في شهر ديسمبر الماضي أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بإدانة ازدراء الأديان, وكان الاسلام هو الدين الوحيد الذي ذكره هذا القرار بالاسم, وجاء فيه التعبير عن الأسف للاستهداف العرقي والديني الذي يتعرض له المسلمون منذ هجمات11 سبتمبر, وربط الاسلام بالعنف علي نحو ظالم. وطالب هذا القرار بتوفير الحماية الكافية ضد أعمال الكراهية والتمييز والترويع والاكراه الناتجة عن ازدراء الأديان والتحريض علي الكراهية بشكل عام, وادان الادعاءات بأن الاساءة إلي الأديان ليست إلا ممارسة لحرية الرأي وحدد اطارا اخلاقيا وقانونيا لهذه الحرية بحيث تخضع للقيود مادامت هذه القيود ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو حماية الأمن القومي أو النظام العام. وفي شهر مارس من العام الماضي أصدر مجلس حقوق الانسان في الأممالمتحدة قرارا أكد فيه أن حرية التعبير لاتتضمن الاساءة إلي الأديان أو التحريض ضدها أو الآراء التي تحث علي الكراهية والتمييز ضد الأديان. وأكد البيان الختامي لاجتماعات البرلمان الأورومتوسطي في مارس الماضي أيضا أدانة الاساءة للاسلام, ولم تنجح اعتراضات وفود إسرائيل وبلجيكا وهولندا والدنمارك في منع صدور هذه الادانة. فإذا كان موضوع العداء للاسلام قد أصبح حقيقة تعترف بها الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الانسان في جنيف والبرلمان الأورومتوسطي فهل نصدق الذين ينكرون وجود هذا العداء من المفكرين والسياسيين سواء في الغرب أو في العالم الاسلامي؟! وفي آخر تقرير للمرصد الديني في سويسرا اشارات عديدة إلي مفكرين وسياسيين ورجال دين يتحدثون عن الاسلام بروح عدائية وعنصرية ومنهم مثلا دانيال زينج من قادة الجماعات الانجيلية ويدير مؤسسة للتبشير الانجيلي لها فروع في14 دولة ويلقي محاضرات بعنوان إسرائيل بين الوعد الانجيلي وارادة القوة في الاسلام ويقول فيها ان الايديولوجية الاسلامية مليئة بالحقد, والاسلام ايديولوجية توسعية, وفي فرنسا تعرضت مدافن المسلمين إلي عملية تدنيس ثانية بعد عام علي تدنيسها بكتابات تصف الاسلام والمسلمين بالنازية, واعترف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في بيان رسمي أصدرته الرئاسة الفرنسية أن هذا العمل عنصري, وفي سويسرا بدأت حملة ثانية بعد حملة حظر بناء المآذن تسعي هذه المرة إلي الغاء ما أطلق عليه مظاهر أسلlة سويسرا وفسرت وزيرة العدل السويسرية هذه المواقف علي أنها تعبير عن المخاوف والقلق من تيارات اسلامية ترفض تقاليد الدولة ولاتحترم نظامها, وفي ألمانيا قالت المستشارة الألمانية ان هذا الخوف من الاسلام موجود في ألمانيا أيضا, وفي هولندا ارتفعت أصوات تطالب بمنع بناء المآذن كما حدث في سويسرا. وكتب الرئيس الفرنسي ساركوزي مقالا في صحيفة الموند تساءل فيه: ماذا سيكون رد الشعب الفرنسي في استفتاء مماثل, أما د. أحمد داود أوغلو استاذ العلوم السياسية في جامعة بيكت بتركيا فقد رأي في كتابه العالم الاسلامي في مهب التحولات الحضارية أن العالم الاسلامي الآن هو أكبر المتضررين من طغيان الحضارة الغربية لأنه لم يستطع أن يبدأ في استعادة دوره الحضاري العالمي بينما نجحت الوحدة الأوروبية في احياء فكرة استرداد مركز الحضارة في أوروبا مرة أخري, وهذا ما يجعل الأوروبيين المقتنعين بمركزية الحضارة الأوروبية وتفوقها غير مستعدين لأن يروا دولة مسلمة أو مظاهر تزايد الوجود الاسلامي في أوروبا وجاءت نظرية فوكوياما عن نهاية التاريخ بعد انتصار الديمقراطية الليبرالية الغربية, واعتبار هذا الانتصار هو المرحلة الأخيرة من مراحل التطور الايديولوجي الانساني, وقد دعمت هذه النظرية القوي المهيمنة في الغرب بما تحتاجه من مبررات نظرية لإعادة هيكلة النظام العالمي, وللادعاء بأن الهوية الاسلامية مصدر تهديد للحضارة الغربية, وقد تجلي ذلك في حرب البوسنة حيث تم تدمير التراث والهوية الاسلامية في قلب القارة الأوروبية واللجوء إلي التطهير العرقي لتحقيق ذلك, وكان سكوت الغرب علي انتهاكات الصرب لحقوق المسلمين في البوسنة دليلا علي أن الحضارة الغربية بدأت في التراجع عن التعايش السلمي مع الثقافات والحضارات الأخري, وقد عمل الغرب علي صناعة عدو اسلامي لاستغلاله في تحقيق أغراضه السياسية, ومن ذلك مثلا تصوير صدام حسين كرمز للتهديد الذي يمثله التيار الأصولي الاسلامي علي الرغم من أن صدام حسين ونظامه لم يكن لهما انتماء من قريب أو بعيد بهذا التيار, وهذا الموقف في اجماله ليس إلا وسيلة لإيجاد شعور بالوحدة, ومعروف أن الانظمة تلجأ إلي اختراع عدو خارجي لابعاد تيارات المعارضة والانقسام من ناحية ولصرف الانظار عن أزماتها من ناحية أخري, وهذا ما يفسر المواقف النظرية والعملية للغرب النابغة من تصوير الاسلام علي أنه التهديد الذي يحول دون نشر الديمقراطية, وهذا بالضبط ما قاله فوكوياما: لقد تمكن الاسلام من وأد الديمقراطية الليبرالية في أجزاء عديدة من العالم الاسلامي, وهذا يشكل تهديدا صارخا للممارسات الليبرالية حتي داخل دول لم تحقق الديمقراطية, فقد أعقب انتهاء الحرب الباردة تهديد عراقي ضد الغرب وصار الاسلام عنصرا مؤثرا في ذلك بشكل مباشر لايقبل الجدل. اليس ما نراه وما نلمسه من مواقف ضد الاسلام في الغرب هو التطبيق العملي لنظرية فوكو ياما المحرضة علي الاسلام حتي ولو أنكر ذلك المنكرون؟!