مازالت ردود الأفعال تتوالي حيال المبادرة التي أطلقها مؤخرا أنس الفقي وزير الإعلام المصري، وأعلن من خلالها عن تدشين جهاز لتحديد نسبة المشاهدة التليفزيونية للبرامج والمحطات، سواء المملوكة للدولة أو تلك المملوكة للقطاع الخاص، وهي المبادرة التي أكد علي ضرورة تفعيلها بمشاركة المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة الخارجية والصناعة وسعيد الألفي رئيس جهاز حماية المستهلك ومني ياسين رئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار ود. عبدالله بانخر مستشار وزير الثقافة والإعلام السعودي للدراسات العلمية بالانابة عن وزير الإعلام السعودي وأحمد أنيس رئيس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون بالإضافة إلي ممثلي الجهات العاملة في السوق الإعلاني والمتعاملين معه، بحيث يقوم المجتمعون بوضع الملامح العريضة للتعامل مع دراسات وأبحاث قياس نسبة المشاهدة للقنوات والمحطات المملوكة للقطاعين الخاص والحكومي. "الفقي" برر اطلاق المبادرة في هذا التوقيت بأنها تأتي إيمانا من الوزارة بأهمية هذه الدراسات التي تؤثر بشكل كبير علي صناعة الإعلام، سواء عن طريق التأثير علي جهات الإنتاج فتصبح مطلعة علي أهم مناطق الجذب التي تستقطب اهتمام المشاهد في مصر والمنطقة العربية، وكذلك التأثير علي توجهات أصحاب القرار في هذه المحطات أو المعلنين ومن يمثلهم. كيف رأي القائمون علي المحطات والقنوات الخاصة المبادرة؟ وما رأيهم فيها، وما الذي أثاره طرحها في هذا التوقيت؟ أسئلة صعبة لكنها مطلوبة بحثنا عن اجابة عنها لدي بعض المهيمنين علي هذه المحطات الخاصة وكانت البداية مع حسام شلش المسئول عن مضمون وهوية برامج قنوات دريم الذي قال: قبل أن يتحمس وزير الإعلام لمثل هذه المبادرة عليه أولاً أن يرفع من مستوي برامج التليفزيون المصري فشيئاً مخزياً حقاً أن يراهن بتاريخه ومكانته علي برنامج واحد وهو "البيت بيتك" وعندما رفع مستوي وأداء برامج التليفزيون المصري كيف له وقتها عمل دراسات مشاهدة وتقييم الأداء علي الرغم من أن وجود جهة لقياس المشاهدة التليفزيونية مشروع ليس بجديد فاتحاد الإذاعة والتليفزيون نفسه به إدارة كاملة تقوم بهذه المهمة وفي دول العالم كله هناك مؤسسات تقوم بهذا الدور وفي الدولة الواحدة أكثر من جهة وكلها أمور جيدة اذا تم تنفيذها بشكل علمي ودقيق فمواصفات عمل استطلاع رأي نزيه معقدة للغاية وغالبا ما تكون النتيجة غير موضوعية. أما فيما يتعلق بالنواحي الإعلانية والتأثير علي قرارات المعلنين فمن يقول إن مثل هذه البحوث سيكون لها تأثير قوي علي المعلنين في مصر؟ فالمعلن هنا له مقاييسه ومعاييره الخاصة ولا يتأثر بمثل هذه البحوث، والموضوع "مش بالعافية"، وربما تأتي نتيجة هذه المشاهدة لتؤكد ان "البيت بيتك" علي سبيل المثال يحتل المرتبة الأولي من حيث نسبة المشاهدة ولا يقبل عليه المعلن ويري أن برنامجا آخر هو الذي يستحق أن يعلن من خلاله لما يلمسه في الشارع وفي الصحافة وبنفسه وعلي أي حال أهلا وسهلا بالمبادرة ولنري ما ستسفر عنه. من جانبه يري إبراهيم حمودة مدير قناة المحور أن هذه المبادرة تحمل جزءا سلبيا وآخر ايجابيا ويفسر هذا بقوله: أحيانا تحدث بعض تدخلات من قبل وكالات الإعلان في طبيعة العمل وهذا يحتاج إلي شيء من التنظيم إلي جانب أن هناك قنوات أداؤها جيد لكن الوكالة الإعلانية لا تسلط الضوء عليها وتركز علي برنامج أو اثنين فقذط من برامجها مما يضر بمصلحة البرامج المتبقية. أما فيما يتعلق بدور هذه الابحاث في التأثير علي قرارات المعلنين فأؤكد أن عددا قليلا من المعلنين هم الذين يعملون وفقا لهذه النوعية من الأبحاث كما أن المعلنين في مصر لا يضعون اعلاناتهم في قناة واحدة بل يختارون البرنامج الأنجح في كل قناة بخلاف ما يحدث مع بعض القنوات العربية مثل mbc ودبي وlbc التي يختارها المعلن دونما النظر لاسم البرنامج وأي برنامج أمامه سواسية لأن القناة نفسها هي التي تحظي بنسبة مشاهدة كثيفة. وعلي العموم هذه المبادرة لا تسبب لنا أي قلق خاصة فيما يتعلق بالاعلانات لان الحكومة لا تستطيع ان تفرض سطوتها علي الشركات المعلنة لوضع اعلاناتها في هذه القناة أوتك والمعلن يهمه في المقام الأول القناة التي تحظي بنسبة عالية في المشاهدة ولا يحتاج إلي بحث ليؤكد له هذه الحقيقة فهو يلاحظها بنفسه وعن طريق الشارع أو أسرته في المنزل. ويقول وحيد حلمي المستشار الإعلامي لقناة مودرن تي في. بماذا كانت هذه المبادرة تتمتع بالشفافية والمصداقية وتحكمها معايير موضوعية فلا توجد لدينا مشكلة لكن ما هي الضمانات والتصنيفات التي علي أساسها يتم عمل مثل هذه البحوث؟ وهل ستكون موجهة لقنوات بعينها؟ وهل هذا الأمر هو نوع من أنواع التأثير علي القنوات "بلوي الذراع"، أو فرض قيود غير مباشرة لتضيق الخناق الاعلاني عليها وتوجيه الرأي العام إلي أن هذه القناة التي تجذب المعلنين لا تتمتع بنسبة مشاهدة عالية وهو ما يؤثر بطبيعة الحال علي "دخل القناة" خاصة القنوات العامة غير المشفرة التي تعتمد بشكل كبير علي العائد الإعلاني، وعليه يتحول هذا الموضوع كله إلي محاولة "خنق" هذه القنوات؟ أسئلة أطرحها في حالة اذا ما افترضنا أن هذه البحوث لا تتم وفقا لمعايير علمية وتفتقد للمصداقية لكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التساؤل: وما علاقة الجهات الحكومية بمثل هذه الدراسات؟ فهناك هيئات ووكالات إعلانية تقوم بهذا العمل وهناك مراكز بحوث الرأي العام بكلية الإعلام تلعب نفس الدور فكيف تتبني الجهات الحكومية مثل هذه المبادرة التي علي أساسها تتحول إلي خصم وحكم في نفس الوقت فالتليفزيون المصري بقنواته الأرضية أو الفضائية أو المتخصصة هي منافسة لنا وحتي مع افتراض ان الأمر سينتهي إلي جهة مستقلة فما الضمان في هذه الجهة لن تكون تابعة بشكل أو بآخر للحكومة؟ وعموما اذا كان ما يقوله وزير الإعلام صحيحا من حيث إن المبادر من شأنها اعطاء الثقة للمعلنين والمعلنين أنفسهم فأنا معهم ولن يقلقني شيء ولكن الشيء الذي يثير القلق: إذا كانت هناك نية لأن تكون نتائج هذه البحوث الملزمة للمعلن بحيث انه يخضع لوضع اعلاناته في القنوات والبرامج التي تصدرت هذه البحوث ووقتها سنصبح أمام كارثة بكل المقاييس والخوف كل الخوف أن يتأثر المعلن بهذه النتيجة ويحاول أن يجرب لمدة عام ووقتها ستكون النتيجة خسارة فادحة بكل المقاييس وفي الأحوال يواصل "حلمي" أنا مندهش لأننا نعيش في عصر حق المستهلك يهدر فيه يوما بعد يوم في ظل احتياجاته الضرورية ولا أحد يهتم به والآن نفاجأ بهذا الاهتمام العجيب بالاعلانات وهو أمر اختياري بالمرة ولا اجبار عليه لأن للمعلن أدواته وأسلوبه في اختيار الوسيلة الإعلامية وعليه فهناك علامات استفهام كثيرة وتصريحات الوزير كانت مفاجئة للوسط الإعلامي كله.. وعلي العموم "دعونا نري ماذا سيحدث". يكتسب رأي حافظ الميرازي أهمية لكونه صوت يري الصورة من بعيد.. فيقول: لا توجد مشكلة في أن يتبني مسئول حكومي مثل هذه المبادرة فيحتقم مشكلة المصداقية التي نستشعرها جميعا فيما يتعلق بمسألة شركات الاعلان التي تتدخل بشكل كبير فيما يعرض بالقنوات وترتيبها وفقا لما تراه هي من أهمية، لكن هذا لا يعني أن المشروع وهو الذي بدأ بداية حكومية يمكن ان ينتهي نهاية حكومية أيضا فمن المفترض أن ينتهي هيئة مستقلة حتي لا تصبح الحكومة الخصم والحكم في آن واحد تملك من قنوات. وكنت أتمني الا تتوقف المبادرة عند الإذاعة والتليفزيون فبحوث المشاهدة للتليفزيون هي عملية صعبة وتقديرية، وكنت أتوقع أن تطول الصحافة بحيث يقال لنا كم عدد نسخ المطبوعة من الجرائد القومية مثلاً وعلي رأسهم جريدة الاهرام، وكذلك ما يطبع داخل مطابعها من جرائد معارضة ومستقلة، وثمن حق المستهلك ان يعمل الرقم الصحيح للصحف المطبوعة بدلاً من أن يقول أحدهم إ هذه الجريدة توزع مليون نسخة كمحاولة لجذب المعلنين بينما الحقيقية غير ذلك فكل هذه الامور تأتي ضمن إطار حماية المستهلك، وكان ينبغي أن تتضمنها المبادرة، لكن الخوف من ان يقال آن نتائج البحوث والدراسات ستكون ملزمة للمعلنين غير وارد لانه لا يمكن بأي حال من الاحوال إلزام المعلن بشئ فهو له جمهوره المستهدف والشرعية التي يريدها لكنني في النهاية أري أن هذه المبادرة لن تضيف للسوق إلا شركة أخري مشكوك في مصداقيتها لأن المعلن حر في اختياره لكنها ربما تكون خطوة مهمة لأنها ستوضح أشياء كثيرة إذا توافرت عناصر المصداقية والشفافية فهناك نوعية من المعلنين فرضوا علي السوق نوعية من البرامج الهابطة وربما القياس الحقيقي لنسبة مشاهدة هذه البرامج يكشف حجم اللهاث وراء نجوم الرياضة والفن لكي يلعبوا دور مقدم البرامج وإن كنت أري أنه بدلاً من إنشاء هيئة أخري فأنه من الاجدي وضع رقابة ومساءله للشركات القائمة بالفعل عن طريق إحصائيين يحاسبونها ويسألونها عن كيفية اختيارها للعينات والتصنيفات التي اتبعتها، لكنني لا اتصور أيضاً أن هذه المبادرة هي رد فعل لما حققته هذه القنوات من نجاحات، فهناك حالة من عدم التصديق أن حرية التعبير التي تميزت بهاهذه القنوات عن الإعلام الرسمي هي سبب شهرتها وهم أنفسهم غير مقتنعين بذلك ومن ثم فلا أجد في هذه المبادرة أي مؤامرة لكنها دليل أكيد علي نجاح القنوات الخاصة وتحولها إلي منافس عنيد ومقلق. تحقيق: إيناس عبدالله