أكد الباحث وجدي حلمي عيد عبد الظاهر مخرج بالقناة الثانية بالتليفزيون المصري أن قضايا الفساد تمثل إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجهها مصر وأصبحت تتصدر القضايا القومية المهمة نظرا لتشابك خيوطها مع كثير من القضايا الأخرى وتفاقمها بدرجة لم يسبق لها مثيل من قبل الأمر الذي يهدد مسيرة ومستقبل المجتمع ولعل أخطر ما ينتج عن ممارسات الفساد الخلل الجسيم الذي يصيب أخلاقيات العمل وقيم المجتمع مما يؤدي إلى شيوع حالة ذهنية لدى الأفراد تبرر الفساد وتجد له من الذرائع ما يبرر استمراره ويساعد في اتساع نطاق مفعوله في الحياة اليومية معالجة الدراما العربية التي يعرضها التليفزيون المصري لقضايا الفساد في المجتمع وعلاقتها بإدراك الجمهور واتجاهاته نحوها. وقال في رسالته للدكتوراة التي حصل عليها بامتياز مع مرتبة الشرف وكان موضوعها "معالجة الدراما العربية التي يعرضها التليفزيون المصري لقضايا الفساد في المجتمع وعلاقتها بإدراك الجمهور واتجاهاته نحوها": تفاقمت مشكلة الفساد مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الجديد إلى أعلى درجة وفرضت تلك القضايا نفسها بقوة على أجندة وسائل الإعلام وأصبحت تحظى بمعدلات متابعة عالية ويرجع الاهتمام بهذه القضايا لمجموعة من العوامل أهمها الكساد واختلال الميزان الاجتماعي بسبب سياسات الإصلاح الهيكلي وظهور شريحة اجتماعية غنية في الحقبة الماضية استفادت من التحولات في السياسات الداخلية للدولة والانفتاح على العالم الخارجي وانتشار الفساد في الأوساط السياسية خاصة أصحاب المناصب الرفيعة، وظهور قوى معارضة تدعو إلى مكافحة الفساد وفضح رموزه. وقد شهدت العديد من الدول العربية ومنها مصر منذ منتصف السبعينات تغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية في ظل التحول لسياسة الباب المفتوح وتراجع دور الدولة وتشجيع القطاع الخاص ليتخذ دوراً أكثر أهمية في النشاط الاقتصادي وقد واكب هذه التحولات تغيرات اجتماعية واسعة وسريعة تجلت إحدى صورها في ظهور شرائح اجتماعية جديدة تملك الثروة المولدة من استثمارات غير إنتاجية بعضها مشروع والبعض الآخر غير مشروع ومع تزايد مساحة حرية التعبير للمصاحبة لهذه التحولات وظهور عدة أحزاب سياسية معارضة ثارت تساؤلات حول دور الفساد في تشكيل الواقع المصري على الرغم من اتخاذ إجراءات لمواجهة الفساد عبر جهات ومؤسسات رقابية لم تستطع أن تضع حداً لهذه الظاهرة وأصبحت مشكلة الفساد في معظم الدول مشكلة عالمية وأخذت تشكل عامل قلق رئيسي، كما أعطت بعض الدول أولوية قصوى لمحاصرة الفساد المتفشي في كافة الشئون العامة. وسواء كان الفساد في مستواه الخاص أو العام، فالإجماع كان حول ما تمثله هذه الظاهرة من خطورة تترك آثارها على المجتمع عامة؛ ومن ثم فإن الفساد لا يرتبط بدولة دون غيرها، أو بفرد من دون المجتمع؛ فالتأثير متداخل والحلقات متشابكة، ومن ثم فإن المنطلق الرئيسي الذي أكد عليه الباحثون. وقال من أبرز نتائج الدراسة تنوع القوالب الدرامية التي قدمت فيها قضايا الفساد ما بين القالب الميلودرامي الذي احتل المرتبة الأولى، تلاه القالب التراجيدي في المرتبة الثانية، ثم القالب الكوميدي وتنوعت الجهة الإنتاجية للأعمال الدرامية، فقد جاء الإنتاج المصري الخاص في المرتبة الأولى. وجاء في المرتبة الثانية الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي، واحتل كل من قطاع الإنتاج والإنتاج المشترك في المرتبة الثالثة. وأظهرت نتائج الدراسة التحليلية أن فساد رجال الأعمال والفساد السلوكي احتلا المرتبة الأولى وجاء الغش في المرتبة الثانية. وجاء في المرتبة الثالثة استغلال السلطة والاستغلال الوظيفي، واحتل الابتزاز المرتبة الرابعة، وجاءت الرشوة في الترتيب الخامس. وجاء فساد الشرطة في المرتبة السادسة، واحتل التزوير المرتبة السابعة، وجاءت فضائح كبار مسئولي الدولة في الترتيب الثامن، واحتل الفساد الحزبي المرتبة التاسعة. وجاء فساد الوزراء في الترتيب العاشر، وجاءت الرشوة الجنسية في المرتبة الحادية عشر، واحتل الاختلاس الترتيب الثاني عشر، وجاء في المرتبة الثالثة عشر المحاباة والمحسوبية، واحتل كل من الفساد الطبي والعمولات الترتيب الرابع عشر، وجاء الفساد الإعلامي في المرتبة الخامسة عشر، وجاءت باقي أنواع الفساد المتمثلة في الفساد البرلماني وغسيل الأموال وفساد المحامين وتجارة المخدرات والفساد التعليمي والكسب غير المشروع وتعطيش السوق والتربح والتحريض على القتل وتستطيع الأراضي من الترتيب من الثالث عشر حتى الأخير كما أظهرت نتائج الدراسة التحليلية أيضاً أسلوب عرض الفساد في الأعمال الدرامية، حيث جاء عرض الفساد والدعوة لمحاربته في المرتبة الأولى، وفي المرتبة الثانية عرض الفساد مع توضيح أسبابه، ثم عرض الفساد مجرداً في المرتبة الثالثة، وأخيراً عرض الفساد وتقديم حلول له. وأبرزت نتائج الدراسة الميدانية التي أجراها الباحث أن قضية الفقر وارتفاع الأسعار في مقدمة القضايا والمشكلات الخاصة بالمجتمع المصري التي تعرضها الدراما العربية بالتليفزيون المصري، تلتها قضية الفساد، ثم أطفال الشوارع، ثم مشكلات الزواج، تلتها قضايا الشباب، ثم مشاكل الإسكان والمواصلات والغذاء، ثم المشكلات الأسرية، تلتها حقوق المرأة، ثم الصراع بين الأجيال. واقترحت الدراسة إعادة هيكلة التشريعات والعقوبات المقررة في قانون العقوبات لتشكيل عامل ردع شديد في مواجهة الفساد وربطه بظروف مشددة لتحقيق شيئين أولهما الردع في المجتمع والثاني الحد من ظاهرة انتشار الفساد، وإنشاء هيئات ومؤسسات رقابية وشرطية ومحاكم ودوائر وقضائية خاصة فقط بقضايا الفساد لمراعاة عامل السرعة والدقة في ملاحقة الفساد المفسدين. وضرورة إنشاء مؤسسات خاصة تهتم بدراسة ظواهر الفساد في المجتمع المصري ويقوم على إدارتها مؤسسات حكومية وغير حكومية تعني بحقوق الإنسان والحريات الأساسية للمواطن، وتحلل الواقع الذي نعيشه بشكل بناء دون تجريح، مع إمكانية الاستفادة من آراء المنظمات الدولية العالمية وخبراتها في هذا الشأن بما لا يخل بسيادة الدولة. وضرورة الاستفادة بآراء المثقفين والمفكرين في رصد الفساد وكيفية إصلاح المجتمع، فالتاريخ أبرز الكثير من الشخصيات المفكرة التي ترجمت نقدها للظاهرة أمثال ابن خلدون وابن منظور وأفلاطون وأرسطو والكاتب محمد حسانين هيكل والاستفادة من تشخيصه الدقيق للواقع والعربي. والعمل على تدعيم الروابط الأسرية والحفاظ على كيان الأسرة فهي اللبنة الأولى للمجتمع، إذا صلح حالها، صلح حال المجتمع ككل، فرب الأسرة أور بتها يعيشون بين نار الأزمة الاقتصادية وصراع القيم الوافدة على المجتمع والتمسك بالقيم الأصيلة دينياً واجتماعياً وقضايا الفساد التي تطالعنا بها وسائل الإعلام المحلية والدولية كل يوم، فتهتز القيم والمبادئ والأخلاق مما يؤدي إلى الانخراط بشكل أو بآخر في الأعمال الفاسدة وضرورة اتخاذ إجراءات رادعة تجاه الشخصيات الفاسدة، ومن يستغلون مناصبهم دون وجه حق ودون التمييز بين فرد وآخر، حتى يكونوا عبرة لغيرهم والحد من القيود التي تعرقل دور وسائل الإعلام في معالجة قضايا الفساد والحرص على عدم الربط بين قضايا الفساد وشخصيات معينة في الأعمال الدرامية لما قد يتسبب في خلق انطباع سيء تجاه هذه الشخصيات بين الجمهور العام، ولابد من تمثيل الشخصيات الفاسدة في المجتمع بمختلف مستوياتهم بشكل مماثل للواقع، حتى لا يشعر الجمهور بفجوة بين الواقعين الدرامي والاجتماعي.