رغم مرور أكثر من ثلث قرن علي عودة التعددية الحزبية .. إلا أن معظم المواطنين أعربوا عن خوفهم من الانتماء إلي حزب ما أو اعتناق مفاهيم هذا الحزب أو ذاك، إضافة إلي الخوف من تبعات هذا الانتماء . قابلنا عدداً من المواطنين لاستطلاع آرائهم حول هذا الموضوع . فأكدوا ان الواقع يقول ان الاحزاب كثيرة واحيانا بشكل يفوق التصور، لكنها لم تخلق الاطار الصحيح للتعددية السياسية، بل العكس احيانا هو الصحيح، اذ قد يشكل كثير من هذه الاحزاب عامل تشويه للعملية السياسية عموما وللتعددية الحزبية بشكل خاص. يعتقد د محمد عبدالمنعم الشريف أستاذ في تربية الزقازيق والذي أبعدته حياته المهنية عن الانتساب إلي أي حزب، أن تجربة جميع شعوب الأرض، أكدت أن التعددية هي أساس النهوض وأن الرأي الصواب هو القادر علي صناعة الحضارة، وهذا الرأي لا يمكن أن يقود المجتمع إلا من خلال الحياة الديمقراطية التي تمتلك التعددية الحزبية وأكدت التجارب المقابلة الديكتاتورية أنها هي السبب الأساسي في التخلف والتراجع وسيادة النظريات الدينية لكن التعددية السياسية بحاجة إلي تعزيز مفهوم التعددية وصياغة الحزب عند الجماهير.وفيما يخص الانتماء إلي حزب في المرحلة المقبلة يقول الشريف: بالنسبة لي : لن أنتمي إلي أي حزب .فمن المؤسف أن تجاربنا تعتمد علي الأرضيات الخارجية فأنا لا أريد يساراً اشتراكيا ولا يمينا غربيا ولا ليبرالية أوربية ولا تجربة آسيوية، أريد شيئاً وليد الثقافة المحلية . ويقول محمد الشافعي - مدرس - إن الأمر لا يتوقف عند عدم الثقة ولكن أيضا مفهوم الحياة تغير، فقد ارتبطت الأحزاب في الوقت الحاضر بالحياة المعاصرة، ويقول الشافعي في هذا الأمر: الانتساب إلي أي حزب في المرحلة الحالية هو نوع من الالتزام بهذا الحزب فلا يكفي أن يكون لدي ورقة انتساب لهذا الحزب أو ذاك بل لابد أن يكون لدي نشاط معه وآراء فيه ويكون هناك تبادل بيني وبين الحزب.ويتابع الشافعي بالنسبة لي : فأنا لم يكن لدي انتماء حزبي لأنه لم يكن هناك إعلام حزبي، أي لم يكن لكل حزب برنامجه الحزبي لكي يعرفنا عنه وأي أمر لا يعرفه الناس يخاف منه ويبتعد عنه، والخوف هنا بمعني الجهل.ولكن الشافعي لم يستعبد تماماً الرغبة في الانتماء إلي حزب معين ولو بالأفكار فقط حيث قال : إذا سمعنا في الوقت الحالي بحزب وبنظام ينظم هذا الحزب وعلمنا ببرنامجه الحزبي ووجدت أنه يلامس أفكاري لا يمكن أن أعتبر نفسي منضماً إليه ..بل متعاطفاً معه، لأن أفكاره تعجبني، ولكن بشرط أن يراعي هذا الحزب مصلحة البلد ويهتم بها،
يري محمود محمد يحيي "موظف في وزارة العدل" أن الفكرة الحزبية لم تعد أمراً مفصولاً عن الحياة التي نعيشها بل تتماشي معها وتعبر عنها ولكن هناك من يري أنه من الضروري التطابق بين النظرية التي يتبعها أي حزب والتطبيق العملي لها في الحياة .وهذا الأمر يشجع المنضمين للأحزاب علي رؤية تطبيق ما يؤمنون به . ويفضل محمد عثمان وأحمد عبدالناصر ورجب محمد "طلبة" وجود حزب واحد فقط ينظم كل العملية السياسية، وأعربوا عن عدم ثقتهم بأي حزب ، معتقدين عدم جدوي التحزب علي اعتبار أن الأحزاب لم تثبت وجودها علي الأرض ولم تسع لتحسين الحياة العامة علي حد قولهم. وأعرب عادل محمد شلباية "عامل "عن عدم استعداده بوضع ثقته وحياته في تجربة أثبتت الأيام فشلها علي حد قوله . ويعتقد القطب الوفدي مجدي سراج الدين ان كثيراً من هذه الاحزاب بلا برنامج سياسي واضح تلتف حوله الجماهير وتشعر انه يحقق مصالحها. وتهدف إلي امتلاك السلطة لا خدمة الشعب فهي تجري خلف الكراسي بدلا من ان تأتيها الكراسي .وبصرف النظر عمن يمنح الكرسي او كيف يتم الحصول عليه. وتسود ثقافة الاقصاء والنبذ والتهميش في الخطاب المتبادل بين قيادات هذه الاحزاب، بدلا من ثقافة الحوار وتقبل الرأي والاجتماع علي قواسم وطنية مشتركة، كما تسود نزعة الزعامة والقيادة الفردية في هذه الاحزاب بحيث نجد ان الاحزاب السياسية تستمد وجودها من الانتماء لشخصيات محددة اكثر مما تستمده من برنامجها السياسي فهي قائمة علي الولاء لهذه الشخصيات بدلا من الولاء للوطن. ويري فتحي سعد الأمين العام لحزب مصر الفتاة ان بعض هذه الأحزاب هي احزاب نخبة وليست احزاب جماهير فهي تحاول تلافي هذا العيب بوسائل مختلفة لاتمت للعمل الحزبي بصلة. ان هذه المؤشرات علي الاحزاب الحالية تجعل المراقب يحكم ان ما يوجد هو تعددية قيادات سياسية وليست تعددية سياسية، وان الصراع بين هذه القيادات اباح استخدام كل الاسلحة من الخطاب التهييجي المشحون بالعاطفة ومن حياكة المؤامرات الي السب والقذف امام وسائل الاعلام، وظهر ذلك واضحا خلال الحملات الدعائية في الانتخابات الرئاسية الماضية ، وفي خضم هذا الصراع كان الضحية المواطن والعملية السياسية التي اضحت مشلولة الخطي مع انعدام البرامج السياسية والاقتصادية والادارية والثقافية، مما أدي إلي عدم حدوث نهضة حقيقية يبدو أن الحراك السياسي الذي احدثته حزمة التعديلات الدستورية التي أدخلت علي الدستور في عام 2005 و2007 قد ودعت مرحلة «الشرنقة» ودخلت الان في طور النمو فقوي الحراك السياسي في مصر الآن علي مختلف مشاربها السياسية يشتد عودها كما أن المياه الراكدة التي لازمت هذه القوي منذ صدور قانون الاحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 تتدفق الآن وبسرعة شديدة لتتناغم مع ما تشهده مصر الان من انتخابات مجلسي الشعب والشوري وبعدها الانتخابات الرئاسية في عام 2011 والذي لا شك فيه ان الاحداث الجارية في مصر وما تشهده الساحة السياسية من تلاطم حول بعض القضايا السياسية سواء فيما يتعلق بالوضع علي المستوي الداخلي او الخارجي كان احد أهداف هذه التعديلات التي بلا شك احدثت نقلة نوعية علي جميع المهارات وأصبحنا نسمع الان مفردات خطاب جديد لجميع القوي السياسية يختلف كثيراً عن ذي قبل يتواكب مع المستجدات التي طرأت علي الساحة السياسية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الان هل خرجت بعض القوي السياسية عن ضوابط الحراك السياسي؟.. الاجابة هنا بنعم فبعض القوي السياسية أو ان شئت فقل بعض الحركات الاحتجاجية وبعض المكونات الاخري غير الشرعية استغلت هذا الحراك استغلالاً سيئاً ليس لمصلحة الوطن ولكن لمصلحة اجندات لدول اخري في المنطقة. هنا تكمن المشكلة فالمفترض ان التعديلات الدستورية التي اتيحت لهذا الحراك يكون عائدها ايجابيا علي المجتمع ممثلا في قواه السياسية ومنظمات المجتمع المدني الا اننا نري الآن قلة من الفئات والقوي السياسية والجماعة المحظورة تحدث بعض التشوهات في العملية السياسية ليس من اجل مصلحة الوطن ولكن لاغراض في نفس يعقوب.