اقتحمت المسلسلات غمار القضايا الشائكة التي تمس مصير الأحزاب المصرية في ظل المراحل السياسية المقبلة، ولم تتناول المسلسلات الدرامية مثل «الجماعة» و«أهل كايرو» و«قصة حب» هذه القضايا من وجهة نظر واحدة وانما حاول كل عمل أن يناقشها ويحللها من جانب مختلف لكنها جميعاً نجحت في أن تثير حالة من الجدل داخل الشارع المصري حول دور الأحزاب السياسية في العمل علي تجاوز حالة الركود الحزبي خلال المرحلة الراهنة لأن كل الحركات السياسية والأحزاب لم يعد لها دور فاعل علي أرض الواقع ليبقي الحزب الحاكم وحيداً في مواجهة الأعباء والتحديات المقبلة، لقد وضعت الدراما رؤيتها لكل هذه الصراعات وكشفت أبعادها لتثبت أن الطامعين في السلطة لا يملكون إلا العبارات الجوفاء والشعارات الكاذبة. «مسلسل الجماعة» يحسب لمسلسل «الجماعة» أنه أول مسلسل يخلص الدراما المصرية من حالة الرهبة التي كانت تحول بينها وبين اقتحام الموضوعات السياسية الشائكة، لقد خلص وحيد حامد الدراما المصرية من محظوراتها وبدأ يناقش أكثر الموضوعات تعقيداً في مسيرة العمل السياسي المصري وارتباط الدين بالسلطة وقصور الحركات الدينية تجاه اكتساب الصفة الشرعية والرسمية سواء علي مستوي الدولة أو حياة المواطن العادي في الشوارع والمحافل الاجتماعية مدافعاً عن فكرة الوسطية التي حباها الله بها مصر موقعاً ودوراً وتاريخاً وهذا ما يفسر الأسباب وراء عدم ترجمة جماعة الإخوان المحظورة إلي حزب سياسي بكل هدوء وثقة وموضوعية ، فالحجة تقارع الحجة وليس معني ذلك أن نغفل حركة الواقع بل تسرد الدراما شهادة تاريخية علي مسيرة الجماعات الدينية في مصر وهذا الأمر من أكثر الموضوعات تعقيداً لأنها ضاربة بجذورها لمطلع القرن الماضي وانهيار الخلافة الإسلامية ولكن قوي الرجعية لا تريد للمجتمع أن يتقدم بل تصر علي أن تحبس حركة التاريخ في دائرة منغلقة وهنا تلعب الدراما التليفزيونية دورها في تصحيح المفاهيم وهي تعتمد علي التحليل أكثر من التضليل وعلي الاستقواء أكثر من الاستجداء فلم يعد ترويج المسلسل وبيعه للقنوات الفضائية هو المعيار الأول في تسويقه بل تقدمت عوامل أخري أكثر نضجاً أهمها الانفتاح علي مناقشة الوضع السياسي الراهن وما يحيط به من مغامرات حزبية تتصارع حول القاعدة الشعبية العريضة من الشعب المصري والمسلسل يلعب دوراً تنويرياً كما أنه ينمي روح الانتماء والوطنية ويحذر من خطورة اللعب بمقدرات وأمن هذا الوطن ولهذا فإن الأعمال الأخري من مسلسلات ترفيهية قد تضاءلت أمام مسلسل «الجماعة» ولم يعد لهذه المسلسلات قيمة وبدت في أفضل أحوالها مجرد اسكتشات ومشاهد لمواقف هزلية. المثقفون ودورهم في حماية البلد من تيارات الرجعية «الجماعة» ينظر إلي الأحزاب والجماعات الدينية في مصر بعين التحليل باحثاً عن المقدمات والنتائج، وهذا الهامش من الحرية يدل علي أن الدراما المصرية تتمتع بازهي عصور الديمقراطية حيث يعلو الرأي والرأي الآخر، وتطرح قضايا الأحزاب علي مائدة البحث وبالمقارنة بالعهود الماضية نجد أنه لم تكن هناك أحزاب غير حزب واحد ولم تكن هناك فرصة لمناقشة التعددية الحزبية لا في الدراما ولا في أية وسيلة إعلامية، بما يعني أننا نشهد حالياً حالة من النضج الفكري والإعلامي وأهمية الدور الذي يلعبه المثقفون في حماية البلد من تيارات القوي الرجعية. إلا أن أهمية مسلسل «الجماعة» تكمن في أنه ينخر في الجذور الضعيفة للأحزاب والجماعات الدينية ويتسلل بهدوء إلي ملفاتها الشائكة وبخاصة ضعف الأحزاب الرسمية عن التصدي للمد الديني ووجهة نظره الخليجية بالإضافة إلي رصد عواصف التغيير التي لحقت بجماعة الإخوان المسلمين وحلها وسعيها للصدام مع السلطة والأسباب الحقيقية لفشل الجماعة في «تسويق» نفسها كحركة سياسية رسمية وتؤكد أحداث المسلسل أن الجماعة لن تصبح حزباً سياسياً بدون الوصول إلي منظومة حضارية حديثة ولن يتحقق ذلك ما دامت تعتمد علي ثوابت جامدة لم تقم بتجاوزها رغم تغير المراحل التاريخية، ولم يغض المسلسل الطرف عن الحزب الحاكم بل سدد عين النقد إلي نوابه في مجلس الشعب واهتماماتهم بمصالحهم في إطار قناعاتهم الحزبية إلا أن المسلسل يثبت أن «الحزب الوطني» هو الحزب الوحيد الذي يواجه تحديات الواقع الاجتماعي المتدهور بينما تكتفي الأحزاب الأخري بالمعارضة اللفظية دون أن يكون لها دور اجتماعي يسهم في حل مشكلات الفقر والجهل والمرض. أهل كايرو يقدم مسلسل «أهل كايرو» رؤية مختلفة للصراعات الحزبية في مصر من خلال شخصية الضابط الذي يجسد دوره خالد الصاوي فعلي الرغم من عمله في مؤسسة من مؤسسات الدولة وهي وزارة الداخلية فإن والده ينتمي لحزب الوفد ولا يتردد لحظة في الهجوم علي السلطة السياسية عبر أحداث المسلسل ودائماً هناك تعارض بين الضابط الشاب ووالده الذي ينقل الجلسات الحزبية من مقر الحزب إلي بيته ليعقد جلسة فنية للتذوق الموسيقي سرعان ما تتحول إلي جدل سياسي حول الأحزاب ودورها في قيادة الحركات الشعبية، ويصور المسلسل أعضاء حزب الوفد علي أنهم كوادر كبار في السن ليعكس شيئاً مهماً وهو تضاؤل شعبية الحزب بين الشباب كما أن جلسات التذوق الفني في المسلسل التي يعقدها الأب بميوله وانتماءاته الوفدية تندرج علي هامش الماضي دون النظر إلي الأمام، إلا أن تناول الصراعات الحزبية، لا يأتي مباشراً مثل مسلسل «الجماعة» بل يدور أحياناً في سياق آخر ربما يلمح أكثر مما يصرح لكنه لا يخفي حالة الاحتقان السياسي داخل أحداث المسلسل ومتاعب الشرطة في الحفاظ علي الأمن وسط هذه التيارات السياسية المتعارضة دائماً والمتلاطمة أحياناً، ويقف مسلسل «أهل كايرو» ليقول كلمته ووجهة نظره حول أجواء العاصمة القاهرية قبل الانتخابات المقبلة، وكيف ستتضافر هذه الخيوط الحزبية المتعارضة وكل طرف يريد أن يكون وحده دون اللجوء للأطراف السياسية الأخري، ويؤكد المؤلف بلال فضل أن الدراما يمكن أن تضع يدها علي مكمن الداء في علاقة الشعب المصري بالسلطة ويتضح ذلك عبر محاولة ضابط الشرطة كشف الحقيقة وراء جريمة قتل غامضة. قصة حب يضع د. مدحت العدل تجربة الانتخابات ضمن أحداث مسلسل «قصة حب» لتكون اختباراً لما يمكن أن يحدث في المرحلة المقبلة فإذا كانت مصر تضج بالصراعات الحزبية، فإنه يجب أن يتعلم الناس حقوقهم السياسية ومن بينها حق الاقتراع إلا أن الناظر الذي يجسد دوره جمال سليمان في إحدي المدارس يفاجأ بأن تشجيعه للطلاب علي حرية الانتخاب لم يثمر عن شيء، لأن الصراع بين قوي التخلف والرجعية وقوي التقدم قد تطورت إلي أحداث مأساوية حيث اندلعت معارك العنف بين الطلاب في الجانبين مما جعله يتدخل لفض الاشتباك لأنه اكتشف أن الطلاب لا يفهمون معني الديمقراطية وهذه هي حقيقة الواقع السياسي للأحزاب المصرية ولكن أهالي الطلاب انقسموا حول هذا الأمر فقد اعتبر المتشددون أن ابنهم عبد الرحمن له حق في الدفاع عن وجهة نظره، بينما أكد البعض الآخر أن أولادهم يعبرون عن وجهة نظر حضارية تشجع الفن وتدعو إلي تنمية المواهب والملكات الإنسانية غير أن الغلبة كان للفنانة بسمة وابنها مما يدل علي أن ارتداء النقاب رمز يدل علي وجود الجماعات الدينية علي أرض الواقع ويمكن أن يكون لها دور فاعل في الحركات السياسية. المسلسلات المصرية لم تعد بعيدة عن الترددات والمؤشرات المغناطيسية لحركة الشارع المصري، واقتحام الدراما لهذه القضايا الشائكة يدل علي أن الوعي السياسي قد بدأ يبلور مفهوماً واضحاً للديمقراطية يرحب فيه بكل الاتجاهات البناءة ويغلق الباب في وجه الحركات والتيارات السياسية الخفية لأن المصداقية ترتبط في كل الأحوال بالشرعية.