حين اندلعت حرب أكتوبر 1973 كانت أعين المصريين والعالم كله متجهة صوب الجبهة العسكرية، حيث يخوض الجيش معركة تحرير سيناء ضد الاحتلال الإسرائيلي، غير أن هناك جبهة أخرى لا تقل أهمية، هى الجبهة الداخلية، التى تولت الشرطة مسئولية حمايتها وتأمينها، لتضمن استقرار الدولة واستمرار الحياة اليومية للمواطنين فى ظل الحرب. ◄ انخفاض معدلات الجريمة وقت الحرب كان إنجازًا استثنائيًا ◄ التكامل مع الجيش والشعب جعل أكتوبر ملحمة شاملة لم يكن دور الشرطة مقتصرا على ضبط الأمن أو مواجهة الجريمة التقليدية، بل امتد إلى حماية مؤسسات الدولة والمرافق الحيوية مثل محطات الكهرباء والمياه والسكك الحديدية والمطارات ، أوكل إليها مهمة الحفاظ على الروح المعنوية للمواطنين ومنع الشائعات التى قد تضر بسير العمليات العسكرية. واجهت الشرطة أيضًا تحديات مرتبطة بفرض حظر التجوال وتنظيم الحركة داخل المدن، مع استمرار توفير الخدمات الأساسية. ◄ حجم الحوادث والبلاغات رغم أن مصر كانت فى حالة حرب شاملة، إلا أن التقارير الأمنية آنذاك تشير إلى انخفاض ملحوظ فى معدلات الجرائم الجنائية مقارنة بما قبل الحرب، نتيجة لحالة التعبئة الوطنية والالتفاف الشعبى حول القيادة السياسية والعسكرية. خلال أيام القتال من 6 إلى 24 أكتوبر 1973، لم تتلق أجهزة الشرطة أى شكاوى حياتية للمواطنين ، لم تُسجل حوادث كبيرة تهدد الجبهة الداخلية أو تشكل خطراً على الاستقرار العام، وهو ما يعد إنجازًا كبيرًا يعكس يقظة الشرطة وحسن تنظيمها، ولم ترد أى محاولات لأعمال تخريب أو نشر شائعات، انتشرت قوات الشرطة فى الشوارع والمناطق الحيوية لتأمينها من أى محاولات تخريبية ، عملت إدارات المرور على تسهيل حركة النقل والإمداد فى الداخل، وضبط الحركة بما يتماشى مع خطط الطوارئ العسكرية. ◄ اقرأ أيضًا | ذكرى حرب أكتوبر 1973.. خطة الخداع التي حطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر ◄ الحرب النفسية كان العدو يسعى لإحداث بلبلة عبر الشائعات والإذاعات المعادية، وهنا تصدت الشرطة بالتعاون مع الإعلام الوطنى لمثل هذه المحاولات ، أسهمت فى تعزيز الوعى العام من خلال حملات توعية للمواطنين بضرورة الالتزام بتعليمات الدولة والتعاون مع الأجهزة الأمنية ◄ شهادة التاريخ تؤكد شهادات خبراء الأمن أن الجبهة الداخلية المصرية خلال حرب أكتوبر كانت من أكثر الجبهات صلابة واستقرارًا فى تاريخ الصراعات. هذا النجاح يُنسب إلى وعى الشعب والمواطن أولاً، وإلى يقظة الشرطة المصرية ثانيًا، التى عملت ليل نهار فى ظروف استثنائية. حكاية نصر أكتوبر ليست فقط عن دبابات وجنود على الجبهة؛ بل عن آلاف من رجال ونساء عملوا خلف الكواليس الشرطة المصرية بينهم لضمان أن يبقى الوطن قائماً وآمناً من الداخل. إن الحفاظ على الاستقرار الداخلى، فى وقت الحرب، كان جزءًا فعليًا من استراتيجية النصر. ويقول اللواء أحمد عبدالسلام الخبير الأمني السابق: الشرطة المصرية فى حرب أكتوبر لم تكن أقل بطولة من المقاتلين على الجبهة، فبينما كان الجنود يعبرون القناة، كان رجال الشرطة يقفون على المتاريس الداخلية يحرسون المصانع ومحطات الكهرباء والسكك الحديدية، نجاحنا فى منع أى عمليات تخريب أو شغب كان سببًا رئيسيًا فى تماسك الدولة خلال أيام الحرب. ومن جانبه أكد اللواء د. محسن الفحام عضو هيئة التدريس بكلية الشرطة أن الأمن الداخلى هو الوجه الآخر للنصر العسكري، إسرائيل كانت تراهن على تفجير الداخل المصرى عبر الشائعات والعمليات النفسية، لكن يقظة الشرطة ووعى الشعب أحبطا هذه المحاولات خلال أيام الحرب. انخفض معدل الجرائم الجنائية بشكل لافت، وهو ما يعكس حالة الوحدة الوطنية التى جسّدتها الشرطة فى الشارع.. لافتا إلى أن الشرطة لم تكتفِ بدور الحارس الصامت، بل أسهمت بفاعلية فى الحرب النفسية عبر ملاحقة مروجى الشائعات وتفنيد الأكاذيب. كما أن تطبيق حظر التجوال وتنظيم حركة النقل والإمداد كانا تحديين ضخمين نجحت الشرطة فى إدارتهما دون تعطيل لحياة المواطنين الأساسية . الشرطة نجحت فى أن تجعل ظهر الجيش آمنًا، وهذا عنصر حاسم فى تحقيق النصر.