الحمد لله الجواد الكريم الشكور الحليم أسبغ على عباده النعم ودفع عنهم شدائد النقم وهو البر الرحيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل العظيم والخير العميم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى الكريم صل الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين وسلم تسليما . أما بعد ، أيها الناس : العناصر :
1- المقصود من التحويل السلمي دون عنف.. 2- الحكمة من صلاة الرسول 16ستة عشر شهراً تجاه بيت المقدس .. 3- الرسول لم يجد بداً من صلف وإعراض أهل الكتاب وخاصة اليهود 4- تحويل القبلة كان توحيداً للمسلمين .. 5- أقوال السفهاء وتهكمهم علي الإسلام والمسلمين .. 6- وسطية أمة محمد وشهادتهم علي جميع الأمم .. أيها الناس: *إن المقصود من التحويل السلمي دون عنف هو : "أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ظل يقلب وجهه في السماء طيلة ستة عشر شهراً ..لأن يحول الله وجهه إلي القبلة دون طلب منه سبحانه وتعالي .. "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا" وقد أعلم الله تعالى رسوله أنه كان يراه وهو يقلَّب وجهه في السماء انتظاراً لوحي يؤمر فيه باستقبال الكعبة بدل بيت المقدس لرغبته في مخالفة اليهود ولحبه لقبلة أبيه إبراهيم إذ هي أول قبلة وأفضلها .. كما أن الرسول صلي الله عليه وسلم لقي ما لاقاه من أهل الكتاب ومن اليهود الذين لم يؤمنوا به ولم يأمن مكرهم وكيدهم ولم يقل لهم مرة :"إنني سوف أطلب من الله أن يحول وجهي عن قبلة أنبيائكم حيث أن الحكمة من ذلك كما سنعرف .. أنها لتأليف قلوبهم وكسب ودهم .. قال تعالي :" وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145-البقرة ). وقد أ خبر تعالى بحقيقة ثابتة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أتى اليهود والنصارى إلى قبلته كما أن النصارى لم يكونوا ليصلوا إلى بيت المقدس قبلة اليهود ، ولا اليهود ليصلوا إلى مطلع الشمس قبلة النصارى ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لم يكونوا أبداً ليتابعوا أهل الكتاب على قبلتهم بعد أن هداهم الله إلى أفضل قبلة وأحبها إليهم . وأخيراً يحذر الله رسوله أن يبتع أهواء اليهود فيوافقهم على بدعهم وضلالاتهم بعد الذي أعطاه من العلم وهداه إليه من الحق ، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفعل ولو فعل لكان من الظالمين . ** الحكمة من صلاة الرسول صلي الله عليه وسلم تجاه بيت المقدس في بداية الأمر .. 1- كان الاتجاه من قبل إلى الكعبة ثم أمره بعد الهجرة بالتوجه إلى بيت المقدس لعل اليهود يتبعونه ويوفون بعهودهم ولتأليف قلوبهم.. وكسب ودهم ودخولهم في الإسلام .. وهى صورة من صور التسامح مع أهل الكتاب وكم فى المعاملات الإسلامية من نماذج تؤكد هذا المعنى حتى يعيش الناس فى أمان ويحيا الجميع فى سلام وتعطى الصورة الحقيقية السمحة عن هذا الدين العظيم وعن الدور القيادي لهذه الأمة وما ينبغي أن تكون عليه من تسامح في كل شيء حتى فى الدين فالأمة الإسلامية مأمورة أن تدعوا لدين الله وأن لا تكون هذه الدعوة بحمل السلاح أو غيره فهى ليست أمة كراهية كغيرها من الأمم وليست أمة عنصرية هى أمة تفى بجميع عهودها ومواثيقها فهى ليست أمة حبر على ورق ولا أمة كلام يتشدق به بل هى تقول فتلتزم بما تقول هى أمة مطيعة لآوامر ربها فكان جلى لهذه الأمة أن تنفذ أمر الله عز وجل فتتجه إلى بيت الله الحرام ولا تجادل فى هذا الإتجاه بل هى أمة استسلمت لأمر الله عز وجل فلم ينطق أحد عن سبب الإتجاه ولكن السؤال عن صلاتهم التى صلوها فى اتجاه بيت المقدس فكان جواب الله لهؤلاء القوم ( وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) هكذا تجلت رحمة الله عز وجل بهذه الأمة فكانت صلاتهم تجاه بيت المقدس مقبولة منهم. – 2- وفى الاتجاه إلى بيت المقدس معنى التآخي والتسامح والترابط و إشارة إلى أهمية المسجد الأقصى ومنزلته مما تستوجب على الأمة التضامن لنصرته وخلاصه ونسأل الله أن يفك أسره من أيدي الآثمين الظالمين وفى تحويل القبلة إلى الكعبة الشريفة دعوة إلى توحيد الأمة فالقبلة رابطة توحد للمسلمين إذ لو ترك كل إنسان يتجه حسبما يريد لكان الناس متفرقين أما اتجاههم إلى قبلة واحدة في مشارق الأرض ومغاربها ففى هذا معنى الوحدة والقوة والترابط كما أن في الاتجاه إلى بيت المقدس ثم التحويل عنه إلى الكعبة ما يشير إلى التقديس فى الإسلام ليس للمكان ولكنه لله وحده.. *** الرسول لم يجد بداً من صلف وإعراض اليهود فقد نابذوه العداء وحاربوه حرباً أشد من كفار قريش وحاولوا قتله واغتياله .. قال تعالي :" وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145-البقرة ). وقد أ خبر تعالى بحقيقة ثابتة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أتى اليهود والنصارى إلى قبلته كما أن النصارى لم يكونوا ليصلوا إلى بيت المقدس قبلة اليهود ، ولا اليهود ليصلوا إلى مطلع الشمس قبلة النصارى ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لم يكونوا أبداً ليتابعوا أهل الكتاب على قبلتهم بعد أن هداهم الله إلى أفضل قبلة وأحبها إليهم . وأخيراً يحذر الله رسوله أن يبتع أهواء اليهود فيوافقهم على بدعهم وضلالاتهم بعد الذي أعطاه من العلم وهداه إليه من الحق ، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفعل ولو فعل لكان من الظالمين . قعلماء أهل الكتاب المعاصِرُونَ للنبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعلمون أنه النبي المبشر به وأنه النبي الخاتم واعرضوا عن الإيمان به وعن متابعته إيثاراً للدنيا على الآخرة . *****أقوال السفهاء يزيد من عزيمتنا. قيل : المراد بالسفهاء مشركوا العرب وقيل : أحبار اليهود وقيل : المنافقون وهذه الآية عامة في هؤلاء. ولما وقع حادث تحويل القبلة حصل لبعض الناس -من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود -ارتياب وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك، وقالوا: { مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } أي: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا، وتارة يستقبلون كذا؟ فأنزل الله جوابهم في قوله: { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } أي: الحكم والتصرف والأمر كله لله، وحيثما تولوا فثمَّ وجه الله، و { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ } [ البقرة : 177]أي: الشأن كله في امتثال أوامر الله، فحيثما وجهنا توجهنا، فالطاعة في امتثال أمره، ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة، فنحن عبيده وفي تصريفه وخُدَّامُه، حيثما وجَّهَنا توجهنا، وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد -صلوات الله وسلامه عليه (2) -وأمتِه عناية عظيمة؛ إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم، خليل الرحمن، وجعل توجههم إلى الكعبة المبنية على اسمه تعالى وحده لا شريك له، أشرف بيوت الله في الأرض، إذ هي بناء إبراهيم الخليل، عليه السلام، ولهذا قال: " قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " . عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني في أهل الكتاب -:"إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة، التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين" (أحمد) . *****تحويل القبلة كان توحيداً لأمة محمد صلي الله عليه وسلم .. ويتجلى توحيد القبلة الأثر الواضح في وحدة المسلمين فكلهم مهما تباعدت أقطارهم ودولهم واختلفت أجناسهم وألوانهم يتوجهون إلى قبلة واحدة فتتوحد عواطفهم ومشاعرهم ويستشعرون الانتماء الروحي والديني والعاطفي في اتجاههم إلى أقدس بقعة واشرف مكان اختاره رب العزة سبحانه وأمر بإقامته والطواف حوله والاتجاه إليه فى كل صلاة ولذا كان للكعبة أثرها فى قوة المسلمين النابعة من اجتماعهم وتوحيد صفوفهم وكان للقبلة أثرها فى جمع شمل الأمة والتقائها فى هذه البقعة التى تهوى إليها الأفئدة ويأتي إليها الناس من كل فج عميق حجاجاً وعماراً يتلاقون على أنبل مقصد وأشرف غاية فى أقدس بقعة وأطهر مكان ؛ ولما كان للقبلة أثرها فى وحدة الأمة الإسلامية نظر الأعداء إليها وإلى القرآن الكريم وإلى الأزهر الشريف على أن هذه المعالم الثلاث تمثل وحدة المسلمين وقوتهم ونظروا إليها بتأمل حاقد ليحاولوا أن يصدوا الناس عن الأزهر حتى تتفرق الأمة وتضعف وقد قال قائلهم قديماً فقال : لا قرار لهم ما دام المصحف والكعبة والأزهر ولذا وجب علينا أن نحافظ على تراثنا وأمجادنا ومقدساتنا ودستورنا السماوي.. *****وسطية أمة محمد وشهادتهم علي جميع الأمم ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ) يحدد لهذه الأمة دورها في النهوض بالبشرية ورسالتها فى قيادة القافلة الإنسانية فبذلك تتبوأ مكانتها كخير أمة أخرجت للناس شاء الله لها أن تكون أمينة على رسالة السماء وشاهدة على الناس وحين تتخلى عن هذه الرسالة أو تخل بواجبها تكون قد حرمت نفسها من خيرتها ومن كونها الأمة الوسط وفقدت كيانها ودورها الريادي بين الأمم ويستوجب القرآن على هذه الأمة عبادة الله والجهاد في سبيله لأنه اختارهم واصطفاهم على سائر الأمم وكلفهم بشريعة لا حرج فيها ولا مشقة ولا ضيق و لا عسر فيها والناظر إلى قبلة المسلمين وهى الكعبة المشرفة يرى أنها قبلة واحدة لكل المسلمين فى أنحاء العالم ففي أى مكان على الخريطة الدنيوية وجد الإنسان فعليه أن يتجه إلى الكعبة زادها الله تشريفاً وتكريماً وتعظيما ومهابة وبرا وواضح أنه يصعب على من فى عواصم الدنيا وفى أنحاء الأرض أن يقع اتجاههم إلى الكعبة بعينها فلذا كانت الكعبة قبلة من فى مكة ومكة قبلة فى سائر الأرض.. " لتكونوا شهداء على الناس " عن أبى سعيد قال قال رسول الله ( يدعى نوح يوم القيامة فيقول له هل بلغت ؟ فيقول نعم فيدعى قومه فيقال لهم : هل بلغكم ؟ فيقولون : ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد فيقال لنوح من يشهد لك ؟ فيقول محمد وأمته قال قذلك قوله : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله : يجئ النبي يوم القيامة ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه فيقال لهم : هل بلغكم هذا ؟ فيقولون : لا فيقال له : هل بلغت قومك ؟ فيقول : نعم ؟ فيقال : من يشهد لك ؟ فيقول محمد وأمته فيدعى محمد وأمته فيقال لهم : هل بلغ هذا قومه ؟ فيقولون نعم فيقال : وما أعلمكم ؟ فيقولون : جاءنا نبينا فأخبر أن الرسل قد بلغوا فذلك قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) – بن كثير 1