طارق نور مهندس إعلانات الحكومة سكك حديد مصر لكل مصر .. الاستثمار يعنى عمار .. يا ساتر من قنطرة الدفاتر وغير ذلك من الألفاظ، التى كره الناس سماعها لكثرة تكرارها على آذانهم خلال شهر رمضان فى إعلانات كلفت خزانة الدولة عشرات المليارات فى تصرف تتفرد به الحكومة المصرية عن غيرها من كل حكومات الأرض، فوزارة النقل تعلن عن إنجازاتها فى هيئة السكك الحديدية، التى تأبى قطاراتها أن تسير على القضبان المحددة لها، وزارة الاستثمار تتحدث عن منجزاتها فى الوقت الذى تهرب فيه الاستثمارات الأجنبية إلى خارج مصر بشكل غير مسبوق، فى حين تعلن وزارة البترول عن نفسها تحت عنوان "ثروتنا لبلدنا" وكأن الأمر فيه شك أو خلاف، أما مصلحة الضرائب؛ فحدث عن إعلاناتها ولا حرج، فإعلانات هذه المصلحة فعلا "ضحك على الذقون". وهذا بدوره ما دفع بعض من أصحاب النوايا السيئة من الكارهين للحكومة أن هذه الإعلانات هى "تورتة" الحكومة الرمضانية، التى يسعد بالأكل منها كل أصحاب شركات الإعلان والفضائيات الذين يتعاملون مع الأسماء الكبيرة فى هذه الحكومة، وأن هناك شركة إعلان خاصة يمتلكها أحد الوجوه الإعلانية المعروفة فازت بكل الكعكة هذا العام "وكالة طارق نور للإعلان"، لتحرم بذلك الشركات الحكومية التى تعمل فى هذا المجال، ويتساءلوا عن الطريقة التى تحصل بها هذه الشركة الإعلانية على انتاج وبث إعلانات الحكومة .. هل عن طريق الأمر المباشر، أم عن طريق مناقصة؟ د. شعبان شمس عميد كلية الإعلام بجامعة 6 أكتوبر، أكد أن مثل هذه الإعلانات تندرج تحت مفهوم مستحدث فى علم الإعلان العربى وهو التسويق الاجتماعى والسياسي، حيث تضطر أجهزة الدولة إلى وسائل الإعلام للترويج لمنجزاتها ولحث المواطنين على المعاونة فى حماية كل ما يتم إنجازه لكى تعم الفائدة، مشيرا إلى أن هذه النوعية من الإعلانات لا توجد فى البلدان المتقدمة لأن مفهوم الإعلان عندهم يعنى الترويج لسلع تباع، وبالتالى لابد أن يخضع هذا الإعلان لحسابات المكسب والخسارة. وأوضح شمس أن المواطن فاقد الثقة للأسف فى الحكومة وبالتالى لن يصدق مثل هذه الإعلانات، خاصة أنه يجد فى الواقع كل ما يتنافى مع مضمون هذه الإعلانات، فقطارات الإعلانات غير التى يركبها المواطن، ومراجع إقرارات الذمة المالية فى إعلان المالية يختلف جملة وتفصيلا عن هذا الرجل حاد الملامح الموجود فى مصلحة الضرائب، لافتا إلى أنه من الأولى أن تبحث الحكومة عن طريق أقل تكلفة للترويج لبضائعها لأن مثل هذه الإعلانات يمكن أن يكون لها مردود سلبي، لكونها مبالغ فيها ولا تعبر عن الواقع. ولفت د. إسماعيل شلبى أستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق إلى أن حجم الإنفاق الحكومى هذا العام على الإعلانات خلال شهر رمضان ينم عن إسراف وبذخ غير مقبول، خاصة أنه جاء فى وقت تحتاج فيه الدولة إلى إتباع سياسة تقشفية، بما يعنيه ذلك من تقليل الإنفاق غير الضروري. مؤكدا أنه كان الأولى أن توجه الحكومة هذه الملايين إلى السوق لاستثمارها فيما يفيد بدلا من هذه الأمور التى لا طائل منها غير كثرة الكلام والشائعات حول الفائزون بالنصيب الأكبر من هذه الأموال من الحكوميين وأصحاب شركات الإعلان والمحطات التلفزيونية. فى حين، وصف د. حمدى عبد العظيم الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية هذا السيل الجارف من الإعلانات الحكومية، سواء المتعلق منها بالوزارات بشكل مباشر إعلانات وزارة البترول والمالية والاستثمار والنقل أو تلك الخاصة بالشركات العامة مجرد وسيلة لجأت إليها الحكومة مؤخرا لتجميل وجهها، خاصة وأن الناس غير راضين عن أداءها، وعندما قررت الحكومة الإعلان عن 60إنجازا لها خلال 5 سنوات تهكم عليهم الجميع منكرين عليهم ذلك، فكان الالتجاء إلى الحملات الإعلانية. وقال د. عبد العظيم: لجأت الحكومة -مؤخرا- إلى هذه الحملات الإعلانية لمخاطبة المواطن العادي، وفى ذات الوقت هى "سبوبة" لكل حبايب الحكومة داخل الجهاز الإدارى وخارجه، وطريقة تحرج بها كل من يتلك أوراق ضغط للتراجع واللجوء إلى المهادنة بدلا من حملات النقد اللاذع التى تسبب الحرج الكبير للحكومة، موضحا أنه لا توجد حكومة فى العالم تعلن بهذا الشكل الفج عن انجازاتها، التى من المفترض أن يشعر بها المواطن بدون إعلانات وخلافه. أما د. محمد سمير فياض القيادى بحزب التجمع أرجع المشكلة إلى اندماج الحكومة والحزب فى هيئة واحدة، وبالتالى تضطر الحكومة إلى تنفيذ توجيهات الحزب الذى يبحث عن أية آلية يروج بها لإنجازاته فيكون السبيل هو تلك الإعلانات التى تكلف الدولة عشرات الملايين بدون أية فائدة تذكر، ففى الوقت الذى تنفق فيه المالية الملايين على إعلان الضرائب وتعلى من قولها "الضرائب مصلحتك"، تجبى هذه الأموال وتسئ توظيفها، لكى تكون سببا فى فقد المواطن للثقة فى أداء مثل هذه المؤسسات. ولفت فياض إلى أن السبب فى انتشار هذه الإعلانات فى كل المحطات التليفزيونية الصغيرة منها قبل الكبيرة السعى وراء استرضاء هذه القنوات وحثها على تغيير اللهجة الخطابية، التى تتبعها عند الحديث عن الحكومة وأدائها، وسعيا للاستقواء بهذه القنوات على جميع القنوات الإعلامية المعارضة، موضحا أن حكومة الحزب الوطنى تحتاج إلى المزيد من الدعم الإعلانى خلال الشهور القادمة وبالتالى لا مانع من الإنفاق بسخاء على هذه القنوات من أموال الغلابة.