نتعدي علي دورهم لن يقبلوا ذلك.. وحين نكون علي المجتمع وليس من أجله فإنه لن يوافق.. حتي لو صمت بعض الوقت.. وحين يكون بعضنا من رسل الفتنة فإن المواطنين لن يرضوا باستقبال الرسالة.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
أو موقع روزاليوسف:
www.rosaonline.net
أو على المدونة على العنوان التالى:
http//alsiasy.blospot.com
أو على صفحة الكاتب فى موقع الفيس بوك أو للمتابعة على موقع تويتر:
twitter.com/abkamal
البريد الإلكترونى
Email:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.